آخر الأخبارأخبار محلية

بالأدلة والبراهين… هذا ما تريده فرنسا من لبنان

كثرت في الآونة الاخيرة التساؤلات حول الدور الفرنسي في لبنان، وارتفعت بعض الأصوات التي تعتبر ان الدولة الفرنسية تقوم بانعطافة على صعيد رؤيتها ونظرتها الى لبنان.
بنت هذه الأصوات نظريتها استنادا الى الدور الذي تقوم به فرنسا مؤخرا لتسهيل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، يحلّ مكان الفراغ القاتل الذي قد يطيح بالبلاد والعباد.

وانطلاقا من هنا، يرى البعض ان رفض فرنسا لمنطق التقوقع وعدم الانفتاح الذي تتبناه بعض الفئات اللبنانية، يشكل تغييرا في مسارها التاريخي وفي طبيعية علاقتها مع لبنان.
فهل يمكن البناء على هذا الاعتقاد؟ وهل ساهمت فرنسا في اي مرحلة من مراحل علاقتها مع لبنان بدعم اي طرح لبناني مخالف لفكرة “لبنان الكبير”؟
في هذا الاطار أكد الاستاذ المحاضر في القانون في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور رزق زغيب في حديث لـ “لبنان 24“، ان “فرنسا وعبر التاريخ يمكن اعتبارها الحامي الأول لفكرة لبنان التي نعيشها اليوم، كما يمكن اعتبارها الحامي الأبرز للموارنة في لبنان وذلك منذ ايام الملك لويس التاسع، الذي أُطلق عليه تسمية (القديس لويس)، وبالتالي يمكن القول انه منذ مئات السنين ربطت فرنسا بلبنان، عبر الكنيسة المارونية والموارنة،علاقة وثيقة جداً، اذ ان الدولة الفرنسية التي لعبت ادوارا محورية وجوهرية في التاريخ الدولي، غالبا ما كانت تنظر الى لبنان بطريقة مميزة ومختلفة”.
وأضاف: “بعد العام 1860، اي بعد تاريخ دخول القوات الفرنسية الى لبنان بسبب المجازر التي حصلت ضد المسيحيين في الحرب الاهلية التي دارت بين الموارنة والدروز، قام الفرنسيون ولأول مرة عبر التاريخ برسم خريطة خاصة بلبنان تحاكي تقريبا حدوده الحالية، لكن المتصرفية اتت مخالفة للخريطة المشار اليها، اذ ان المسيحيين شكلوا 80% من عدد سكانها.
في العام 1920، وعند ولادة دولة لبنان الكبير، تبنى الفرنسيون الفكرة اللبنانية بشكل عام والمارونية بشكل خاص، التي تحدد شكل لبنان وهويته الحالية بأبعادها المختلفة والمتعددة، وهنا لا بد من الاشارة الى انه وخلال مرحلة الـ1920 كانت هناك مجموعة من الموارنة ترفض مبدأ لبنان الكبير والتعددية التي يكتنزها، لكن فرنسا اختارت ان تكون الى جانب الصف الآخر والى جانب فكرة لبنان الذي يضم المسلمين والمسيحيين في الوقت نفسه، بمعنى آخر اختار الفرنسيون لبنان الذي يمكن ان يكون ملتقى لتجمع الأقليات المتشاركة كما كان يردد ميشال شيحا”.
ورأى زغيب انه “بعد نيل لبنان استقلاله، أكدت فرنسا وفي أكثر من مناسبة على أهمية صورة لبنان التي تم رسمها في العام 1920، فبعد عام ١٩٥٨ الذي تخلله انقسام بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، قامت فرنسا بدعم عهدي الرئيسين فؤاد شهاب وشارل الحلو، وعبر دعمها لهما قامت بدعم الفكر المعتدل في لبنان.
وفي العام 1975، عندما نشبت الحرب الاهلية في لبنان، رفضت فرنسا السير بالطروحات المتشددة و التي تحمل الكثير من المغالاة، وعندما ازدادت وتيرة الحديث عن التقسيم والتعدد الحضاري في تلك الفترة، رفض الرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جيسكار ديستان ووزير خارجيته لويس دو غيرانغو، رفضا قاطعا اي طرح فيديرالي او تقسيمي، وقاما باستقبال شخصيات لبنانية رافضة لمبدأ التقسيم”.
وأعتبر الدكتور رزق زغيب ان “السياسة الفرنسية، غالبا ما دعت للحفاظ على لبنان بحدوده الحالية ضمن اطار التفاعل الايجابي والضروري بين مختلف أبنائه وطوائفه، واللافت ان فرنسا على الرغم من العلاقة المميزة التي ربطتها برئيس الجمهورية السابق ميشال عون خلال توليه مهام رئاسة الحكومة، قامت بدعم اتفاق (الطائف) والمناداة به ، وهنا تجدر الاشارة الى ان فرنسا شاركت في تلك المرحلة مع مجموعة من الدول في مجلس الامن باصدار بيان داعم لاتفاق (الطائف) ومؤيد له.
وخلال عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، كانت العلاقة مميزة بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبين فرنسا، وفي تلك المرحلة كان الحديث يتمحور حول ضرورة البحث عن تفاهم لبناني شامل، لا عن تفاهمات طائفية ومذهبية.
كما انه في مختلف العهود الفرنسية، استكملت فرنسا نظرتها الى لبنان الذي يتميّز بعيشه الواحد، اذ انه وعلى سبيل المثال قام الرئيس سركوزي بعقد مؤتمر (سان كلو ) الذي دعا اليه مختلف اللبنانيين من دون استثناء”.
وأضاف “اليوم، ومع الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون تؤكد فرنسا حرصها على لبنان بصيغته الحالية، وهذا ما ظهر بشكل واضح في الفترة التي تلت انفجار مرفأ بيروت وخلال لقاء قصر الصنوبر في العام 2020، حيث اكد الرئيس ماكرون ان اي تطور سياسي في لبنان يجب ان يأخذ بعين الاعتبارة ضرورة التفاهم بين مختلف اللبنانيين دون اقصاء اي طرف منهم.
وختم الدكتور زغيب مشيرا الى انه ” من خلال هذا السرد التاريخي لمحطات بارزة في العلاقة بين فرنسا ولبنان يمكن التاكيد ان باريس تتبع سياسة موحدة تجاه لبنان تهدف من خلالها الى المحافظة على لبنان التنوّع الذي نادى به البطريرك الياس الحويك”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى