هل اقترب فرنجية من بعبدا أم يحتاج إلى أعجوبة؟
غسل السفير السعودي وليد البخاري يدي بلاده من تهمة عرقلة الاستحقاق الرئاسي في لبنان، لكن جولته على عدد من المسؤولين اللبنانيين ورؤساء الأحزاب والقيادات الروحية لم تحسم حقيقة موقف المملكة العربية السعودية من الانتخابات الرئاسية في لبنان وسط تكهنات وتأويلات لهذا الموقف من قبل الأطراف المتخاصمة، إذ تولى كل طرف تفسير كلام السفير السعودي وفق ما يتلاءم مع تطلعاته ولاسيما أن موقف البخاري لم يتسم بالوضوح بل حمل الكثير من الأخذ والرد، ما جعل البعض يقرأ فيه مرونة تجاه انتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية بسبب قول البخاري إن بلاده لا تضع فيتو على أي مرشح، وجعل البعض يقرأ فيه استمراراً لموقف المملكة بعدم التدخل في لعبة الأسماء واعتبار الاستحقاق الرئاسي شأناً سيادياً لبنانياً. وطالما أن انتخاب فرنجية يحتاج في رأي المعارضة إلى أعجوبة في ضوء موقف الأحزاب المسيحية الثلاثة المعترضة على انتخابه وهي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب وبعض النواب المستقلين، فإن انتخاب رئيس «المردة» وإن توافر له 65 صوتاً فإنه من الصعب بمكان تأمين نصاب الثلثين للجلسة.
وبغض النظر عن عدم وضع السعودية فيتو معلن على فرنجية أو غض الطرف عن انتخابه، فإن فريق المعارضة يسأل الثنائي الشيعي على ماذا يراهن ليواصل تمسّكه بمرشحه في ظل تشبّث الأحزاب المسيحية الثلاثة برفض خيار فرنجية؟ ويدعو هذا الفريق إلى عدم الرهان على التراجع عن هذا الموقف وإعادة سيناريو انتخاب العماد ميشال عون عام 2016 انطلاقاً من حرص القوى السيادية على مصلحة البلد كما حصل في تجارب سابقة، حيث كان محور الممانعة يقضم المكاسب الواحد تلو الآخر ويستغل التنازلات تباعاً للإمساك أكثر فأكثر بمفاصل البلد.
وتضيف أوساط المعارضة «أن الرهان على مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل واتصالات الرئيس ايمانويل ماكرون بالقيادة السعودية لاقناعها بخيار فرنجية وبالتالي استدراج الرياض لاقناع حلفائها في لبنان بالسير بهذا الخيار هو في غير محله، لأن السعودية لن تضغط على حلفائها ولأن الأحزاب المسيحية ليست في وارد التجاوب مع المقايضة التي تسعى إليها فرنسا بعد استياء هذه الأحزاب من تخطي باريس إرادة المسيحيين وما تقرّر من مواصفات للرئيس في الاجتماع الخماسي الذي جمعها بالولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر ومصر وسعيها وراء مصالحها التجارية والاقتصادية مع الثنائي الشيعي وقفزها فوق علاقاتها التاريخية مع المسيحيين وبكركي، مع أن باريس حاولت متأخرة تلميع صورتها والوقوف عند خاطر المسيحيين وإجراء لقاءات مع قياداتهم. وجاء بيان الخارجية الفرنسية الذي أعلن أن «ليس لدى باريس أي مرشح» ليحاول تصحيح انحياز خلية الاليزيه لطرف لبناني على حساب طرف آخر، بعدما تبيّن أن أداء هذه الخلية لا يشبه عظمة فرنسا ومبادئها.
غير أن المسعى الفرنسي الذي يقوده مستشار الرئيس ماكرون لم يتوقف رغم ذلك، وصدرت تبريرات فرنسية تقول إن همّهم انتخاب رئيس جمهورية ليكون هناك انتظام في الحياة السياسية والدستورية ولتأتي بعده حكومة تنفّذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي ومن الشعب اللبناني. ويقول الفرنسيون إنه في غياب التوافق بين المسيحيين على مرشح وفي غياب أي بديل جدي هناك خيار مدعوم من طرف أساسي هو حزب الله جرى تبنيه على أساس أن يكون رئيس الجمهورية ينتمي إلى فريق سياسي معين ونعمل لتأمين التوازن من خلال اختيار رئيس حكومة ينتمي إلى فريق آخر على ألا يكون هناك إشكال بين رئيسي الجمهورية والحكومة من أجل تسهيل تنفيذ الإصلاحات.
ولكن في مقابل اعتبار المعارضة أن الثنائي الشيعي يكابر ويروّج الأضاليل حول ارتفاع أسهم مرشحه الرئاسي فإن فريق الموالاة ينقل أن السفير السعودي كان أكثر ارتياحاً في لقاءاته مع القوى التي تُعتبر في خانة الخصومة مع الرياض من اللقاءات التي جمعته بالحلفاء والأصدقاء. وقرأ هذا الفريق إيجابية في تغيير السعودية لهجتها من انتخاب رئيس غير حليف لحزب الله وغير متورط بالفساد إلى أنها لا ترتضي الفراغ الرئاسي الذي يهدّد استقرار الشعب اللبناني ووحدته.
ولكن أين تكمن الحقيقة ومن يملك أسرار الاليزيه والديوان الملكي السعودي؟
يصرّ الرئيس نبيه بري على القول إن الإدارة الفرنسية أقنعت السعودية بفرنجية والأخيرة ستبلغ أصدقاءها في لبنان بضرورة دعم هذا الخيار، مضيفاً إن لا الفرنسيين ولا السعوديين نفوا ما صدر عني، وتعبتر أوساط الموالاة أن ترتيبات انتخاب فرنجية باتت في نهاياتها وإن جلسة لانتخاب الرئيس سيتم تحديدها في منتصف حزيران المقبل.
إلا أن فريق المعارضة وخصوصاً القوات اللبنانية تسخر من رهان الممانعة، وترى «أن المعطيات الداخلية تظهر لغاية الآن استحالة تأمين أكثر من 50 صوتًا لفرنجية، وعليه ستتركّز الأنظار على كيفية نزول الممانعة عن الشجرة التي تسلقتها بالمزايدات والرهانات إن على أوهام خارجية أو على أوهام تراجع القوى المعترضة على مرشحها».
في هذه الأثناء، يراقب الرئيس بري تطور موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنواب السنّة ومدى انخراطهم في التسوية وانتقالهم إلى ضفة فرنجية بعد الموقف السعودي المحايد، علماً أنه ليس سهلاً على الزعيم الدرزي معاكسة الجو المسيحي في الجبل الذي يتوزّع بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وتأثيراته على المصالحة المسيحية الدرزية، كما ليس سهلاً على نجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط السير بما يراه خياراً تقليدياً.
سعد الياس – “القدس العربي”
مصدر الخبر
للمزيد Facebook