آخر الأخبارأخبار دولية

هل يؤدي “تشات جي بي تي” اشتراكي إلى خسارة الصين معركتها من أجل القيادة العالمية؟


نشرت في: 03/05/2023 – 14:10

باتت الصين أول دولة تسن قواعد لتنظيم تطوير تطبيقات المحادثة القائمة على تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي”. الأولوية المعطاة لهذا التطوير والتنظيم هي الحرص على احترام تطبيقات المحادثة هذه “القيم المركزية للاشتراكية”، وهو مفهوم يفتقر بشدة للتعريف، حتى في الصين نفسها، وقد يؤدي في النهاية إلى تخلف شركاتها عن نظيرتها في أمريكا الشمالية.

هل الذكاء الاصطناعي على غرار “تشات جي بي تي” قابل للانصهار والتوافق مع القيم الاشتراكية على الطريقة الصينية؟ إن هذا بالضبط ما تريد بكين ترويج إمكانيته، فقد نشرت للتو لوائح جديدة لتأطير وتعزيز تطوير هذه التكنولوجيا وفقا لعقيدة النظام الاشتراكي، وذلك حسب صحيفة نيويورك تايمز في مقالها المنشور يوم الأربعاء 26 أبريل/نيسان.

هذه الإجراءات، التي قدمت إلى سلطات الحزب الشيوعي الصيني في 11 أبريل/نيسان للمصادقة عليها، تجعل من الصين أول دولة تفرض قواعد على هذا القطاع التكنولوجي الواعد، الذي بدأ في الازدهار منذ إصدار “تشات جي بي تي” تطبيق المحادثة الذكي الذي طورته شركة “أوبن آي” في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022.

 

مخاوف من انحرافات الذكاء الاصطناعي

يشرح غوانيو تشياو فرانكو، متخصص في التكنولوجيات الناشئة في الصين من جامعة رادبود (هولندا) بالقول: “أرادت بكين التحرك وأخذ زمام المبادرة في أسرع وقت ممكن لأنه كما هو الحال في جميع البلدان، فقد فهم القادة الصينيون أن هذه التكنولوجيا سيكون لها تأثير عميق على المجتمع”.

لذلك فإنه من المستحيل، بالنسبة لنظام حريص للغاية على السيطرة، أن يترك تطبيقات المحادثة تلك دون رقابة. لا سيما وأن بكين تعرف ما يمكن أن ينتج عن تلك التكنولوجيا. وفي فبراير/شباط 2022، سحبت السلطات تطبيق “تشات يوان”، أول بديل صيني لـ”تشات جي بي تي”، على وجه السرعة بعد أن ذكر أن الاقتصاد الصيني كان في “حالة يرثى لها” وأن الصراع في أوكرانيا كان “حربا عدوانية روسية”، بينما تتبنى الصين الخطاب الروسي الذي يستخدم تعبير “عملية عسكرية خاصة”.

وتهدف القواعد الجديدة إلى تجنب الزلات التي يقع فيها الذكاء الاصطناعي. فبصورة ملموسة وحسب صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”، فإنه يجب على الشركات الصينية المطورة لتطبيقات بديلة  لـ”تشات جي بي تي” التأكد من أن خوارزمياتها لا تنتج محتوىً تمييزيًا، ولا تنتهك خصوصية مستخدمي الإنترنت، ولا تنشر معلومات كاذبة. وهي المخاوف ذاتها التي تنتاب الحكومات في جميع أنحاء العالم في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي.

لكن المادة 4 من هذه القواعد واللوائح الجديدة تتضمن أيضا التزامًا بتصميم تطبيقات ذكاء اصطناعي “يحترم القيم المركزية للاشتراكية [الصينية]”. فهل هي دعوة صريحة لجعل روبوتات المحادثة تتوافق مع قواعد “الكتاب الأحمر” الصغير لماو تسي تونغ؟ في الواقع، “هناك قائمة بالمفاهيم المدرجة في القيم المركزية للاشتراكية”، كما يؤكد غوانيو تشياو فرانكو. هناك، على وجه الخصوص، الديمقراطية والازدهار والمساواة والعدالة والوطنية والشعور بالواجب أو حتى التعلق بقيم العمل.

 

هل الهدف من كل ذلك هو إرضاء شي جينبينغ؟

هي إذن خليط من القيم العظيمة التي تتشاركها أيضا معظم الدول الغربية. لكن من الصعب وضع قواعد يجب اتباعها عند تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتوافقة مع هذه “الاشتراكية”. غوانيو تشياو فرانكو يقول إنه “صحيح أن هذه مفاهيم غامضة إلى حد ما”.

في الواقع، “يجب علينا تخيل أن فكرة ’القيم المركزية للاشتراكية‘ هي مفهوم شامل يسمح للنظام بمرونة معينة فيما يتعلق بما هو مسموح به أم لا” كما يؤكد شين صن، المتخصص في السياسة الاقتصادية والصناعية الصينية. في مواجهة تكنولوجيا تتطور بسرعة مثل تطبيقات المحادثة بالذكاء الاصطناعي، تعاني بكين قليلا في تحديد أين تضع مؤشر رقابتها بالضبط. إن مفهوم “القيم المركزية للاشتراكية” هذا غير واضح بما يكفي ما يجعله قابلا للتكيف مع جميع المواقف.

ومع ذلك، فإن استخدام هذا الشعار مثير للدهشة في حد ذاته. ففي الواقع، سنت السلطات بالفعل قواعد “الحوكمة الجيدة للذكاء الاصطناعي” في عام 2019 كجزء من “تشريع أخلاقي للذكاء الاصطناعي” في عام 2021، ولم يظهر أي توجه لإدراج “القيم المركزية للاشتراكية” في هاتين المدونتين السابقتين.

لكن في عام 2023، قرر واضع التشريع الذهاب بعيدا. فهو ربما كان ميالا إلى اتباع خطى الرئيس “شي جينبينغ الذي يشير بشكل متزايد إلى هذه القيم. وربما كان ذلك من باب إظهار أننا نضع أنفسنا على الطريق لاتباع مثال الزعيم ” كما يقول غوانيو تشياو فرانكو.

في هذه الفرضية، سينضم الذكاء الاصطناعي إلى العدد المتزايد من قطاعات الاقتصاد الخاضعة للرقابة والسيطرة الإيديولوجية، وقد أصبح بالفعل أحد أولويات الرئيس جينبينغ.

وهو ما سيعقد الأمر بشدة أمام الشركات الصينية التي ترغب في منافسة “تشات جي بي تي”. كيف يمكن تطوير ذكاء اصطناعي “متوافق اشتراكيا”؟ يجيب شن صن بالقول: “من البديهي في هذه الحالة من وضع مرشحات على المدخلات في الخوارزميات وأخرى على المخرجات”.

 

هل حكم إذن على الشركات الصينية بأن تتخلف عن ملاحقة نظيرتها الأمريكية؟

ستستلزم هذه الرقابة المزدوجة أولا فرز المعلومات في قاعدة البيانات التي تغذي الذكاء الاصطناعي للعثور على إجاباته. ثم “من المحتمل أن يكون من الضروري إنشاء نظام للتحقق من الإجابات النهائية للتأكد من أنها لا تحتوي على أي شيء مخالف للوائح” حسب شين صن.

لكن السر الكبير المتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعي لا يزال محجوبا. “فالمشكلة هي أننا لا نعرف على الإطلاق لماذا تختار هذه الآلات إجابة واحدة بدلا من أخرى بناء على البيانات التي نقدمها لها”، كما يوضح لفرانس 24 جوزيف سيفاكيس، مدير الأبحاث في جامعة غرونوبل والحائز الفرنسي الوحيد على جائزة تورينغ (أي ما يعادل جائزة نوبل للذكاء الاصطناعي). بعبارة أخرى، لن يتمكن أي مهندس من أن يضمن للحزب الشيوعي الصيني بنسبة 100 بالمئة أن روبوت المحادثة الخاص به سيبقى بشكل صارم في إطار “القيم المركزية للاشتراكية”.

إضافة إلى حالة عدم اليقين الأولية هذه يجب أن نضيف أيضا ما يحيط باللوائح الجديدة. “إن أكثر ما يطالب به رجال الأعمال الصينيون هو الوضوح فيما لديهم الحق في القيام به وما لا يجب أن يقوموا به” ” حسب غوانيو تشياو فرانكو. يجادل شين صن بأن هذا الغموض حول “القيم المركزية للاشتراكية” يجبر “الشركات على المضي قدما بحذر شديد مما يخاطر بوضعها في موقف صعب بالمنافسة، وخاصة مع أمريكا الشمالية”.

وفي ذلك من الكفاية بما يضع السلطات الصينية أمام تناقضاتها الخاصة. في الحقيقة، يعد الذكاء الاصطناعي جزءا من قائمة القطاعات التكنولوجية ذات الأولوية لبكين في معركتها من أجل القيادة العالمية. بل إنه أمر مركزي لأن السلطات “تعتبر الذكاء الاصطناعي يشبه إلى حد ما الكهرباء، أي تقنية تسمح بالتطوير في مجالات أخرى ذات أولوية [مثل الروبوتات أو التكنولوجيا الحيوية – أسرة التحرير]”، كما يؤكد غوانيو تشياو فرانكو.

لذلك فإن بكين ستصعب المهمة للغاية على نفسها بهذه القواعد الجديدة التي تخاطر بإبطاء الابتكار في قطاع أساسي. لكن “الدول الأخرى ستفكر هي أيضا في أفضل طريقة لتنظيم هذا القطاع”، كما يؤكد غوانيو تشياو فرانكو وهو ما سيحد من التأخير الأولي للصين.

لا يزال من الضروري إذن أن تتفق السلطات والمطورون في هذا القطاع على تعريف التوافق مع الاشتراكية على الطريقة الصينية عند تطوير تطبيقات المحادثة الذكية. سيكون هذا تحديدا موضوع المشاورات التي تعتزم الحكومة إجراءها مع المجموعات الصناعية الصينية التي تريد منافسة “تشات جي بي تي”. وعدد هذه المجموعات لا شك كبير ويتضمن أسماء شهيرة ومتنفذة مثل علي بابا وبايدو وتينسنت.

 

النص الفرنسي: سيباستيان سايبت | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى