اتصالات الراعي بـ حزب الله كي لا يُقال لو

تتسارع التطورات على الخطّ الرئاسي بما يوحي بأن ثمة تهيئة للأجواء، التي قد تسمح بخرق ما في اتجاه تصويب بوصلة الاتصالات القائمة على قدم وساق بين أركان المعارضة للاتفاق النهائي على ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، كمقدمة لازمة لممارسة أقصى درجات الديمقراطية عبر انتخابات يُفترض أن تكون مفصلية لجهة تحديد الخيارات الممكنة للخروج من عنق زجاجة الأزمة الرئاسية عبر مواجهة مفتوحة بين نهجين وتوجهين من خلال ما يمكن أن تتوصل إليه الاتصالات، التي سيجريها البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي العائد من باريس والفاتيكان مع أركان الممانعة، بمن فيهم بالتحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة “حزب الله”، وذلك بناء على نصيحة فرنسية. 

وهذه الاتصالات التي ستقوم بها بكركي عبر بعض الموفدين من شأنها أن تحدّد بوصلة ما ستكون عليه المرحلة المقبلة، خصوصًا أن لدى الراعي أكثر من ملاحظة على أداء “حزب الله”، مع احتفاظه بمبدأ عدم انحيازه إلى أي من الخيارات المطروحة رئاسيًا، باعتبار أن كلًا من سليمان فرنجية وجهاد ازعور ينتميان إلى الطائفة نفسها، التي يرعاها البطريرك الراعي بعنايته الابوية، تاركًا للقوى السياسية حرية الاختيار، ومحتفظًا برأيه الشخصي، وذلك انطلاقًا من المسار البطريركي التاريخي، حيث كانت تقف بكركي دائمًا على الحياد في الخيارات الرئاسية، مكتفية بتحديد الأولويات في العمل السياسي، والتي على أساسها يكون تعاملها مع الظروف الناشئة عن كل حالة بحالتها، مع الأخذ في الاعتبار أنه من الضروري والملحّ انهاء حالة الفراغ التي يعيشها لبنان حاليًا، والتي تنعكس بسلبياتها على مفاصل حياة جميع اللبنانيين على حدّ سواء. 

بعض الأوساط المطلعة ترى في الاتصالات التي ستقوم بها بكركي نوعًا من الواجب أو رفع العتب، أو كي لا يُقال إنها لم تقم بأي خطوة حتى ولو كان الاعتقاد السائد يرجّح ألا توتي هذه الاتصالات الثمار المرجوة منها. ولكن وعلى رغم هذا الاعتقاد فإن البطريرك الراعي المقتنع بالخيار الديمقراطي سيقوم بكل ما يراه مناسبًا حتى لا يُقال إنه كان عليه القيام بما يحتمه عليه واجبه الوطني كونه مرجعية وطنية ولم يقم به. 

انطلاقًا من هذه القناعة ولكي لا يقال”لو” فإن الراعي لا يرى في هذه الاتصالات مضيعة للوقت، وهو الذي يدعو دائمًا إلى الحوار لإيجاد أرضية صلبة يمكن التأسيس عليها للمرحلة المقبلة، إذ من دون هذا الحوار تبقى الأمور على حالها من الجمود، الذي يجمع على وصفه جميع الذين يتعاطون بالشأن العام بأنه قاتل. 
فالحوار الهادف يجب أن يكون من دون شروط مسبقة، ومن دون خلفيات معلّبة. وإذا كان الحوار بالشكل فقط فإن تجارب الماضي أثبتت عقمه وعدم الوصول من خلال الشكليات إلى المرتجى المطلوب من أي حوار. 

فهذه الاتصالات، التي ستجريها بكركي مع الطرف الآخر، عملًا بالنصيحة الفرنسية والتمني الفاتيكاني، ستكون في رأي بعض المقربين من بكركي، الفرصة الأخيرة أمام جميع اللبنانيين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تدخل البلاد مرحلة المخاض العسير، أو بالأحرى مرحلة “الخيارات المرّة”. 
الاعتقاد السائد في أوساط المعارضة أن لا ضير في أن تقوم به بكركي بكل الاتصالات الضرورية واللازمة، ولكن ما صدر مؤخرًا من مواقف تصعيدية عن أكثر من طرف سياسي وروحي من محور “الممانعة” لا يبشرّ بأن اتصالات الراعي ستؤدي إلى النتيجة المرجوة، “لأن الطرف الآخر يعتبر أن ما كُتب قد كُتب، وأن لا تراجع عن دعم فرنجية أيًا تكن النتائج”.