لبنان بلا رئيس والمساعي الفرنسية والإقليمية والدولية فشلت في إيجاد مخارج للأزمة
نشرت في: 27/04/2023 – 15:48آخر تحديث: 27/04/2023 – 15:49
الأحد 30 أبريل/نيسان المقبل تكون مرت ستة أشهر على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون فيما فشل البرلمان اللبناني حتى اليوم في انتخاب رئيس خلفا له، ما وضع البلاد في حالة ركود سياسي، يضاف إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة وغير المسبوقة التي يمر بها. ما هي الأسباب التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للبنان؟ وما هو دور القوى الإقليمية والدولية في هذا الملف؟ وهل تمكنت فرنسا من إحراز أي تقدم على جبهة حلحلة العقد واعتماد مقاربات تمهد لحل الأزمة؟
ستة أشهر مرت على انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، دون أن يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس بديل.
تزامنت ولاية عون مع انهيار مالي غير مسبوق بتاريخ البلاد، أدى إلى ارتفاع صاروخي في معدلات الفقر والبطالة، وترافق مع احتجاجات شعبية ضخمة مناهضة للحكومة وداعية لمكافحة الفساد. إضافة لذلك كله، شهد عهد عون انفجار مرفأ بيروت الكارثي، والذي سقط نتيجته عشرات الضحايا وأتى على مساحات كبيرة من المدينة، فضلا عن تعطيل أحد أكثر المرافق الاقتصادية حيوية في البلاد.
ذلك كله وضع لبنان أمام طريق سياسي وعر للغاية تشوبه أزمات اقتصادية واجتماعية خطيرة، عززت من الانقسامات الداخلية التي منعت الأطراف والقوى حتى الآن من الاتفاق على مرشح لتولي سدة الحكم. وبالنظر إلى مدى اندماج عملية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة مع برامج القوى الأجنبية الفاعلة في لبنان، فمن غير المرجح أن تنتهي الأزمة الرئاسية في أي وقت قريب.
وفقًا للدستور اللبناني، يحتاج أي مرشح للانتخابات الرئاسية إلى تأمين ثلثي مجموع الأصوات في مجلس النواب (الذي يبلغ عدد أعضائه 128) في الجولة الانتخابية الأولى، أو تأمين أغلبية الأصوات في الجولات اللاحقة (51%+). قد يبدو الأمر بسيطا من الناحية النظرية، إلا أن الأمور أكثر تعقيدا عمليا، خاصة وأن الانتخابات التشريعية التي جرت في أيار/مايو 2022 لم تسفر عن أغلبية واضحة في مجلس النواب. وفي الوقت الذي لم يتمكن فيه حزب الله (الموالي لإيران) وحلفاؤه من تأمين أغلبية مطلقة في البرلمان تسمح له بتأمين الأصوات الكافية لانتخاب مرشحه سليمان فرنجية (خاصة بعد التوترات التي طرأت على علاقته مع حليفه المسيحي الأول التيار الوطني الحر)، تبقى القوى المحتشدة في الجهة المقابلة (القوات اللبنانية، الكتائب…) منقسمة وغير قادرة على الاتفاق على مرشح واحد
ما سبق يعطي صورة عامة عن أسباب عدم تمكن النواب اللبنانيون من انتخاب رئيس حتى الآن (غياب الأغلبية أو الإجماع)، وبالتالي تشكيل حكومة جديدة (الرئيس هو من يكلف رئيس الحكومة بتشكيلها) تستطيع إدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الدقيقة.
محاولات فرنسية وعربية لتدارك الانهيار
نهاية آذار/مارس الماضي، استقبلت باريس عددا من المسؤولين اللبنانيين، أبرزهم رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس “تيار المردة” والمرشح الأبرز للرئاسة سليمان فرنجية.
فرنجية التقى بمستشار الرئيس الفرنسي المسؤول عن الملف اللبناني باتريك دوريل، كونه من أبرز الأسماء المرشحة للرئاسة في ظل ترشيحه من قبل “حزب الله” وحركة “أمل”، وكذلك طرحه من قبل الإدارة الفرنسية لا سيما الرئيس إيمانويل ماكرون.
ومطلع نيسان/أبريل الجاري، زار وفد قطري برئاسة وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي بيروت، وشملت لقاءاته مع غالبية القوى السياسية وقائد الجيش جوزيف عون.
وفي منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، عقد لقاء خماسي فرنسي أمريكي قطري سعودي مصري في باريس، لبحث الأزمة اللبنانية.
“الحل بيد الأمريكيين”
الأستاذ الجامعي والكاتب السياسي باسل صالح اعتبر أن “الدور الفرنسي في لبنان لم يحظ بالتقدير الكافي من القوى والزعامات السياسية اللبنانية. عقب انفجار مرفأ بيروت، حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المدينة، وعقد في حينه لقاء مع القوى السياسية اللبنانية حيث طرح مبادرة وافق الجميع عليها، لكن لم يلتزم بها أحد”.
ويضيف صالح: “على الرغم من كافة المحاولات التي قامت بها، إلا أن فرنسا لم تتمكن من إحراز أي تقدم في لبنان. الحل كما يتحدث الجميع هنا بيد الأمريكيين”.
وقارب صالح المحاولات الخارجية لتغيير الوضع في لبنان من باب “إعادة إنتاج النظام السياسي القائم حاليا، والذي بات واضحا أنه من المستحيل إصلاحه. الأزمة الحالية في لبنان جاءت بسبب النظام السياسي الحالي ورجالاته، ومازال المجتمع الدولي يحاول العمل مع آلياته القائمة”.
أثر القوى الإقليمية والدولية على لبنان
ولطالما كان للقوى الإقليمية والدولية أثر في السياسة الداخلية اللبنانية، حيث أنه منذ استقلال البلاد في 1943، لعبت تلك القوى أدوارا حاسمة في اختيار الرئيس، الذي يمثل إلى حد كبير على التقاء مصالح وديناميكيات تلك القوى الإقليمية الجيوسياسية. فعقب استقلاله، تقاسمت كل من بريطانيا وفرنسا النفوذ في لبنان، لكنها سرعان ما خسرت حصريتها هناك مع دخول لاعبين إقليميين (الدول العربية) على الخط. ولعل الفترة الأكثر استقرارا في تاريخ لبنان الحديث (بعد الحرب الأهلية) هي حين تقاربت وجهات النظر الأمريكية والفرنسية والسعودية والسورية فيه.
وحول ذلك يقول صالح: “الملف اللبناني مرتبط بالتفاهم السعودي الإيراني المستجد. وكلا الطرفين لديهما أولويات تسبق الاهتمام بلبنان وأزمته الحالية، كاليمن وحماية مجتمعاتهم الداخلية وملفات أخرى”.
ولم يسقط الكاتب السياسي المسؤولية عن الأطراف الخارجية بشأن الأزمة الحالية في لبنان، “كل المحاولات الخارجية ستطيل عمر الأزمة. المشكلة ليست بعملية انتخاب الرئيس، ولو كانت الأسماء المطروحة حاليا جزء من هذا النظام وبالتالي الأزمة القائمة. المشكلة في لبنان تبدأ من ارتباط القوى الداخلية بالخارج، وعند اختلاف الخارج تتأزم الأمور في الداخل. المطلوب من فرنسا والسعودية عدم إطالة عمر هذا النظام، أي عدم الحوار مع رؤوسه والمسؤولين عنه”.
ووفقا لصالح، “يمكن لفرنسا القيام بالمبادرات التي تراها مناسبة في هذا الشأن، لكن فعليا على أرض الواقع، اللاعبون الأساسيون في لبنان هم الأمريكيين، نعم، وليس الإيرانيين أو السعوديين. هذا ما يفسر عدم استجابة قوى النظام الحالي في لبنان مع الدعوات الفرنسية المتكررة، ورفضها الالتزام بالمبادرة التي طرحتها باريس للخروج من الأزمة”.
فوضى الاقتصاد وانهيار العملة المحلية
يذكر أن الحاجة لتشكيل حكومة جديدة تفرضها الحاجة لإنعاش الاقتصاد المحلي. فعلى سبيل المثال، هناك ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي جاهزة لمنحها للبنان للمساعدة على إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية لديه، لكنها بحاجة لسلسلة من القوانين والإجراءات بعضها متعلق بمجلس النواب، خاصة التشريعات الضرورية لضبط حركة رؤوس الأموال ومنعها من التسرب للخارج ورفع السرية المصرفية وكبح الفساد والتهرب الضريبي، وبعضها الآخر يحتاج لحكومة فاعلة.
الاقتصاد اللبناني في حالة من الفوضى والعملة المحلية (الليرة) مستمرة في التدهور بعد أن انخفضت قيمتها بأكثر من 200%، في حين بلغت نسبة البطالة 30% ومؤشر التضخم في ارتفاع مستمر. إلى ذلك، يقبع أكثر من 75% من المقيمين على الأراضي اللبنانية في الفقر، في وقت تكاد تنعدم فيه برامج الحماية والمساعدة الاجتماعية وتتزايد نسب التفاوت في الثروات وترتفع معدلات الهجرة.
ولمواجهة هذا الواقع، اقترحت الحكومة الحالية (حكومة تصريف أعمال) دولة الأسعار (اعتماد الدولار كعملة تسعير السلع الاستهلاكية) للتخفيف من التضخم، لكنه قرار من المرجح أن يرفع نسب الفقر.
وكان البنك الدولي قد وصف الأزمة اللبنانية بأنها من المحتمل أن تكون واحدة من أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية على مستوى العالم منذ خمسينيات القرن 19، وكلما طال أمدها اشتدت الخلافات السياسية وزادت صعوبة معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملحة.
شريف بيبي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook