آخر الأخبارأخبار دولية

عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد الحرس الثوري الإيراني موجّهة “لإرضاء الرأي العام”


شكك عدد من الخبراء والمتابعين للشأن الإيراني بمدى فاعلية العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الحرس الثوري وأنها تهدف تحديدا “لإرضاء الرأي العام الأوروبي” الرافض لقمع المظاهرات في إيران، معتبرين أنها ستؤدي إلى تقارب إيران مع دول أخرى خاضعة للعقوبات، بما في ذلك روسيا. ودعا البعض إلى إنشاء مجموعة متخصصة أمريكية-أوروبية مشابهة لتلك التي تتعقب الأوليغارشية الروسية المقربة من فلاديمير بوتين، لمراقبة وضبط ومعاقبة نخب النظام الإيراني الذين يعيشون في الغرب. 

نشرت في: 30/05/2023 – 18:31

عقوبات جديدة فرضها الاتحاد الأوروبي على 200 شخص و37 كيانا إيرانيا مرتبطين بجهاز الحرس الثوري أو الباسداران، أحد أفرع القوات المسلحة الإيرانية، وتم تأسيسه بأمر من الخميني عقب انتصار الثورة الإسلامية. 

وهذه هي الرزمة الثامنة من العقوبات التي تستهدف المسؤولين عن أعمال القمع التي مارستها السلطات في البلاد ضد المتظاهرين الغاضبين لوفاة الشابة مهسا أميني في 16 أيلول/سبتمبر العام الماضي، بعد اعتقالها من قبل “شرطة الآداب” بسبب عدم ارتدائها للحجاب بطريقة سليمة. 

مع استمرار السلطات الإيرانية بممارسة أعمال القمع بحق المتظاهرين، شكك خبراء ومتابعون للشأن الإيراني، بفعالية العقوبات المفروضة على النظام من جهة وعلى أفراد ثبت تورطهم بارتكاب أعمال قمعية. 

وشملت قائمة الخاضعين للإجراءات العقابية الأخيرة التي تبناها الاتحاد في 22 أيار/مايو الجاري أسماء بارزة في إيران، من ضمنها، المدعي العام سيرجان موشن نيكفارز وقائد شرطة طهران سلمان أدينهواند وسكرتير المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني سيد محمد أمين أغميري، وذلك لدورهم في مراقبة المتظاهرين واعتقالهم أو إصدار أحكام بالإعدام. 

القائمة السوداء الأوروبية شملت أيضا المؤسسة التعاونية للحرس الثوري، الهيئة المسؤولة عن الاستثمارات في هذا الجهاز. العقوبات أدت إلى تجميد أي أصول تحتفظ بها المؤسسة في دول الاتحاد الأوروبي وحظر كافة الأعمال الأنشطة المالية والتمويلية المرتبطة بها.

ويمتلك الحرس الثوري الإيراني العديد من الشركات، لا سيما في قطاعات البناء وتطوير البنى التحتية للنقل والمطارات. ويقدر الخبراء أن نشاط الحرس الثوري الاقتصادي يمثل بين 20 و30% من حجم الاقتصاد الإيراني، مع العلم أنه من الصعب التثبت من هذه الأرقام بسبب الغموض الذي يكتنف الأنشطة الاقتصادية لهذا الجهاز الأمني، فضلا عن انعدام إمكانية تتبع أصول وفروع الشركات والمؤسسات المرتبطة به كونها خاضعة لشبكة إدارية ومالية معقدة ومتعددة المستويات. 

تجميد الأصول وحظر على السفر والحد من الموارد الاقتصادية

ستيفان دودوانيون، باحث في المركز الوطني للبحث العلمي ومؤلف كتاب عن الحرس الثوري، أكد على أن هناك مشكلة بالتناسب بين العقوبات وعدد الأشخاص والكيانات الخاضعة لها. إذ تمت معاقبة 216 شخصا فقط من بين 120 إلى 190 ألفا من أعضاء الحرس، الذين لا يعرف الكثير عنهم. 

ووفقا للمتخصص بالشأن الإيراني، تتكون الإجراءات الأوروبية من تجميد الأصول وفرض حظر على السفر إلى الاتحاد الأوروبي ومنع توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية للأشخاص المدرجة أسماؤهم في القائمة، لكن “هناك أساليب للتحايل على هذه الإجراءات للدرجة التي تجعلها غير فعالة”. 

أما دافيد ريجوليه روز، الباحث المشارك في “آيريس”، فأوضح أن “الحرس الثوري يمتلك أصولا في الخارج: هذه الأموال تم نقلها نتيجة فساد الأنظمة المعمول بها”، مستشهدا بتصنيف منظمة الشفافية الدولية بشأن الفساد في العالم لعام 2022، الذي وضع إيران في المرتبة 147 من بين 180 دولة. 

>> اقرأ أيضا : الإيرانيات: ماذا بعد شعار “امرأة حياة حرية”؟

يشجب النظام الإيراني نفسه الفساد، يستخدمه كحجة لفصل كبار الشخصيات عندما يصبحون مزعجين للغاية أو مخالفين للتوجهات العامة. هذا ما حصل مع علي شمخاني، السكرتير السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، أعلى هيئة أمنية في البلاد. أُقيل شمخاني، الجنرال في الحرس الثوري، في 22 أيار/مايو بتهمة الفساد، نتيجة مزاعم أفادت بأن عائلته كسبت ملايين الدولارات بفضل شركة لنقل النفط ساعدت إيران على الإفلات من العقوبات، الأمر الذي نفاه. 

على الرغم من ذلك، نادرا ما تمر تلك الأموال الناتجة عن عمليات مشابهة عبر أوروبا، بل عبر تركيا أو الإمارات العربية المتحدة أو قطر أو عمان أو جورجيا أو كازاخستان أو حتى تركمانستان، وفقا لمسح نشرته مجلة “باري ماتش” في شباط/فبراير الماضي كشف أن هذه الدول عملت كمراكز مالية مرت من خلالها الأموال الإيرانية. نتيجة لذلك، وضعت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي مرصد عالمي متخصص في مراقبة عمليات غسيل الأموال، دولة الإمارات العربية المتحدة على القائمة الرمادية منذ آذار/مارس 2022. 

لمواجهة ذلك، يقترح كسرى عرابي، رئيس برنامج إيران في معهد “توني بلير للتغيير العالمي”، إنشاء “فريق عمل” أمريكي -أوروبي لتحديد ومعاقبة النخب في النظام الإيراني الذين يعيشون في الغرب، كما يتم تعقب ومعاقبة الأوليغارشية الروسية الموالية لفلاديمير بوتين منذ غزو أوكرانيا. 

“العقوبات تؤدي لالتفاف أعضاء الحرس الثوري حول النظام” 

علاوة على ذلك، يوضح أكاديمي طلب عدم ذكر اسمه، أن المستثمرين الرئيسيين في إيران حاليًا هم الروس وطالبان والميليشيات الشيعية العراقية والصين، فهذه الدول لا تخشى العقوبات الأوروبية، فهي نفسها ضحايا لها. “على العكس من ذلك، هي تعزز التضامن بين المعاقبين”، يضيف الباحث. وهكذا يبقى الحرس الثوري في مأمن من العقوبات الأوروبية، في وقت تقوي فيه الدولة وتعزز تحالفاتها الدبلوماسية. 

ويتابع “الباسداران يرون أنفسهم قلعة محاصرة، لذا مع فرض العقوبات عليهم، يظهرون ولاءهم للنظام. أضف لذلك، هناك شخصيات مستهدفة بالإجراءات الغربية نالت ترقيات”، في إشارة إلى الرئيس الحالي ابراهيم رئيسي، الذي تم انتخابه وهم مدرج على القائمة السوداء في الولايات المتحدة بتهمة “التواطؤ في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” في تشرن الثاني/نوفمبر 2019. 

>> اقرأ أيضا : إيران تعدم ثلاثة أشخاص بتهمة قتل رجال أمن خلال الاحتجاجات إثر وفاة مهسا أميني

ويؤكد ستيفان دودوانيون أن وحدة جهاز الحرس الثوري أكثر صلابة مما تبدو عليه، فالمنتسبون الجدد “مدينون بكل شيء للمرشد الأعلى”، على عكس الأجيال السابقة من الذين انتموا للحرس أيام آية الله الخميني، والذين كسبوا شعبيتهم بفضل مآثرهم العسكرية أو نجاحاتهم الاقتصادية على رأس الشركات الكبيرة. ويضيف “لقد رأينا بالفعل ضباطا سابقين يطالبون السلطات بإبداء مزيد من التساهل. ولكن اليوم، سيكون الأمر أكثر صعوبة على هذه الأجيال الجديدة، التي تتمحور أكثر حول خامنئي”. 

من ناحية أخرى، يؤكد كسرى عرابي أن المجموعة الأخيرة من العقوبات الأوروبية تتضمن مكونًا غير مسبوق يستهدف مجموعة جديدة لم تفرض عليها عقوبات حتى الآن في أوروبا وترتبط ارتباطا وثيقا بالحرس الثوري، إنها منظمة الباسيج الطلابية. وتتهم هذه المجموعة بتنفيذ أعمال قمع عنيفة في حرم الجامعات. ويشرف الحرس الثوري على هذا التنظيم من المتطوعين الإسلاميين في الجامعات، والذي تمت الاستعانة به في مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني. 

وأورد الباحث الإيراني البريطاني، المتابع لهذه المجموعة، “لن يتمكن أعضاءها من السفر أو الدراسة أو العمل في أوروبا. ويمكن التعرف عليهم بسهولة من خلال عدة أساليب، بما في ذلك المعلومات الاستخبارية العمومية، نظرا لأن هذه المنظمة لديها مواقع إلكترونية عامة مع قوائم بأعضائها يمكن الوصول إليها في كل جامعة إيرانية”. 

ووفقًا له، سيتأثر أعضاء الباسيج بشكل ملموس بالعقوبات الأوروبية، ما سيمنعهم من السفر والعمل في أوروبا. ويضيف “توفر لهم الدولة الإيرانية منحا دراسية وغيرها، كنوع من الامتياز للاحتفاظ بهم”. 

أساس قانوني لدعاوى قضائية 

في رأي معظم الخبراء، لن تؤدي العقوبات المتتالية التي فرضها الأوروبيون إلى إسقاط النظام أو الحد من موارد الحرس الثوري، لكنها تبين أن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطا على هذه المنظمة، تحديدا “لإرضاء الرأي العام الأوروبي” الرافض لقمع المظاهرات في إيران. 

المحامي الفرنسي الإيراني هيربود دهقاني عازار، العضو في مجموعة “عدالة إيران”، تحدث عن أهمية الإعلان عن الأسماء. “يضع الاتحاد الأوروبي عقوبات فردية لإرضائنا. إنها إجراء عقابي، حتى ولو كانت ذات فعالية محدودة وتمنع الأشخاص الخاضعين للعقوبات من التحرك في جميع أنحاء العالم، لكنها توجه الاتهام إليهم، وهذا سيجعلهم يخسرون الأموال للتهرب من العقوبات”. 

المحامي الذي يقوم مع زملاء له من إيران والشتات بجمع أدلة على الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن في الجمهورية الإسلامية، يراهن على المستقبل، ويعتقد أن هذه العقوبات ستكون بمثابة أساس قانوني للمقاضاة “إنها تغذي مجموعة من القرائن التي توفر مادة لعملنا”. ويعمل دهقاني عازار بشكل خاص على إلحاق الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، المطلب الذي تنادي به مجموعات من الشتات الإيراني، والذي لم يستجب له المجلس الأوروبي. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى