“إثيوبيا تستغل معارك السودان لتسريع الملء الرابع لسد النهضة”
نشرت في: 27/04/2023 – 10:42
رصدت صور الأقمار الاصطناعية تطورات متسارعة في سد النهضة الإثيوبي قد تشعل مجددا الخلاف الرئيسي بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، فيما يبدو أن إثيوبيا “تستغل” المعارك في السودان لتسريع الملء الرابع للسد. لفهم حقيقة ما يجري في سد النهضة وحقيقة استغلال أديس أبابا للوضع الأمني الهش في السودان لتسريع وتيرة الملء بعيدا عن طاولة المفاوضات، حاورنا الدكتور عباس شرقاوي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة.
تكشف مقارنة صور الأقمار الاصطناعية لمنطقة سد النهضة في إثيوبيا عن تطورات تهدد بإشعال فتيل الأزمة مجددا بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، حول المشروع الكهرومائي الضخم المثير للجدل بين العواصم الثلاث، فيما يبدو “استغلالا إثيوبيا” للوضع الأمني الهش في السودان بعد اندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.
في هذا السياق، قال د. عباس شراقي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة إن إثيوبيا تستغل المعارك في السودان المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان، لتسريع الملء الرابع لسد النهضة الذي لا يزال موضع خلاف رئيسي.
ويؤكد شراقي بأن السلطات الإثيوبية تواصل الملء وأعمال البناء فيه، مشيرا إلى أن لا شيء سيوقفها الآن في ظل الوضع الأمني الهش في السودان، إلا عوامل فنية متعلقة بأعمال البناء والتشييد والصيانة.
-
Table of Contents
فوضى عارمة في السودان
ميدانيا، تواصلت الاشتباكات الأربعاء في السودان في ظل هدنة هشة لثلاثة أيام بدأت الثلاثاء وسمحت بإجلاء الآلاف من الرعايا الأجانب، لكن لم تمنع من استمرار القتال بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
وبعد 11 يوما من المعارك التي خلفت أكثر من 459 قتيلا وما يزيد من أربعة آلاف مصاب، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتيس إنه “لا يوجد مؤشر واضح حتى الآن على أن أيا من (طرفي النزاع) مستعد للتفاوض حقا”.
وتسود فوضى عارمة في البلاد تجسّدت خلال الساعات الماضية مع إعلان أحمد هارون، أحد مساعدي الرئيس السابق المعزول عمر البشير والمطلوب بمذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” و”إبادة” في إقليم دارفور، فراره من السجن برفقة مسؤولين سابقين آخرين، فيما أكد الجيش في بيان أن البشير نفسه محتجز في مستشفى تابع للقوات المسلحة نُقل إليه قبل بدء القتال.
-
سد النهضة.. توافق سوداني-إثيوبي؟
يلحظ أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان قال في ختام اجتماع بالخرطوم مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 26 يناير/كانون الثاني المنصرم، إن البلدين “متوافقان ومتفقان حول كافة قضايا سد النهضة”، المشروع الكهرومائي الضخم الذي بنته أديس أبابا على نهر النيل ويثير توترات مع كل من الخرطوم والقاهرة.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء سد النهضة وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقا. ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا العام الماضي إنجاز المرحلة الثالثة من ملء خزان السدّ الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.
وكانت إثيوبيا أعلنت في سبتمبر/أيلول 2022 عن بدء تشغيل توربين ثان على سد النهضة الكبير الواقع في شمال غرب البلاد فيما تواصلت عملية الملء الثالثة رغم اعتراض مصر والسودان.
وفي نهاية يوليو/تموز من العام الماضي احتجت مصر لدى مجلس الأمن الدولي على خطط إثيوبيا مواصلة خططها لملء سد النهضة “أحاديا” خلال موسم الأمطار منذ يوليو/تموز 2020 بدون اتفاق مع الدول الثلاث المعنية.
وكانت إثيوبيا أطلقت المشروع عام 2011 بقيمة أربعة مليارات دولار. وهي تعتبر السد أساسيا لتنميتها، فيما ترى فيه مصر تهديدا “وجوديا” وتعتبره السودان مبعثا لـ “مخاطر كبيرة” على حياة ملايين البشر.
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول-قمز على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع السودان. ويبلغ طوله 1,8 كلم وارتفاعه 145 مترا.
-
ما الذي يحدث في سد النهضة؟
تستطيع الأقمار الاصطناعية رصد التطورات في سد النهضة خاصة حجم البحيرة، عمل بوابات التصريف، وتشغيل التوربينات. من أهم هذه الأقمار نجد القمر الأوروبي Sentinel-2 وهو على ارتفاع 785 كم، والذي يستطيع أن يظهر بوضوح بأن الدوامات في حالة التشغيل باللون الفاتح كما في الصور المرفقة (داخل الدوائر الصفراء). أظهرت آخر صور الأقمار الاصطناعية المؤرخة في 24 أبريل/نيسان 2023 استمرار انخفاض منسوب بحيرة سد النهضة وابتعادها عن سد السرج ببطء، كما تظهر استمرار عدم تشغيل التوربينين منذ 25 مارس/آذار الماضي. وقد أظهرت صور أخرى من موقع السد منذ عدة أسابيع ارتفاع الممر الأوسط بمقدار 5 إلى 6 أمتار ليصبح المستوى 605 أمتار فوق سطح البحر في ذلك الوقت، والجانبين حوالي 625 مترا، قد يكون الممر الأوسط أكثر من 610 أمتار حاليا حيث إنه لا توجد أي معلومات من الإدارة الإثيوبية، وجاري العمل في زيادة ارتفاع الجانبين والممر الأوسط.
من المتوقع أن يرتفع الممر الأوسط عشرون مترا ليصل إلى منسوب 620 مترا، لمضاعفة المخزون القادم إلى 18 مليار متر مكعب، بإجمالي تخزين قدره 35 مليار متر مكعب، وفي هذه الحالة يجب ألا يقل منسوب الجانبين عن 630 مترا ليسمح لمياه الفيضان في النصف الثاني من سبتمبر/أيلول من التدفق أعلى الممر الأوسط. كذلك، ما زالت بوابة التصريف الشرقية مفتوحة وهي المنفذ الوحيد الآن لمرور المياه، ولكنها تمرر فقط حوالي 20 مليون متر مكعب في اليوم وليس بكامل طاقتها 50 مليون متر مكعب في اليوم، نتيجة التحكم في بوابة التصريف، حيث إنها مياه تمر دون فائدة لإثيوبيا، ولكنها تصل السودان على اعتبار أن النيل الأزرق به مياه. المياه التي تمر الآن تأتي إلى السودان ومصر وسوف تخصم من إيراد الموسم القادم قبل بدء التخزين الرابع. توضّح الصورة المتتالية لسد النهضة من القمر الاصطناعي (Sentinel-2) توقف التوربينات بعد 25 مارس/آذار 2023.
-
هل تستغل إثيوبيا معارك السودان لتسريع الملء الرابع لسد النهضة؟
تضفي الحرب المؤسفة الدائرة حاليا في السودان بظلالها على المنطقة، وتزيد من تردي الأوضاع الداخلية في السودان الشقيق الذي كان يعاني في الأصل الأمرين منذ عدة سنوات، كما تؤثر على قضية سد النهضة حيث اختفت الأصوات المبحوحة للدعوة لاستئناف المفاوضات. ففي ظل غياب السودان كدولة لا يوجد أي صوت يدعو للتفاوض حول هذه القضية، فيما تستمر إثيوبيا في التخزين وقد توصله إلى أكبر قدر ممكن، ولن يوقفها عن هذا المسعى سوى العوامل الفنية حيث إنها قد تعجز من رفع الكمية إلى نسبة معينة بسبب عوامل تتعلق بالبوابات أو التوربينات وغيره، ولكن ليس بسبب احترامها لمصالح مصر أو السودان. إذا، إثيوبيا مستمرة في التخزين الرابع لأعلى قدر والآن الظروف باتت مناسبة أكثر حتى ترفع بالقدر الذي تريده في ظل توقف المفاوضات وهي ستلقي باللوم على الوضع في السودان مثلما قالت بالنسبة لمصر قبل ذلك. فهل تستغل إثيوبيا الأحداث الحالية في السودان وتزيد من كمية التخزين الرابع بقدر المستطاع؟ نعم هي ستستغل ما يحدث في السودان لاستكمال الملء الرابع، لا بل ما هو أكثر من ذلك هو الخشية من عودة الاعتداءات الإثيوبية على أراضي السودان الشرقية مستغلة انشغال الجيش السوداني وضعفه بعد تدمير مواقع ومطارات حيوية. لطالما كانت ظروف عدم الاستقرار في مصر أو السودان تخدم إثيوبيا. فالبداية كانت في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وقت الإعلان عن بناء سد النهضة واستغلت إثيوبيا الموقف بتغيير مواصفات مشروعها من 11.1 إلى 74 مليار متر مكعب. ثم في أعقاب ثورة يونيو/حزيران 2013، وفرض شروط على طريقة المفاوضات بعدم وجود خبراء دوليين في لجان المفاوضات، واستمرار البناء أثناء التفاوض، وترك مجال هندسة السد وأمانه إلى الجانب الإثيوبي. وبعدها إثر الثورة السودانية في 2018، ومظاهرات إثيوبيا في 2018 واستقالة ديسالين وتولي آبي أحمد، ثم اندلاع الحرب الأهلية (في إقليم تيغراي) لمدة عامين من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
-
ماذا عن “الاتفاق والتوافق” السوداني-الإثيوبي الأخير حول كافة قضايا سد النهضة؟
قام رئيس وزراء إثيوبيا بزيارة السودان في 26 يناير/كانون الثاني الماضي لخلق دور لبلاده في مشهد التوتر السياسي الداخلي للسودان، كما فعل عام 2020 حين توسط بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري للتوصل إلى اتفاق سياسي، وتقابل مع وفود من الحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية التي رفضت التوقيع على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، وكذا القوى الوطنية. كما اجتمع مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي صرح بأن البلدين “متفقان حول كافة قضايا سد النهضة”، في تصريح دبلوماسي، لكن ذلك لا يعني أن هناك اتفاق خاص بين السودان وإثيوبيا. أثارت هذه الزيارة جدلا كبيرا في ذلك الوقت، وكثيرا من التساؤلات: هل تخلت الخرطوم عن القاهرة واتفقت مع أديس أبابا؟ الهدف من هذه الزيارة لم يكن سد النهضة أو حتى مشكلة الحدود السودانية-الإثيوبية، بل كان محاولة إيجاد دور لإثيوبيا في مرحلة الوفاق الوطني السوداني، خاصة بعد الدور المصري الفعّال في هذا الاتجاه ودعوة الأطراف الرئيسية في السودان لعمل حوار سوداني-سوداني في القاهرة أوائل فبراير/شباط الماضي لحل الخلافات بشأن “الاتفاق الإطاري” الذي ينظم الفترة الانتقالية في السودان.
-
السد الكهرومائي الضخم الذي تتصارع الصين والبنك الدولي لتمويله في جنوب السودان.. معضلة جديدة لمصر؟
منذ عامين أعلن نائب وزير الخارجية الجنوب سوداني دينق داو دينق، أن بلاده تخطط لتحقيق حلم منذ عقد من الزمان لبناء سد كبير على نهر النيل، لتوفير كهرباء رخيصة والمساعدة في منع الفيضانات المدمرة. طبعا من حق أي دولة أن تسعى للتنمية، ولكن ليس على حساب الدول الأخرى، فمصر لا تمانع أن تنشئ أي دولة سدودا على أراضيها طالما أنه لا يضر بمصالح الدول الأخرى. لكن في نفس الوقت فإن إقامة المشروعات المائية على أنهار مشتركة مثل نهر النيل يستلزم الإخطار المسبق وتبادل المعلومات والتشاور قبل بدء التنفيذ، للتأكد من عدم التسبب في الضرر للدول الأخرى، طبقا للاتفاقيات الموقعة بين مصر والسودان وباقي دول حوض النيل، وطبقا للأعراف الدولية، وهذا ما تم مثلا قبل بناء سد أوين على بحيرة فيكتوريا عام 1953، ولقد رحبت مصر بإنشاء السد بعد تأكدها من عدم وجود أضرار معينة، وتم توقيع اتفاق مصري-أوغندي في ذلك الوقت للتنسيق وتبادل المعلومات وبموجبه يوجد ثلاثة مهندسين مصريين في أوغندا.
أمين زرواطي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook