آخر الأخبارأخبار محلية

وقائع يكشفها مقاومون لبنانيون عن عمليات ضدّ إسرائيل.. هكذا ظلمهم الأرشيف!

من عادَ إلى المراحل العسكريّة التي ساهمت في تحقيقِ “إنتصار التحرير” في لبنان خلال أيّار عام 2000، يمكنهُ بكلّ بساطة اللجوء إلى الأرشيف المُصوّر الذي يكشفُ الكثير من تفاصيل العمليات التي نفذها “حزب الله” ضدّ العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان.


منذُ ذلك الحين وتحديداً خلال فترة الإحتلال بين العامين 1982 و 2000، كان الحزبُ مُدركاً لتفصيل “توثيق عملياته” بالصّوت والصّورة، فبعضها ما زالَ راسخاً في أذهان اللبنانيين، لاسيما ذاكَ المشهد الذي يُظهر عنصراً في الحزب أثناء غرسه العلم على تلّة عالية عقبَ إستهداف موقعٍ إسرائيليّ. حقاً، ومن خلال عملياته التي نفذها في الجنوب، أسّس الحزبُ لما يُسمى بـ”الإعلام الحربي” في لبنان، فكانَ ما يُنجزهُ موثقاً لتتناقله وسائل الإعلام من جهة، وليبقى راسخاً في الذاكرة الوطنيّة من جهة ثانية. ولكن.. ماذا عن الحركات الوطنية الأخرى التي كان لها دورٌ بارزٌ في التحرير والمقاومة؟ لماذا تغيبُ صورها عن مشهدية “التحرير” خلال الحديث عن إنتصار أيار من كلّ عام؟

يستعيدُ “سعيد” وهو مُقاتلٌ سابق في إحدى المنظمات اليسارية في لبنان، تجربتهُ في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وذلك حينما كانَ على خطوط الجبهات الأماميّة في الجنوب خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي.

 

في حديثهِ عبر “لبنان24”، يقولُ “سعيد” إنّ شغف المقاومة كان كبيراً لدرجة أنّ التضحية كانت كبيرة مهما كلّف الثمن، مُعتبراً أنَّ مقاومته للإحتلال الإسرائيليّ هي شرفٌ له ولخطّه الوطني، وُيضيف: “لقد كُنا مقاتلين بحق، ننفذ العمليات ضد العدو بكل صرامة وقوّة. بعضُ إنجازاتنا الميدانية كان يتم الإعلان عنها من قبل منظمتنا، فيما لم يتم الإفصاح عن إتمام عمليات أخرى ما جعلها أصحابها ومن يقفون وراءها في عداد المجهولين”.

يُشير “سعيد” إلى أنَّ إهتمامه مع رفاقه المقاتلين بالعمل العسكري والميداني، تفوّق على إنتباههم لمسألة “توثيق العمليات” بالصوت والصورة، ويقول: “لا إعلام حربي لدينا، ولم تكن لدينا أصلاً المعدات الكافية للتصوير. حينها، لو قصدنا ذلك لكنا استطعنا توثيق كل لحظات إستهداف العدو، وطبعاً هذه الأشرطة ستكون للذكرى أولاً، وستؤكدُ على بصمتنا في تاريخ الوطن. هناك صورٌ عديدة لدينا أثناء تنفيذ المهمات لكنها لا توثق تنفيذ عمليات بالتفاصيل”.

بالنسبة للمُقاتل السابق، فإنّ عدم الإلتفات إلى مسألة “التوثيق” كان بمثابة خطأ تم إرتكابهُ على صعيد مختلف المنظمات اليسارية، علماً أن هناك أرشيفاً كبيراً يؤكد بصمة “اليساريين” و “الشيوعيين” و “القوميين” في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، إلا أنّ المُشكلة تكمن في أنّ المشاهد الظاهرة للعلن وبكثافة، تعودُ إلى فئةٍ مُقاوِمة واحدة، وهي “حزب الله”. هنا، يقول “سعيد” إنَّ “المواطن الذي يريدُ إستعادة مراحل التحرير، سيطلع حصراً على ما يرتبطُ بالحزب وحده، في حين أنَّ الحقيقة تقول إنّ الشركاء في التحرير كُثر، لكن إنجازاتهم بقيت خلف الكواليس”.

من جهته، يقولُ مقاتلٌ آخر في منظمة “العمل” الشيوعي اليساري لـ“لبنان24” إنَّ مرحلة المقاومة كانت مُشرّفة له، كاشفاً عن أنه كان مُتخصصاً في تركيب العبوات داخل مواقع ونقاط تابعة للعدو الإسرائيلي، ويُردف: “ما قدمناه كان كثيراً، وأذكرُ تماماً كيف كنا نستطلع المواقع العسكرية في الليل والنهار لتنفيذ العمليات. كان العملُ شاقاً لكنهُ يشعرنا بالإعتزاز، ولم نفكر في تصوير ما كنا نقوم به. قد يكون السبب وراء ذلك هو الخشية من وقوعِ تلك المشاهد تحت أيادٍ غير مضمونة، أو من الممكن أن يسقط التوثيقُ بيد جيش الإحتلال إما عبر توقيف أو مداهمة أو حملة تفتيش. في الواقع، لم نكن ندركُ أن الأرشيف مهمٌّ، لكن ما نعرفه هو أنّ دورنا كان أساسياً في المقاومة ولا يُلغيه عدم وجود أرشيف، فيكفينا أن الأرض تعرفنا والعدو ذاق نصيبهُ من ضرباتنا”.

أين “اليساريون” من “التحرير” اليوم؟

عبرَ البيانات العادية، إستذكرت العديد من الأحزاب اليسارية ذكرى “التحرير” التي شهدها لبنان قبل أيام قليلة وتحديداً في 25 أيار. في الواقع، فإن هذه الطريقة بالوقوف عند الذكرى تصوّر تلك الأحزاب وكأنها كانت عابرة سبيلٍ على صعيد المراحل التي أسّست لذاك الإنتصار. عملياً، فإن “البروباغندا” غائبة مُجدداً للإضاءة ولو عن إنجازٍ واحد للخطّ اليساري على صعيد المقاومة في لبنان. المُشكلة الأكبر تكمنُ أيضاً في أنَّ بعض الأحزاب الوطنية ما زالت تنأى بنفسِها عن إنتاج وثائقيات ضخمة تطبع نفسها في الذاكرة الوطنية. حتماً، هناك أرشيف متداول ولكن على نطاقٍ ضيّق، فيما الأمر الأكثرَ صعوبة يكمنُ في أن المشاهد التي تؤكد على وجودِ مُقاوم بقيَت في أرشيفٍ مدفونٍ بين جدران المراكز الحزبيّة.

 

يقول “سعيد” في حديثه إن أقلُّ ما يمكن قوله اليوم، هو أنّ اليساريين لا يمثلون أيّ ذكرى في سياق “التحرير”، فالتهميشُ الذي تعرضوا له سابقاً تم إستتباعه بعملية “دفنٍ” ذاتية لنضالاتٍ عمرها سنوات وسنوات. أما المُعضلة الأكبر فهي أنّ “الرعيل الأول” من المقاومين بات مُنفصلاً عن مساره اليساري حتى، إذ أن الكثيرين إنصرفوا إلى توجهات أخرى بعيدة عن الخط الذي كانوا يسيرون عليه. أمام ذلك، يُمكن القولُ إنَّ إنزواء اليساريين وتحييد أرشيف نضالاتهم سببه هم أنفسهم، علماً أنه ما من جهةٍ كانت وفي الطليعة “حزب الله”، تنكرُ عطاءات اليساريين في سبيل مقاومة الإحتلال.

مع كل ذلك، بدت هناك صورة أخرى يحملها الكثير من اليساريين الذين يعتبرون أن أساسَ عملهم العسكريّ في لبنان إرتبط أساساً بـ”الحرب الأهلية”، وبالتالي جاءت مقاومة الإحتلال كعنصرٍ طارئ مع السنوات. هنا، تبرز المشكلة أنّ “الخلط” بين المسارين قد حصل حقاً، فبات البعضُ يعتقدُ أن الإندماج في الحرب الأهلية تحت شعار “التغيير بالأسلوب العنفي” كان دافعاً لعدم الحديث عن مُقاومة، بإعتبار أن هذا الأمر قد لا يغفر خطيئة المشاركة بالحرب الداخليّة. حُكماً، الفكرة هنا خاطئة، فالإجماعُ على إنجازات اليساريين ضد الإحتلال لا يمكن نفيها أو إزالتها من الوجود، وبالتالي فإن “جلْدَ الذات” الذي حصلَ يعدُّ عاملاً من عوامل الإنكسار الأكبر!

في الخلاصة، يكفي تماماً أن تُطلق المنظمات اليسارية العنان لأرشيفها “المُقاوم” كي يكون بمتناول اللبنانيين. الهدفُ هنا وبكل بساطة هو التأكيد على أن “التحرير” حصلَ بتكاتف الجميع، وأنّ الإنتصار كان بأيادٍ لبنانية مختلفة، وغير مرهونٍ بفئة واحدة أو طائفة مُحدّدة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى