آخر الأخبارأخبار دولية

الصحراء تغزو إسبانيا… هل حان الوقت لمواجهة التحديات المائية؟

نشرت في: 05/05/2023 – 17:37

في مواجهة الجفاف المستمر وموجة الحر المبكرة، تعاني إسبانيا من شح في المياه. في الوقت الذي يتم فيه استخدام 80 بالمئة من المياه المتاحة لتزويد “حديقة خضروات أوروبا” تلك، ترتفع العديد من الأصوات داعيةً إلى إعادة التفكير في إدارة الذهب الأزرق.

 

إذا كان التعبير الشعبي في فرنسا يقول “في أبريل، لا تخفف من ملابسك”، ففي إسبانيا نقول “أبريل، تمتلئ البراميل” – أي في شهر أبريل تهطل السماء بالكثير من الماء. لكن هذه المقولة لم تكن في الموعد بداية عام 2023، بل على العكس تماما: لم يكن فقط شهر أبريل/نيسان هذا هو الشهر الأكثر جفافا على الإطلاق في البلاد، ولكن العديد من المدن سجلت أيضًا درجات حرارة عالية قياسية لهذه الفترة من العام. يوم الخميس 27 أبريل/نيسان في حدود الساعة الخامسة مساءً، ارتفع مقياس الحرارة إلى 38,7 درجة في قرطبة وإلى 37,8 درجة في إشبيلية بإقليم الأندلس وفقا لبيانات الوكالة الوطنية للأرصاد الجوية.

بعد فصل شتاء كان بدوره جافًا وحارًا بصورة غير طبيعية، عوّل السكان والسياسيون والعلماء على تغير الطقس في شهر أبريل/نيسان هذا للتخفيف من حالة الجفاف التي تضرب البلاد. يعلق خورخي أولسينا، رئيس مختبر علم المناخ في جامعة أليكانتي، بنبرة آسفة قائلا: “الوضع مقلق بشكل خاص في إقليمي كاتالونيا والأندلس حيث لم تمتلئ خزانات المياه إلا بأقل من 25 بالمئة من سعتها”. في هذين الإقليمين، فرضت الحكومات المحلية قيودا في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي وحظرت ري الحدائق وملء حمامات السباحة وخفضت من الري الزراعي.

في قرية جافيرن، في قلب الأندلس، نظم الآلاف من رعايا الكنائس المختلفة موكبًا يوم الإثنين 1 مايو/أيار، للتوسل من أجل هطول المطر رافعين تمثال المسيح حاملًا الصليب (الأبويلو بالإسبانية). علمًا أن هذا التمثال لم يخرج من أقبية الكنيسة منذ عام 1949.

“وبقية إسبانيا ليست بمنأى عن هذه الظاهرة. مستوى احتياطيات المياه مقلقة بصورة متزايدة في مناطق فالنسيا ومورسية وقشتالة لامانشا بل وحتى في إستريمادورا. وانخفضت مخزونات المياه المتاحة إلى أقل من 40 بالمئة من إجمالي السعة هناك”، يواصل خورخي أولسينا آسفًا.

يوضح سيرج زاكا، المحاضر المتخصص في علم المناخ الزراعي بالقول: “تشهد إسبانيا حالة من الجفاف الشديد، فهي لا تزال تعاني من الآثار الكارثية لجفاف صيف عام 2022 والشتاء الجاف الذي أعقبه”. “وتشبه حالة التربة واحتياطيات المياه بشكل عام ما نراه عادة في شهر أغسطس/آب. إنه أمر غير مسبوق على الإطلاق”.

حديقة خضروات أوروبا في خطر

في هذا البلد الذي يطلق عليه غالبا “حديقة خضروات أوروبا” نظرا لأنه يصدر جزءا كبيرا من إنتاجه الزراعي، فإن المزارعين هم أول ضحايا هذا الجفاف التاريخي.

وفقا للجنة الزراعة، إحدى النقابات الزراعية الرئيسية في البلاد، فإن 60 بالمئة من محاصيل الحبوب، غير المروية، “تختنق” (حرفيًا) حاليا بسبب قلة هطول الأمطار. يقول سيرج زاكا: “هذه الحبوب تزرع في الخريف وتحصد في الربيع، مثل القمح والشعير”. “وبسبب شح المياه فقد توقف نموها قبل أن تنضج. لذا لن نكون قادرين على حصادها”.

“كما إن زراعة أشجار الزيتون والفستق واللوز ستنخفض بكل تأكيد. لأنه حتى لو كانت هذه النباتات معتادة على المناخ الجاف فإنها ستعاني بلا شك في درجات حرارة عالية جدا كهذه”. “بالنسبة للفواكه والخضروات في المزارع الصغيرة التي تعمل بدون ري، يحاول المزارعون تأجيل وقت البذر قدر الإمكان انتظارًا لظروف أكثر ملاءمة. لكن كلما مر الوقت زاد احتمال تخطي موسم النماء”.

ويخلص سيرج زاكا إلى أن “المحاصيل الكبيرة المروية في جنوب إسبانيا ستكون فرصتها في النجاة أعلى من ذلك بقليل، ولكن في مواجهة نقص المياه وشحها والقيود المفروضة على الري، سيضطر المزارعون بالتأكيد إلى تخفيض حجم الغلة”. باختصار، يمكن فقط للمحاصيل القريبة من الساحل، التي تسقى بفضل مياه محطات التحلية، أن تصمد.

فيما أعلنت الحكومة الإسبانية، التي هبت لمساعدة المزارعين، بالفعل عن سلسلة من التعزيزات الضريبية، بما في ذلك خفض ضريبة الدخل المفروضة على 800 ألف من المزارعين والمهنيين بنحو 25 بالمئة.

حدود النموذج القائم على وفرة الماء

يقول خوليو باريا، رئيس قضايا شؤون المياه في منظمة “السلام الأخضر” الإسبانية: “هذا الجفاف يبين لنا حدود النموذج الزراعي الإسباني الذي يقوم على انطباع خاطئ عن وفرة المياه”. فاليوم نجد أن هذا القطاع يستحوذ وحده على 80 بالمئة من استهلاك المياه العذبة في البلاد.  منذ عام 1950 ومن أجل مكافحة النقص المتكرر في المياه، أقامت الحكومات المتعاقبة مئات السدود والبنى التحتية لتحويل المياه من الأنهار.  في المجموع، ووفقا لجمعية السدود والخزانات، تم إنشاء نحو 1200 منها – وهو رقم قياسي في أوروبا – بشكل رئيسي في النصف الجنوبي من البلاد. وهو ما يكفي لري حقول صغار المزارعين من المحاصيل المستهلكة للماء – وكذلك أيضا لأنشطة السياحة.

يتابع الناشط البيئي بالقول: “لقد شجعتنا هذه البنى التحتية على السحب مرارا وتكرارا، دون اعتدال، من احتياطياتنا لدعم هذه الزراعة القائمة على الري والفوز بلقب ’حديقة خضروات أوروبا‘”. ثم يضيف: “لكن بأي ثمن؟ لقد وصلت مناسيب المياه الجوفية لدينا إلى حالة من الإجهاد المائي. واليوم، بإضافة النتائج الواضحة المترتبة بشكل متزايد عن الاحتباس الحراري، لم يعد هذا النموذج قابلا للاستمرار على الإطلاق”.

التصحر

علاوة على ذلك، وفقا لباتريسيو غارسيا فايوس، مدير مركز أبحاث التصحر في فالنسيا، فإن هذا الاستغلال المفرط للمياه الجوفية إلى جانب التغير المناخي، سيؤدي إلى تسريع عملية “التصحر في إسبانيا.”

“وبسبب تغير المناخ أصبح الجفاف أكثر تواترا وأكثر كثافة ودرجات الحرارة لا تتوقف عن الارتفاع. كل ذلك يساهم في تجفيف الغطاء النباتي وفقد التربة لخصوبتها وقدرتها على تخزين المياه. وهذه الظاهرة تتسارع بمجرد أن نضيف إليها الاستغلال المفرط للمياه الجوفية”.

“لذلك من الضروري مكافحة تغير المناخ وفي الوقت ذاته تعلم كيفية إدارة المياه بشكل أفضل، وإلا سيصبح جزء كبير من إسبانيا في غضون سنوات قليلة، صحراء قاحلةً“. وهو أمر حذرت منه الأمم المتحدة بالفعل بإعلانها أن ما يقرب من 75 بالمئة من الأراضي الآن بات في طور التصحر.

وبعيدًا هذه الحلقة المفرغة، سيزيد التصحر أيضا من خطر الحرائق فالنباتات الذابلة والجافة تمثل وقودًا مثاليًا للنيران. في عام 2022، كانت إسبانيا الدولة الأوروبية الأكثر تضررا من حرائق الغابات، حيث دمر ما يقرب من 500 حريق أكثر من 300 ألف هكتار، وفقا لنظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي (إيفيس).

في عام 2023، أحصت السلطات الإسبانية بالفعل نحو 40 ألف هكتار من الأراضي دمرتها درجات الحرارة المرتفعة والتربة الجافة والرياح الحارة. وهكذا أطلقت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية بالفعل تحذيرا من “خطر نشوب حريق شديد” في أجزاء كبيرة من البلاد.

“يجب أن نغير رؤيتنا للمياه”

في مواجهة كل تلك الإنذارات، يلفت جميع المتخصصين الانتباه إلى الملاحظة نفسها: “نحن بحاجة ماسة إلى التكيف مع هذا المناخ الجديد الأكثر جفافا، وإعادة التفكير بالكامل في الكيفية التي ندير بها المياه”، كما يصر خورخي أولسينا، الذي يدعو إلى وضع خطة هيدرولوجية وطنية لإدارة المياه حتى عام 2050. “بناء خزانات المياه لم يعد لديه أي معنىً اليوم؛ فليس لدينا المزيد من المياه لنخزنه فيها. بدلا من ذلك، يجب علينا تطوير استخدامات جديدة مثل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي وقبل ذلك استحداث استخدامات أكثر عقلانية”.

يقول خوليو باريا: “دعونا نخفض إذن من مساحة المناطق المروية”. “ويجب أن يحدث كل ذلك من خلال إرادة سياسية حقيقية. يجب أن نتوقف عن اللهث وراء السراب واستخدام مياه لم تعد موجودة”.

 

 

النص الفرنسي: سيرييل كابو | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى