الأعشاب ثروة مهمة في لبنان.. بعضها مهدد بالانقراض
كتب مهدي رزق في “الأخبار”: ينفرد لبنان ومعه سوريا بوجود 158 نوعاً من الأعشاب البرية الصالحة للاستهلاك. لكنّ هذه الفرادة لا تعني أن كل شيء يسير على ما يرام، إذ بيّنت دراسة أجريت أخيراً أن 5 أنواع أساسية من بين تلك الأعشاب معرّضة للانقراض بسبب التغيّرات المناخية والجني العشوائي لها.
ما بين قرص العَنّة والخِبَّيْزة والحمّيضة، مروراً بالصعتر والدَّرْدَر والمِشّي، ووصولاً إلى نبتة العكّوب التي تُعتبر الأهم، يمضي أسامة محمود ما يقارب الست ساعات يومياً متجوّلاً في مساحات الباروك الخضراء في قضاء الشوف.
في عام 2020 ومع إجراءات الإقفال التي رافقت كورونا والتي طاولت فرن الخبز الذي كان يعتاش منه، بدأ محمود مهنة «السليقة» ممارساً لا هاوياً، يقصد الحقول منذ الصباح قبل أن يعود إلى منزله مع انتصاف النهار لغسل الغلّة وتوضيبها في أكياس تمهيداً لبيعها للدكاكين المحلية.
هكذا، أصبحت الأعشاب البرية مهنته التي يتدبّر من خلالها معيشته، وإن كانت اليوم لا تدرّ أرباحاً كما في السابق، عندما كان مردود هذه الأعشاب أعلى من الخُضر الزراعية. أما اليوم، فهي «آخذة بالتراجع، إذ أجني ما يقارب الـ15 كيلوغراماً من العكوب يومياً، وعلى الرغم من أنني أبيع الكيلو الواحد بـ100 ألف ليرة لبنانية، إلا أن الربح لا يتعدّى الـ500 ألف بسبب كلفة الوقود العالية، كوني أقوم بالتوزيع شخصياً على المحالّ التجارية». مع ذلك، ليست الأكلاف التي فرضتها الأزمة الخانقة هي السبب فقط في الأرباح الضئيلة، إذ يشكو محمود وغيره من تضاؤل كمية تلك الأعشاب في الحقول بسبب التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة. ويذكر على سبيل المثال أن كمية العكّوب تراجعت كثيراً، فيقول إنه «سابقاً عندما كانت الثلوج تغطي الجبال حتى منتصف شهر آذار، كنت أقطف العكّوب من محيط منزلي الذي يقع على ارتفاع 1050 متراً عن سطح البحر، أما اليوم فقد اختفى العكوب من هنا بسبب ارتفاع حرارة الأرض لأيام طويلة خلال العام».
وقد خلصت الدراسة إلى غنى لبنان بالأعشاب البرية مع إحصاء 158 نوعاً تحويها مناطقه.
ومن بين الأنواع التي تم التعرّف إليها، تبيّن أنّ 5 منها مدرجة على «القائمة الحمراء» للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN): اثنان منها مهدّدان بالانقراض وهما: دَبَح المَكْمَل (Gelasia mackmeliana) ودَبَح لُبْناني (Pseudopodospermum libanoticum)، و3 معرّضة للخطر هي: الصعتر البرّي (Origanum ehrenbergii)، والكوزِنْيَة اللبنانية (Cousinia libanotica)، واليَعْضيض اللبناني(Leontodon libanoticus)، وجميعها نباتات مستوطنة في لبنان وسوريا حصراً.
لا تقتصر أهمية النباتات المهدّدة على قيمتها الغذائية، وإنّما لأنها تُعدّ ثروة جينية مهمة
وبحسب الدكتورة صفاء بيضون، مديرة مركز أبحاث البيئة والتنمية في جامعة بيروت العربية، وأحد المشاركين الأساسيين في هذه الدراسة، يكمن الخطر اليوم في أن هذه الأنواع النباتية لا تقتصر أهميتها على قيمتها الغذائية العالية، وإنما باعتبارها «ثروة جينية» مهمة. وبحسب بيضون، «هذه النباتات هي الأصول الوراثية البرية للنباتات المزروعة حالياً، وبالتالي فإن وجودها ضروري لحماية التنوع النباتي، لأنه كلما زاد التنوع البيولوجي، زادت قدرة النباتات على تحمّل المخاطر البيئية والمناخية، ولا سيما أن الأعشاب البرية تمتلك مواصفات جينية تمكّنها من تحمّل الظروف البيئية القاسية».
مصدر الخبر
للمزيد Facebook