آخر الأخبارأخبار محلية

فلسطين ليست قضيتي

قد يكون من الطبيعي حصول تباينات في وجهات النظر في مجتمعات كالمجتمع اللبناني حول قضايا أساسية ومصيرية. ولعلّ الخلاف الذي وقع على مواقع التواصل الاجتماعي حول ما اعتبر استخداماً للبنان كمنصّة للصواريخ، وعدم أحقية قيام جهات من خارج لبنان باستخدام اراضيه لإطلاق الصواريخ من دون إذن من الدولة، هو خلاف بديهي ومفهوم الى أبعد الحدود في ظلّ الانقسامات العميقة في وجهات النظر سواء على المستوى السياسي او على المستوى السيادي وما الى ذلك من تفاوت في الاراء التي تتخطى مبدأ الخصومة وتصل احياناً الى حدّ العداوة.

 

ربما لم تكن المرة الاولى التي يتصدّر فيها وسم “فلسطين ليست قضيتي” مواقع التواصل، لكنّ مشاعر الضغينة التي بُثّت هذه المرة من خلاله أثارت نقمة كبيرة لدى الشعوب التي تمسك بمسؤولية النضال ولو بالكلمة تجاه فلسطين المحتلة. غير أن الخطاب الذي بدا “موجّهاً” في العالم الافتراضي اتّخذ طابع العزلة الشعورية، إذ إن فئة من اللبنانيين أسهبت في التخلّي عن القضية الفلسطينية من خلال هاشتاغ “فلسطين ليست قضيتي”، الامر الذي بدا لافتاً جداً لجهة الاشهار بقرار الانقلاب على الوجدان العربي بعد أن كان الموضوع لا يتعدّى بضع آراء خجولة متنصّلة من حق الفلسطيني بأرضه.

 

المشكلة في هذا الخطاب ليست سياسية فقط، انما مشكلة مرتبطة بالوعي العام والنظرة الى الواقع اللبناني باعتباره منفصلاً بشكل كامل عن قضايا المنطقة والدول المحيطة به، وكأن لبنان لا يتأثر بما يحصل في فلسطين المحتلة او سوريا او العراق او غيرها من الدول العربية. كما أن ثمة مشكلة مضافة تتمثل في فهم الواقع الانساني والحضاري. فكيف يمكن لمواطن لبناني مثلا أن يعتبر أن كنيسة القيامة او المسجد الاقصى قضية لا تعنيه وذلك في معرض النكاية السياسية مع فريق سياسي اخر.

 

مما لا شكّ فيه أن هذا الخطاب “الناقم” والمنسحب من القضية الفلسطينية على اعتبارها قضية مركزية، يؤدي الى تشرذم في وجهات النظر المبدئية بين اللبنانيين. والحديث هنا لا يشبه ما كان سائداً في العام 1975 حيث كانت المشكلة لدى البعض لبنانية – فلسطينية، في حين تحالف البعض الاخر مع الفلسطينيين، أي أنها كانت تشكّل آنذاك انقساماً سياسياً واضحاً دفع بعض اللبنانيين الى اتخاذ مواقف معادية للقضية الفلسطينية. لكن اليوم، وفي ظلّ الاستقرار الناتج عن التسويات في المنطقة، وعدم وجود إشكالات جدية بين اللبنانيين والفلسطينيين يصبح الذهاب باتجاه “النكران” عن سابق اصرار وتصميم تظهيراً للخلل البنيوي في الواقع الاخلاقي والانساني والسياسي لدى فئة من الشعب اللبناني.

 

من جهة اخرى فإن الخطاب المُعادي للقضية الفلسطينية بلغ صداه أدنى مستويات العنصرية من قبل فئة انفعالية لا تغير شيئاً من واقع القضية المركزية للشعوب العربية، لا بل تبقى “شطحات” لا تتخطى بضعة حروف على مواقع التواصل لتشكّل ظاهرة محدودة تلقى دعماً من بعض الذين باتوا يعتبرون قضية فلسطين المحتلة عبئا على بلادهم، ومن بعض الصهاينة الذي يجهدون لخرق بلاد العرب لحرف البوصلة عن قضية الحق الازلي ضمن مسار مشروعها التوسعي الذي وإن لاقى قبولاً من بعض الحكومات العربية على مستوى التطبيع، فهو سيظل يقابل برفض مستميت من الشعوب المحصّنة بالوعي الفكري والمؤمنة بأن القضية هي قضية حق وعدالة قبل أي شيء.

 

روحوا حرروا فلسطين من قلب فلسطين”- حالة إنكار يعيشها بعض اللبنانيين مدعومين بأصوات بعض العرب الرافضين اعتناق القضية الفلسطينية كقضية شخصية، وهذا حقّهم، لكن ثمة شعوب من كافة الجنسيات والاديان لا تزال حتى اليوم تقف الى جانب الفلسطينيين في قضيتهم المحقة ويناصرونها، فلمَ تستنكرون علينا حقّنا أيضاً في الدفاع عن قناعاتنا الراسخة؟ 

 

وإن كنت اتفق مع الخطاب الرسمي للدولة اللبنانية، ومع الاعتراضات التي أبت أن يكون لبنان ساحة لتصفية الحسابات وزعزعة الاستقرار وسط الازمات التي تتربص باللبنانيين، ومنصّة للصواريخ من شأنها أن تمسّ بسيادة لبنان وتعرّضه لمخاطر جدية هو في غنى عنها، غير أن ذلك لا يلغي أبداً رفضي للخطاب الذي يحوّل القضية الفلسطينية الى وجهة نظر أو يخضعها لأي مبحث أو نقاش، واستنكاري لحملة “فلسطين ليست قضيتي” المتفلّتة والمترافقة مع تعميم القول بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود والتي لم تعد تنطلي على احد، في محاولة لتخدير الضمائر وبعثرة الجوانب العاطفية والقومية لهذه القضية.

 

في المحصلة، ان هذا التحول الخطير في الخطاب اللبناني والعربي والذي بدأ يتعاظم في السنوات الاخيرة يجعلني اقول لا بأس، ففلسطين لن تكون ابداً سوى قضية الاحرار والشرفاء في هذا العالم، وما اكثرهم، اما اصوات النشاز مهما صدحت ستخفت يوماً لأن الانسانية ستنتصر، والحق سينتصر والعدالة أيضاً!

 

 

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى