آخر الأخبارأخبار محلية

رمز وحدة الوطن… هل يتطلب دائماً اجماعاً عددياً واسعاً؟

شكلّت الجلسة الانتخابية التي عُقدت امس في ساحة النجمة محطة اساسية، ظهرت من خلالها الصورة الواقعية عن الحياة السياسية في لبنان وعن الأساليب المُستخدمة في ادارتها وادارة شؤون المواطنين من خلالها.


وأظهرت الجلسة مسارين تنتهجهما القوى السياسية في محاولة منها لبلوغ اهدافها المختلفة:


المسار الأول متمثل في البحث الدائم عن الحوار والتواصل والتقارب، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات السياسية والتوجهات الاستراتيجية.
أما الثاني، فهو متمثل في محاولة البحث عن تشكيل أكثريات وأقليات عملاً بالنهج الديمقراطي، علماً ان هذا النهج لا بد من النظر اليه من باب التوافق، وفقاً للمقاربة اللبنانية التي يفرضها “الميثاق الوطنيّ” و”اتفاق الطائف” في الوقت نفسه.


وانطلاقاً من هنا ومن تعدد المسارات التي تنتهجها القوى السياسية، كيف ينظر الدستور الى الانتخابات الرئاسية وهل يوفّق ما بين فكرة التوافق والعملية الانتخابية؟

 
مرونة الدستور
في هذا الاطار أكد الاستاذ المحاضر في القانون في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور رزق زغيب في حديث لـ “لبنان 24″، ان “الدستور اللبناني يتحدث صراحة عن عملية انتخابية في مجال اختيار رئيس جديد للجمهورية، ولا يتحدث بشكل دائم عن ضرورة التوافق الواسع والشامل حول شخصية رئيس الجمهورية، الذي قال عنه الدستور   في مادته الـ 49، انه (رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن).
لذلك لا يمكن الحديث عن اي شائبة ممكنة في حال تم في اي دورة من الدورات التي تلي الدورة الأولى انتخاب رئيس من قبل 65 نائباً فقط اي من قبل الأكثرية النيابية المطلقة”.
وبالتالي، ووفقا لأحكام الدستور، يُستوجب أقله في الدورة الأولى، تأمين نسبة عالية من الأصوات من أجل فوز احد المرشحين الرئاسيين ( ثلثا اصوات النواب)، تأمينًا للتوافق في مرحلة اولى، غير انه في الدورة الثانية ومختلف الدورات التي تلي الدورة الاولى، يظهر الدستور أكثر مرونة معتبراً ان النصف زائداً واحداً، اي الـ65 صوتاً، رقماً كافياً لامكانية انتخاب رئيس للجمهورية.
وبناء عليه يمكن الحديث عن نصابٍ متحركٍ بين دورتي الانتخاب الاولى والثانية، لجهة عدد الاصوات المطلوبة لانتخاب رئيسٍ، وبالتالي لجهة عدد النواب المطلوب لتأمين نصاب الانعقاد.
وهذه الاكثرية المتحركة التي لحظها الدستور تهدف الى تسريع عملية الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية، فالمُشترع الدستوري وَضع أحكام الدستور بطريقة تتوخى الايجابية واتخذ منحى غير تعطيلي هادفاً من خلاله الى تفادي اي فراغٍ محتمل تماشياً مع المبدأ العام ذي القيمة الدستورية القائل بضرورة تأمين استمرارية السلطة العامة”.
 
عملية انتخابية مُعقدة
ويرى زغيب ان هناك ” من يعتبر ان النصاب المطلوب لانعقاد الدورة الثانية لا يجوز ان يكون مشابهاً لنصاب الدورة الاولى (ثلثا اعضاء المجلس) وذلك لتسهيل العملية الانتخابية وانسجامًا مع النص، لكن الواقع الحالي والمبدأ الذي ينتهجه مجلس النواب دون اي اعتراض فعليّ وجديّ يُذكر منذ العام ٢٠١٤، هو مخالف للمسار المشار اليه، وهذا ما يجعل عملية الانتخابات الرئاسية أكثر تعقيداً.
لذلك، يمكن القول ان الزام وجود نصاب ثلثيّ اعضاء المجلس في مختلف الدورات الانتخابية على غرار ما هو مطلوب في الدورة الاولى يساهم في خلق المزيد من التعقيدات والصعوبات التي تعترض الملف الرئاسيّ”.
وأشار زغيب الى ان ” الدستور يكفل للنواب حقهم في حضور او عدم حضور الجلسات الانتخابية بمجرد اشتراطه تأمين نصاب لانعقاد الجلسة، لكن هذه الحرية المتمثلة في محاولة عدم تأمين النصاب، يجب ان تتوقف عندما تدخل البلاد في مرحلةٍ من الشغور الرئاسي المتمادي، وذلك عملاً بالمبدأ العام الدستوري الذي يتغلّب ويتقدم على حرية النائب الناخب، الا وهو ضرورة تأمين استمرارية السلطة العامة وديمومتها.
فالدستور ليس موادا نصية وحسب انما هو مبادىء عامة، اذا قمنا بتطبيقها لا بد لنا من ان نصل الى النتائج المرجوة.
والدليل ان حق النواب بالتغيب عن جلسات الانتخاب مكفول منذ العام 1926، لذلك لا بد من طرح علامات الاستفهام حول عدم استخدامه سوى في فترات الازمات والتوترات التي بدأت مع اندلاع الحرب في العام 1976.


في المحصلة، يبدو “البيكار” في مجال التعاطي مع الانتخابات الرئاسية في لبنان واسعاً ومتداخلاً، اذ تتداخل فيه المبادىء الدستورية مع متطلبات اللعبة السياسية وأدواتها، والأيام المُقبلة قد تثبت مرة جديدة ان لبنان لا يُمكن ان يُحكم ولا يٌمكن ان يزدهر ويتطوّر الا ان عاد الجميع الى ممارسة  مبدأ التوافق بنفس ايجابيّ.

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى