أميركا حسمت الأمر.. هل ستندلع جبهة لبنان ضدّ إسرائيل؟
يبدو واضحاً أنَّ إسرائيل دخلت في عُباب فوضى حتميّة خلال الوقت الراهن، وذلك بعدما تيّقنت أن مختلف الجبهات من حولها مُستعدّةً لشنِّ هجمات عليها في آنٍ واحد. فبعد صواريخ جنوب لبنان وغزّة والجولان، باتت القيادة الأمنيّة الإسرائيلية في حالة تأهبٍ كبير، لكنّ الأمر الذي لا يدفعها نحو حربٍ مع أحد هو أنّ أرضيّة هذا الأمر غير متوفّرة، والأساس هنا هو غياب الغطاء الأميركيّ لمثل تلك المغامرة.
في الأيام الماضية وتحديداً بعد حادثة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، كانَ التأييدُ الأميركي لتل أبيب خجولاً بعض الشيء، وما تبيّن هو أن المواقف التي أصدرتها واشنطن كانت مثل أي موقف صادر عن دولة أخرى. ففي حيثيات الكلام الأميركي، دعوةٌ إلى الهدوء وعدم التصعيد، كما بدا لافتاً أن التشديد على دعم إسرائيل كان “مارقاً”، وما يتضح هنا أنّ الولايات المتحدة مُصرّة على عدم حصول أي توتر في الشرق الأوسط، وقد ألزمت تل أبيب بذلك، وتشير التقديرات الى أنّ الضغط الأميركي على تل أبيب خلال الأسبوع الماضي هو الذي أسس لردود إسرائيلية محدودة على الضربات الصاروخية العديدة التي حصلت.. فلماذا هذا الأمر؟ وما هو هدف أميركا من إضفاء الهدوء رغم الضربات التي مُنيت بها إسرائيل مؤخراً؟
حالياً، فإنّ العلاقة الأميركيّة مع تل أبيب ليست على ما يُرام، فالأزمة بين الطرفين برزت بقوّة منذ سعي حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة إلى إجراء تعديلاتٍ قضائية أثارت شرخاً واسعاً في الصف الداخلي الإسرائيليّ. وعليه، فإنّ واشنطن لن تفتحَ الباب لتلك الحكومة الغارقة بالأزمات بالإنخراط بحربٍ كبرى يمكن أن تؤسس إلى إنهيار الكيان الإسرائيلي في أيّ لحظة، فلا مصلحة لذلك حالياً بأيّ شكلٍ من الأشكال.
إلى جانب ذلك، فإنَّ وضع حكومة نتنياهو داخلياً يشيرُ إلى أنّ الأمور تتدهور خصوصاً بعد الإعتداءات على المصلين داخل المسجد الأقصى خلال الأيام الماضية. هنا، كرّست تلك الحكومة وضعاً غير مستقرّ لها، فلا يمكنها الدفاع عن نفسها أبداً في ظلّ ما تقوم به من تجاوزات ساهمت في تأجيج الرأي العام العالميّ ضدها. وبسبب ما يجري، فإن صواريخ الجنوب وغزة والجولان كانت ردّة فعلٍ تضامناً مع الأقصى، وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة ورغم استنكارها لما تعرضت له تل أبيب من ضربات صاروخية، لن تتضامن مع الأخيرة وتغطي ما تفعله داخل الحرم القدسيّ، لأن ذلك سيجعلها أمام موقفٍ مُستنكرٍ عربياً ودولياً، وهي بغنى عن هذا الأمر حالياً وسط الأزمات المتلاحقة. وفي ظلّ كل ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة آثرت أن تكونَ بعيدةً عن الأضواء خلال الأزمة الراهنة التي تمر بها إسرائيل وهذا الأمر لافت، في حين أن عدم منحها الغطاء لشنّ حربٍ قد يكون مرتبطاً بـ”قلة ثقة” بحكومة نتنياهو الذي لم تجرِ حتى الآن دعوتهُ رسمياً لزيارة واشنطن.
في مقابل ذلك، تظهر أيضاً مسألة محوريّة لا تتغاضى عنها الولايات المتحدة. فالإستقرار في المنطقة أساسي بالنسبة لواشنطن لأن “حرب الغاز” لم تنتهِ بعد، وإسرائيل ما زالت حاجة ماسّة لأوروبا في هذه الحرب عبر الغاز الذي تنتجه. وإزاء ذلك، فإن أميركا تُدرك تماماً أن أيّ معركة ستؤدي إلى ضرب مشاريع الغاز في البحر المتوسط، ما يعني انعداماً للمصلحة الإستراتيجية الأميركيّة، وبالتالي انكسار ما جرى إنجازه على هذا الصعيد خلال الفترة الماضية لاسيما إتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل.
بالنسبة لتقديرات عديدة أيضاً، فإن عدم اتخاذ أميركا قراراً بتغطية أيّ حرب حالياً قد يكون نابعاً أيضاً من نقطة مهمة وهي أن المنطقة العربيّة باتت على علاقة جيّدة مع إيران، والسؤال هنا: هل ستضعُ واشنطن نفسها في موقع توتر بينما إيران في موقع تسويات وهدوء؟ الإجابة حتماً لا، فالولايات المتحدة قد لا تُغامر بإتجاهِ دعم أي حربٍ تصورها على أنها لا تريد الهدوء للمنطقة في ظلّ التسويات والإتفاقيات القائمة وأبرزها بين السعودية وإيران، ولهذا فإنّ التزامها السلم سيكون محور عملها في الآونة الراهنة.
إذاً، وبكل بساطة، ما يتضح تماماً هو أنّ العدو الإسرائيلي مُني بأكثر من ضربة، فعسكرياً كانت ردوده على الضربات الصاروخية محصورة لأنه لا غطاء أميركي له بتوسيع هجماته، وهو الأمر الذي انعكس سلباً عليه في الداخل. كذلك، فإنّ خسارته الرضى الأميركي سيعني أن “السطوة” عليه من دول “الممانعة” ستكون أكبر، وبالتالي فإنّ المعارك ضده ستزداد على أكثر من صعيد.. والسؤال الذي يُطرح: هل عوامل الصمود ستكون متوفرة؟
مصدر الخبر
للمزيد Facebook