أزمة النفايات البلاستيكية حول العالم.. هل يمكن لمنشآت إعادة التدوير أن تكون الحل؟
استقبل مقر اليونيسكو في باريس مطلع الأسبوع الجاري الجولة الثانية من المحادثات الدولية بشأن الحد من التلوث البلاستيكي. وغالبا ما تم الترويج لمفهوم إعادة التدوير كحل للتعامل مع النفايات البلاستيكية، لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن هذه العملية تنطوي على مخاطر جمة، من ضمنها رفع مستويات التلوث، كما أنها لا تتناسب مع مستويات ارتفاع إنتاج تلك المادة.
نشرت في: 01/06/2023 – 19:29
أرقام مخيفة وردت في تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول إنتاج واستهلاك مادة البلاستيك حول العالم. إنتاج هذه المادة المشتقة من النفط تزايد بشكل مهول خلال العقدين الماضيين، وأدى إلى ارتفاع كبير بنسب التلوث العالمية لتصل إلى 353 مليون طن خلال عام 2019 وحده.
بالإجمال، هناك محاولات للتعامل مع النفايات البلاستيكية حول العالم، لكنها حتى الآن غير كافية، إذ وفق التقديرات العلمية تتم إعادة تدوير 9% فقط من النفايات البلاستيكية، في حين تقبع الكميات الأكبر في مكبات النفايات أو يتم حرقها (ما يؤدي إلى تضاعف نسب التلوث).
قد تبدو عملية إعادة تدوير البلاستيك الحل المنطقي للتعامل مع هذه الأزمة، فهي تحول النفايات إلى موارد. لكن عددا من الدراسات الحديثة أشارت إلى أن تلك العملية تنطوي على مخاطر بيئية وصحية جمة، فإعادة التدوير تنتج مستويات عالية من الحبيبات البلاستيكية الدقيقة والغازات السامة، التي بدورها تعود لتختلط بالبيئة المحيطة لتشكل خطرا على صحة الإنسان والحيوانات والنبتات.
اللدائن الدقيقة
في ورقة بحثية حول الانبعاثات الميكرو-بلاستيكية الناتجة عن عمليات إعادة التدوير نشرتها في أيار/مايو الماضي، أعلنت إيرينا براون العالمة المتخصصة بالبلاستيك “لقد وجدنا كميات مخيفة جدا”.
واستندت براون في دراستها على مركز لإعادة تدوير البلاستيك في المملكة المتحدة، يستخدم كميات كبيرة من المياه لفرز المواد البلاستيكية وفصلها قبل أن تتم عملية إعادة تصنيعها من جديد.
الدراسة ركزت على معدلات اللدائن الدقيقة، أي جزيئيات البلاستيك التي لا يتخطى حجمها 5ملم، الموجودة في المياه، حيث سعت براون لتحديد نسبة تركزها في مياه المركز.
وفقا لما قالته “وجدنا 75 مليار جسيم في المتر المكعب الواحد من الماء المستخدم لغسل البلاستيك. حوالي 6% من المواد البلاستيكية التي كانت تدخل المنشأة يتم إطلاقها بعد ذلك في الماء على شكل جزيئات بلاستيكية دقيقة، حتى مع [نظام] التصفية”.
ولاتزال الأبحاث العلمية تختبر المخاطر المحتملة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحة الإنسان، حيث يعتقد أنها قد تشكل أجساما حاملة للأمراض أو قد تتسبب هي بحد ذاتها بالأمراض، في البيئة التي يتم إعادة إطلاقها فيها بعد عملية إعادة التدوير.
وتضيف براون: “غالبا ما تمر المياه المستخدمة في مراكز إعادة التدوير (البلاستيك) حول العالم عبر مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، وهي ليست مصممة لتصفية مواد بحجم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة”.
نتيجة لذلك، تجد تلك الجسيمات السامة طريقها إلى عدد من البيئات المحيطة بالبشركالحقول الزراعية، وحتى أبعد من ذلك. وكانت دراسة علمية نشرت في آذار/مارس الماضي قد أظهرت تواجد جزيئات بلاستيكية دقيقة في بحار القطب الشمالي، مصدرها الأنهار الأوروبية.
وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت في آذار/مارس الماضي اتفاقية ملزمة بشأن التلوث البلاستيكي بحلول 2024، وافق عليها أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العمومية. ويوم الإثنين الماضي، انطلقت الجولة الثانية من الاجتماعات المخصصة لصياغة نص الاتفاقية في باريس. وأصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي يستضيف المحادثات، خارطة طريق بشأن التقليل من النفايات البلاستيكية بنسبة 80% بحلول عام 2040.
بعض المجموعات البيئية شككت بما سبق، معتبرة أن مجالات العمل الثلاثة المحددة، أي إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وإعادة التوجيه نحو المواد البديلة، تعتبر مجالات امتياز لصناعة البلاستيك والبتروكيماويات العالمية، بحيث أنها تقلل من أهمية الحاجة إلى الحد من استخدام البلاستيك.
مخاطر المواد البلاستيكية المعاد تدويرها
إعادة تدوير البلاستيك تستوجب استخدام مواد كيميائية سامة، ما يوضح أن إطلاق الجسيمات البلاستيكية في المياه ليس العيب الوحيد في هذا النظام.
وتدخل نحو 13 ألف مادة كيميائية في صناعة البلاستيك، 3,200 منها “ذات خصائص خطيرة” تؤثر على صحة الإنسان والبيئة، دون إغفال أن هناك مواد أخرى لم يتم تقييمها بعد. هذا وفقا لتقرير صادر عن منظمة “غرين بيس” غير الحكومية الأسبوع الماضي.
تيريز كارلسون، المستشارة العلمية والتقنية في الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات (IPEN)، أوردت أنه “يتم تنظيم جزء صغير جدا جدا من هذه المواد الكيميائية على مستوى العالم. ونظرا لانعدام الشفافية [في السوق]، لا توجد طريقة لمعرفة أي من المواد البلاستيكية تحتوي على مواد كيميائية سامة وأيها لا”.
يذكر أن مخاطر تلك المواد الكيميائية تتضاعف أثناء عملية إعادة التدوير، نتيجة تسخين البلاستيك وبالتالي ما يحتويه من مركبات كيميائية، وإعادة خلط المكونات من جديد. وفقا لكارلسون “النتيجة النهائية هي منتج غير معروف تماما أعيد طرحه في السوق”.
تقرير “غرين بيس” قدم تفصيل دقيقة حول المخاطر المتزايدة على صحة عمال مراكز إعادة تدوير البلاستيك المعرضين لتلك المواد الكيميائية، وارتفاع نسب إصابتهم بأمراض السرطان والجهاز التنفسي وصحتهم الإنجابية.
كما وجدت المنظمة مستويات أعلى من تلك المواد السامة في البلاستيك المعاد تدويره، والذي يصل في النهاية إلى منازلنا كألعاب للأطفال وأوان مطبخية وأغشية تغليف.
تتفق كارلسون مع هذه الاستنتاجات وتضيف: “أجرينا دراسات على البيض القريب من الأماكن التي تعيد تدوير البلاستيك ووجدنا أن هذه المواد الكيميائية تشق طريقها إلى السلسلة الغذائية. يمكن للبلاستيك أن يعمل كناقل لهذه المواد الكيميائية حتى في الأماكن النائية”.
زيادة إنتاج البلاستيك
من المتوقع أن ترتفع نسبة النفايات البلاستيكية التي يتم إعادة تدويرها على مستوى العالم إلى 17% بحلول عام 2060، وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
يذكر أن إعادة التدوير لن تعالج المشكلة الأكبر، فبعد خضوع البلاستيك لتلك العملية مرة أو مرتين، ستصل في النهاية إلى طريق مسدود. هذا ما تحاول ناتالي في، من مؤسسة “City to Sea” الخيرية البيئية في بريطانيا. “هناك خرافة فيما يتعلق بإعادة تدوير البلاستيك، إذا كانت جودة المواد جيدة بما يكفي، فيمكن إعادة تدويرها مرة أخرى في زجاجات بلاستيكية. ولكن مع مرورها عبر النظام، تفقد تلك المواد من جودتها. قد يعاد تدويرها في منتجات مثل أنابيب الصرف أو الملابس الصوفية، لكن هذه المنتجات لا يمكن إعادة تدويرها بعد ذلك”.
غراهام فوربس، قائد الحملة العالمية للبلاستيك في منظمة “غرين بيس” بالولايات المتحدة الأمريكية، قال في بيان هذا الأسبوع إنه من الصعب إثبات أن البلاستيك المعاد تدويره مادة مستدامة، “لا مكان للبلاستيك في الاقتصاد الدائري. من الواضح أن الحل الحقيقي الوحيد لإنهاء التلوث البلاستيكي هو تقليل إنتاجه بشكل كبير”.
قد يقول البعض إن الحل يكمن في زيادة عدد منشآت إعادة التدوير، ولكن هذا ليس حلا خاصة وأنه من المتوقع أن يتضاعف حجم النفايات البلاستيكية ثلاث مرات تقريبا بحلول عام 2060.
قبيل دخولهم إلى قاعة المحادثات في باريس، دعا تحالف من 55 دولة إلى فرض قيود على بعض المواد الكيميائية الخطرة وحظر المنتجات البلاستيكية التي يصعب إعادة تدويرها والتي غالبا ما ينتهي بها الأمر في الطبيعة.
تحضر كارلسون المحادثات وتجد أسبابا للتفاؤل، “تعد معاهدة البلاستيك فرصة رائعة لحماية صحة الإنسان والبيئة من التلوث البلاستيكي. القيام بذلك يعني التخلص التدريجي من المواد الكيميائية السامة من البلاستيك، وضمان الشفافية عبر دورة حياة البلاستيك وتقليل إنتاجه”.
النص الفرنسي: جوانا يورك| النص العربي: شريف بيبي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook