الصوت السنّي بين محكّ الطائف والانحياز إلى الثنائي
ففي خريطة الأصوات السنية، بين مؤيدي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وشعارات وأسماء مرشحين خارج الإطار التنافسي بين فرنجية والمرشح جهاد أزعور، نجح الثنائي، ومعه داعمون معروفون لفرنجية خارج الوسط السياسي، في كسب مجموعة أصوات سنية، بينها من هم موالون تقليديون له، وتحييد أصوات نواب سنة بين «تغييريين»، في مقدّمهم النائبة حليمة قعقور التي يعدّها فريق المعارضة أساساً مؤيدة لحزب الله، وتحرك نواب مستقلين كانوا أقرب إلى فريق المعارضة في السياسة العامة، فصار تصويتهم بالطريقة التي حصل فيها يوازي تصويتاً إلى جانب الثنائي. فيما عبّر النواب أشرف ريفي وفؤاد مخزومي وبلال حشيمي عن الاتجاه الآخر الأكثر التزاماً ليس فقط بتأييد مرشح المعارضة، بل بتكريس واقع الاتجاه العام الذي يسعى إلى تشكيل استمرارية للخط السني التقليدي. أما النواب «التغييريون» فحالة أخرى، قد يكون الأكثر تعبيراً عن تناقضاتها تصريحات النائب إبراهيم منيمنة.
ارتجالية هذه القوى لا يمكن تلقائياً إلا أن تُسحب من دور مؤثر في اتفاق الطائف. في المبدأ كان السنة هم الشريك الأساسي والمستفيد من تطبيق الطائف، رغم سلبيات تطبيقه سورياً ولبنانياً. وبعد عام 2005، حاول الأفرقاء المسيحيون المدافعون عن الطائف التمسك به، من منطلق الحفاظ على الشراكة مع الفريق الذي أصبح بعد عام 2005، على يمين هؤلاء الأفرقاء. لكن، رغم العثرات المتتالية، تراجع أداء دور القوى السنية على مدى سنوات بعد عامي 2005 و2009. ليس سهلاً أن تحصر الإضاءة على شخصيات سنية لا تزال تتمسّك بالاتفاق، وهذا يعكس وجهاً من وجوه الانفصال التدريجي عن اتفاق الشراكة، ويذكّر بما كان يقال في دوائر لصيقة بالرئيس سعد الحريري عن ضرورة فك التفاهم مع حلفائه المسيحيين، في وقت يكثر الكلام عند المسيحيين عن ضبابية مستقبل هذا الاتفاق.
حاول المسيحيون مرات عدة تضييق الفجوة بين معارضة الاتفاق والتمسك به، خصوصاً في مرحلة قرنة شهوان التي فرضت إيقاع التمسك به آنذاك مع بكركي، إلى أن بدأت أصوات تطالب بتعديله وبإعادة النظر فيه وصولاً إلى المطالبات الأخيرة باللامركزية الموسّعة إدارياً ومالياً، وبالانفصال عن شكل الدولة الحالي وبالفيدرالية، مقابل سلوكيات تنفيذه في شكل مجتزأ. هذا وحده يشكل خطراً على الطائف، في نظرة مستجدّة للمسيحيين له. فكيف إذا كان مسار السنّة يسير نحو إخراج أنفسهم تلقائياً من هذه المعادلة التي تجعل من الصعب إحياءها.
ما أفرزته جلسة الانتخاب أن خريطة توزع الأصوات السنية عكست خطورة ستظهر مستقبلاً في حجم الانقسام الأفقي بين مسيحيين ومسلمين. وإذا كان اللقاء الديموقراطي التقط فرصة الانحياز إلى الإجماع المسيحي، إنما لإدراكه أن بيضة القبان هذه المرة تعني إيجاد مساحة التقاء بين المسيحيين والمسلمين، ولاقاه عدد من النواب السنة. ثمة خلاصات أولى حذّرت من هذا الانكشاف الذي وضع أكثرية الأصوات السنية وكأنها في سلة واحدة مع الثنائي، للمرة الأولى بهذا الوضوح منذ عام 2005. لم يحصل ذلك عبثاً، لكن نتيجته قد تكون عبثية أيضاً، في العلاقة بين الطوائف وفي ما تتركه من تفسّخات في النظرة إلى اتفاق الطائف والكلام عن مستقبله.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook