آخر الأخبارأخبار دولية

شهادة لصحافي فرانس24 من محافظة إدلب آخر معقل للمعارضة الإسلامية المسلحة في سوريا

نشرت في: 12/05/2023 – 17:39

تمكن صحافي فرانس24 المتخصص في الحركات الجهادية وسيم نصر، مؤخرا من زيارة محافظة إدلب شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وعلى مرأى من نظام بشار الأسد. وفي حدث غير مسبوق لصحافي فرنسي تمكن من التحدث مع زعيمها أبو محمد الجولاني. إليكم يوميات سفره من الحدود مع تركيا إلى مناطق محافظة إدلب المختلفة.

الدخول إلى إدلب

تمكن وسيم نصر، صحافي فرانس24 المختص بالحركات الجهادية، من دخول محافظة إدلب شمال سوريا والتي تبقى تحت سيطرة مقاتلي فصيل “هيئة تحرير الشام” على الرغم من محاولات النظام السوري استعادتها سواء بالمفاوضات أو بالقوة.

وفي مناسبة فريدة لصحافي فرنسي يعمل لقناة فرنسية، حصل لقاء مطول مع أبي محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، والزعيم السابق لـ“جبهة النصرة”، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، والذي يحارب اليوم جهادييها ومقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” على حد سواء. من الحدود التركية إلى إدلب، سرمدا والدانا مرورا بحارم وأطمة وصولا إلى أريحا، جسر الشغور وقراها المسيحية، اليعقوبية والقنية… …. شهادة لصحافي فرانس24

إدلب المدينة الواجهة

الطريق ما بين الحدود التركية ومدينة إدلب معبدة وموسعة ومزروعة بأشجار النخيل المستوردة، كانت الوفود الأممية والإنسانية تعبرها بانتظام بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة الحدودية مع تركيا في شباط/فبراير الماضي.

 

مسار رحلة موفد فرانس24 الخاص إلى سوريا وسيم نصر في محافظة إدلب. © ستوديو غرافيك فرانس ميديا موند

 

هذه الطريق، التي يراد منها أن تكون واجهة مشاريع “حكومة الإنقاذ”، أي الإدارة المدنية لـ”هيئة تحرير الشام”، التي تحكم إدلب ومنطقتها، آخر معقل للمعارضة الإسلامية المسلحة في سوريا.

تقع الطريق ما بين نقطي تفتيش، قبل الوصول إلى المعبر إلى تركيا، ما يجعل عبورها… مستحيلا من دون مرافق مكلف بالصحافة الخارجية، عربية كانت أم أجنبية، بالإضافة إلى عناصر من “هيئة تحرير الشام” وبمجرد الدخول إلى محافظة إدلب يستقبل الزائر بعلم كبير للثورة السورية ومن ثم تليه راية بيضاء مكتوبة عليها الشهادة الإسلامية باللون الأسود.

شهدت محافظة إدلب على عدد كبير من المعارك منذ بدايات الثورة ضد النظام السوري والتي ما لبثت أن تحولت إلى حرب أهلية. وأصبحت إحدى ممرات الجهاديين الأجانب الذي أتوا إلى سوريا للقتال من كل أنحاء العالم، كما أنها أصبحت من أولى الأماكن التي تمت فيها انتهاكات جسيمة بحق الأقليات الدينية كالدروز والمسيحيين.

عند مدخل المدينة التي بسطت فصائل معارضة، إسلامية وجهادية، سيطرتها عليها عام 2015 لا أثر لأية راية سوداء (ترمز للجهاديين) ولا حتى راية “هيئة تحرير الشام”. ولا يوجد إلا حاجزان يحرسهما رجال ملثمون وبلباس أخضر تابعون لـ”إدارة الحواجز”.

وما يلفت النظر هو عدم وجود مسلحين. لا أثر لشبان باللباس الأفغاني، ولا دوريات لمقاتلين. وعند السؤال قال لي مرافقي “أردنا أن يفهم الناس أن مكان المقاتلين على الجبهات وليس وسط المدنيين بالمدن والقرى”.

 

دوار الساعة بمدينة إدلب، أيار/مايو 2023.

دوار الساعة بمدينة إدلب، أيار/مايو 2023. © وسيم نصر فرانس24

 

لأول نظرة، قد لا يكون مفاجئا وجود أعلام الثورة السورية في كل مكان، ولكن من له دراية بفكر الحركات الجهادية يعي أن ذلك غير مألوف وغير مرغوب به عموما من قبل الحركة الإسلامية كونه يمثل المعارضة الوطنية. فهذا يعتبر من الأمور المفصلية حول تطور “هيئة تحرير الشام” وخروجها من نفق الحركات الجهادية، بالرغم من استمرار وجود بعض الكتابات الجهادية القديمة على الجدران والتي تستهدف مثلا الشيعة والديمقراطية على حد سواء.

تعج مدينة إدلب بالحياة وبحركة البناء، كما في “كتاب كافيه”، المراد منه أن يكون مكانا للمطالعة والدراسة، للطلبة والقراء. ويقع المكان ما بين جامع التوحيد والمبنى السابق لفندق كارلتون. يوجد فصل بين النساء والرجال، كما هو الحال في المطاعم والمقاهي على خلاف المنتزهات العامة والمحال التجارية حيث الاختلاط مسموح به كما السجائر والموسيقى الثورية التي تعلو من بعض الدكاكين والأزقة.

تضاعف عدد سكان إدلب بسبب عمليات النزوح التي كان جزء منها قسريا على مدار سنوات الحرب وبحسب منظمة أطباء بلا حدود يتجاوز عدد سكان المحافظة اليوم أربعة ملايين ونصف، وذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات من الهدوء النسبي على الجبهات بالرغم من المناوشات وبعض العمليات أو القصف المتقطع.

أبو محمد الجولاني، الرجل القوي في إدلب

بعد يوم من الدخول إلى المنطقة تم التنسيق للقاء مع أبي محمد الجولاني، الذي يرأس “هيئة تحرير الشام” في أحد أحياء إدلب السكنية ومن المعلوم أن الجولاني لم يعط إلا مقابلتين صحافيتين، الأولى لقناة الجزيرة عام 2015 والثانية لقناة “سي بي إس” الأمريكية عام 2021. اللقاء حصل ليلا وبعد إجراءات أمنية مشددة فرضتها الجماعة، إذ وجب ترك الهواتف النقالة في حي آخر.

 

من اليسار إلى اليمين: أبو ماريا القحطاني، أبو محمد الجولاني، أبو أحمد زكور.

من اليسار إلى اليمين: أبو ماريا القحطاني، أبو محمد الجولاني، أبو أحمد زكور. © صورة من وكالة دعائية تابعة لهيئة تحرير الشام

 

قصة “هيئة تحرير الشام” المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والتي سيطرت بقوة السلاح على منطقة إدلب، كما قائدها وعدد من قياداتها، فريدة من نوعها.

فبعد النشأة بإيعاز من أبو بكر البغدادي رئيس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” وقتها، وبعد الانضمام لتنظيم القاعدة، تخلت الجماعة عما يعرف بالجهاد العالمي لتقاتل اليوم كلا التنظيمين.

 

قسم شرطة الدانا، الذي استخدمه تنظيم "الدولة الإسلامية" سابقا كمحكمة شرعية، أيار/مايو 2023.

قسم شرطة الدانا، الذي استخدمه تنظيم “الدولة الإسلامية” سابقا كمحكمة شرعية، أيار/مايو 2023. © وسيم نصر فرانس24

 

كما التقينا بأبي مارية القحطاني وهو عراقي الجنسية ومن رفاق الجولاني الأوائل، وبعدد من مسؤولي وممثلي الجماعة في الأيام التي تلت. لقاء الجولاني لم يكن معدا للنشر ولا لقاء القحطاني، إلا أن الأخير أكد لي أن “هيئة تحرير الشام ليست لديها مشكلة مع الغرب إنما مشكلتها هي مع روسيا والنظام السوري… نحن نحارب ’داعش‘ (اسم شائع يدل على تنظيم ’الدولة الإسلامية‘) ونحارب القاعدة، لا بل أني دعوت عدة مرات لحل القاعدة وبجهدنا منعنا شباب إدلب من دخول هذه التنظيمات… نحن الذين عايشنا وكنا داخل الحركة الجهادية”.

زيارة قرى إدلب المسيحية

في اليوم الثالث لزيارتنا، دُعينا لحضور جلسة نقاش ما بين ممثلين عن القرى المسيحية وعدد من ممثلي “هيئة تحرير الشام” حول استرداد منازل وأراضي المسيحيين الزراعية والتي كانت تمت مصادرتها سابقا من قبل الهيئة نفسها أو الفصائل الجهادية التي كانت متواجدة في تلك المناطق. للوصول لتلك القرى سلكنا ما يعرف بطريق م4 والذي توجد عليه عدد من النقاط الثابتة التابعة للجيش التركي الذي كان يجري دوريات مشتركة مع الجيش الروسي عليها. علما أنه تم استهداف كليهما على تلك الطريق من قبل تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.

ومنذ وصول المقاتلين الأجانب إلى تلك القرى ومنهم من كان مع “جبهة النصرة” حصلت عدة تجاوزات ضد المدنيين من الديانة المسيحية، من قتل وخطف واغتصاب وطرد وحرق للكنائس. ومن حوالي عشرين ألف نسمة انخفض عددهم إلى بضعة مئات جلهم من كبار السن. وقد أعيد لهم عدد من المنازل من أصل المئات وما زال النقاش جاريا على القسم الأكبر من الأراضي الزراعية وطريقة استثمارها. حتى أنه تم ابتكار طرق كي يدلي أحد الممثلين عن المسيحيين شهادات عبر تسجيلات تغني عن عقود الملكية التي لا يملكها البعض ويستحيل الحصول عليها من الدوائر الرسمية. تمت أيضا إعادة عدد من المساكن التي يملكها مسيحيون في إدلب المدينة، إلا أن ممثليهم، وبحسبهم، رفضوا استعادة كنيسة إدلب كونهم “لا يملكون الطاقة لصيانتها أو حراستها”. وبحسب “هيئة تحرير الشام” المنازل التي أعيدت لأصحابها في قرية القنية عددها “56 منزلا فارغا، 42 بيتا سلمت لأقرباء و41 بيتا قيد التسليم” أما بالنسبة لقرية اليعقوبية “90 بيتا فارغا، 120 بيتا سلمت لأقرباء و109 بيوت قيد التسليم” كما “14 قطعة أرض و3 كنائس”. علما أن قرية الجديدة لها وضع أكثر صعوبة كونها تقع في نطاق عمل فصيل “جيش الأحرار”.

 

كنيسة اللاتين في اليعقوبية بمحافظة إدلب، أيار/مايو 2023.

كنيسة اللاتين في اليعقوبية بمحافظة إدلب، أيار/مايو 2023. © وسيم نصر فرانس24

 

بات وضع المسيحيين الذين، ذاقوا الأمرين منذ مطلع الحرب في سوريا، من قتل وتنكيل واغتصاب وتهجير وخطف، يتحسنولكن بقيود،وكما رأينا الكنائس والدير قيد الترميم رأينا أيضا أنه لن يعاد رفع الصلبان والتماثيل خارجها وأنه سيستمر إخفاء الظاهر منها وأن الأجراس لن تعود وتقرع في المدى المنظور. وهذا ما أكده لنا مسيحيو القرى التي زرناها معبر ين عن أملهم في فتح معبر إدلب ومناطق سيطرة النظام كي يخففوا عنهم عناء السفر عبر مناطق سيطرة عدة فصائل ثورية أو كردية والتي تكلف نحو 700 دولار للشخص الواحد.

مخيمات الكرامة

في اليوم الأخير وقبيل الخروج من المنطقة تمكنا بموافقة الجماعة من زيارة مخيمات الكرامة في أطمة والتي تحاذي الجدار التركي من جهة ومناطق الفصائل المدعومة مباشرة من أنقرة. وتعتبر “حكومة الإنقاذ السورية” أن ملف النازحين واللاجئين من أهم الملفات التي يجب السعي لحلها على الأقل عبر إحصاء الأعداد والعائلات بشكل دقيق وعلمي. وأكد لي محمد بشير، وزير “التنمية والشؤون الإنسانية” أنهم “حاولوا تشييد مخيمات مع ظروف صحية أفضل، من أجل إفراغ المخيمات غير الشرعية كبداية، إلا أن الزلزال الذي ضرب المنطقة أوقف كل شيء وأجبرنا على إسكان المتضررين فيما شيدنا”.

سكان منطقة إدلب يتأثرون بشكل كبير بطبيعة العلاقة بين تركيا و”هيئة تحرير الشام” والتي هي عبارة عن مقايضة مستمرة ما بين الطرفين. فأنقرة مجبرة على أن تعترف بالأمر الواقع الذي فرضته “هيئة تحرير الشام” وإدارتها المدنية المتمثلة بحكومة الإنقاذ، علما أنها لربما كانت تفضل أن تدير منطقة إدلب على نفس نحو إدارتها لما يعرف بمناطق “درع الشمال” الحدودية والتي تخضع لإدارة تركيا المباشرة. بينما “هيئة تحرير الشام” مجبرة أن تقبل بالتواجد التركي العسكري في إدلب وأن تحاكي أنقرة كونها شريان الحياة الوحيد لإدلب نحو العالم الخارجي.

 

مخيمات الكرامة بمنطقة أطمة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، أيار/مايو 2023.

مخيمات الكرامة بمنطقة أطمة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، أيار/مايو 2023. © وسيم نصر فرانس24

 

لكنه وبالرغم من ذلك يعتبر عدد من المسؤولين الذين التقيناهم “أنه سيكون من الصعب أن تفرض عليهم أي تسوية خارجية بين أنقرة، موسكو ودمشق”. علما أنه هنالك عدد من الملفات التي هي فعليا بمثابة أوراق ضغط بيد “هيئة تحرير الشام”، كملف النازحين الذين سيحاولون الفرار نحو تركيا أو حتى أوروبا في حال عادت واشتعلت المعارك، كما ملف الجهاديين المحليين والأجانب وعائلاتهم الذين من الممكن أن يأخذوا نفس الطريق إن حصل ذلك. علما أنه يوجد حوالي 200 فرنسي في إدلب حاليا، ما بين رجال ونساء وأطفال.

من الواضح والمؤكد أن “هيئة تحرير الشام” لم تنكر تشددها الديني ولا تحكمها بمنطقة إدلب، إنما هي تنكر اليوم انتمائها للحركة الجهادية العالمية المتمثلة بتنظيمي “الدولة الإسلامية” والقاعدة. 12 عاما بعد بداية الثورة السورية، وبعد تحولها لحرب أهلية، “حكومة الإنقاذ” التي تتبع فعليا إلى “هيئة تحرير الشام” تأتي كآخر محاولة حكم مستقلة في سوريا ولم ينفك مسؤولوها يكررون هذه الجملة “نحن بحاجة لدعم ومساعدة المجتمع الدولي، فنحن لسنا في صدد إعادة بناء، لا بل في خضم عملية بناء من الصفر… وإن كانت “هيئة تحرير الشام” والجولاني مصنفين كإرهابيين، فهل جميع أطفال إدلب إرهابيون؟”


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى