أهداف باسيل من التعطيل الرئاسي!
قد يكون المجلس النيابي والتوازنات فيه واحدة من الاسباب التي تُحبط محاولات الوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ذلك لأن التفاهم بين القوى السياسية في ظلّ توزّع القوى في المجلس على شكل كُتل صغيرة يجعل من التوافق امراً في غاية الصعوبة، سيّما وأن الاستحقاق الرئاسي بات يحتاج الى تضافر الجهود وتحقيق شبه اجماع بين الاحزاب.
لكن وبمعزل عن كل المسبّبات التي تطيل أزمة الفراغ الرئاسي، بات واضحاً أن “التيار الوطني الحر” هو أحد أبرز الاحزاب السياسية المساهمة في عملية التعطيل، ومع ذلك لا يزال رئيسه جبران باسيل يطلّ في كل مناسبة ليتحدّث في خطاب مطوّل عن المصلحة الوطنية، وهو المساهم الاول في ضرب مصلحة البلاد والعباد، ويتمادى في تشويه صورة أي من المرشحين المفترضين لرئاسة الجمهورية من دون أن يطرح أي اسم بديل يمكّن القوى السياسية المسيحية من التفاوض حوله، ويتّهم القوى السياسية بالتعطيل ضمن حروبه العشوائية التي لا تنتهي، متناسياً أنه هو الذي عطّل البلاد وعمل المؤسسات الدستورية على مدار ست سنوات مستقويا بموقع رئاسة الجمهورية، وخرّب عهد الرئيس ميشال عون الذي بدوره تعطّلت من أجله البلاد 29 شهراً وغرقت في الشغور الرئاسي كوسيلة ضغط أدت آنذاك لوصوله الى قصر بعبدا. ناهيك عن محاولاته بشتّى الأساليب شلّ عمل الحكومة وتقييدها، الامر الذي تجلّى في مقاطعة وزرائه للجلسات الحكومية ما بين حجة الدستور وبدعة الميثاقية. وها هو اليوم يعيد الكرّة مجدداً ليس لسبب جوهري، انما بهدف تأمين موقعاً أساسياً له في المعادلة السياسية، هو المدرك لحجم هزائمه السياسية والشعبية، ولو جاء ذلك على حساب الاستقرار السياسي والامني والمعيشي في لبنان.
مما لا شكّ فيه أن “التيار” يعطّل أولاً مساعي حلفائه السابقين لإيصال مرشّحهم الرئاسي، رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، حيث لو أن “التيار” تنازل عن تعنّته غير المبرر في هذه المسألة لأُزيلت كل العوائق وحصل فرنجية حينها على اكثر من النصف زائداً واحداً. كذلك، لو أن “التيار” سعى الى مجاراة حلفائه، من دون انتخاب فرنجية، واكتفى بتأمين نصاب الجلسة لكانت طويت صفحة الازمة الرئاسية وانتهى التعطيل داخل المجلس النيابي وحضرت قوى الثامن من آذار للتصويت لفرنجية بمعزل عن باقي الاطراف.
لكنّ رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل لم يكتفِ بالتصعيد في وجه حلفائه وحسب، بل مارس دهاءه السياسي في عملية تعطيل أي اتفاق بين القوى المسيحية المعارضة لـ”حزب الله”، إذ إنه حتى اللحظة لا يزال يقف في طريق أي توافق مع “القوات اللبنانية” على اسم شخصية تنسجم مع تطلعات الطرفين. وبالرغم من أن باسيل يجد نفسه ضمنياً مندفعاً باتجاه “القوات”، غير أنه لا يرغب بتقديم تنازلات فعلية لجهة الاسم المرشّح أو حتى التفاهم حول مشروعه، بل يرمي الكرة في ملعب “القوات” متوقّعاً منها، رغم حاجته الماسّة اليها في هذه المرحلة، أن تأتيه بتنازلات دسمة كالقبول مثلاً بمرشّحه للرئاسة.
وبالاضافة الى رفض باسيل وتياره ترشيح فرنجية، فإنه لا يخفي أبداً رفضه لاسم قائد الجيش جوزاف عون. ولعلّ رفضه للاخير هو العامل الاساسي الذي أدّى الى تراجع اسهمه الرئاسية، خصوصاً أن لديه حظوظاً كبيرة بقبول قوى المعارضة مجتمعة به مع استثناءات بسيطة. وبالتالي فإن “التيار”، وفي حال أوحى بعدم ممانعته السير بعون رئيساً للجمهورية، قد يؤدي ذلك، في أسوأ الاحوال، الى تشكيل نوع من أنواع الضغط الجدي على “حزب الله” وحلفائه، وحتى لو لم ينتج ذلك وصول عون الى قصر بعبدا فإنه سيؤمن أقلّه تنازلاً محسوباً من فريق 8 آذار يساهم في إبرام تسوية مرضية للجميع في وقت سريع.
الى هنا، يبدو أن الملف الرئاسي يزداد تعقيداً، ورغم كل المبادرات والمشاورات يبدو ان القوى السياسية المحلية لم تصل حتى اللحظة الى نقطة حل في ظلّ انشغال المنطقة بتسويات ساخنة لا تسمح بوضع لبنان على خارطة الاولويات، ما يعني حتماً أنه من دون التفاهمات في الساحة الداخلية قد تطول مرحلة الفراغ اذا ما تمركز الوضع في ملعب المراوحة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook