آخر الأخبارأخبار محلية

باريس والرياض: الرئاسة على النار

كتب نبيل هيثم في” الجمهورية”: ثمة صورتان، يتأرجح فيهما الملف الرئاسي بين المستحيل والممكن؛ تعكس الأولى ان المشهد الداخلي المعقد بلغ نقطة اللاعودة في «عداواته» ويستحيل مع استفحالها ان يُخرق بتوافق على رئيس، حتى ولو كان هذا التوافق يُنجّي الرئاسة والبلد من طوفان يجرفهما. ولعل ابلغ توصيف للواقع الداخلي، ورد في مقاربة طريفة لأحد ظرفاء السياسة الداخلية، إنما هي في جوهرها بالغة الدقة والدلالة، وفيها: «انّ بناء مساحة مشتركة بين التناقضات السياسية، لا يتطلب كاسحة ألغام او كاسحة جليد، بقدر ما يتطلّب كاسحة للافاعي التي تتحيّن الفرصة للانقضاض على بعضها البعض، وتعمل لسعاً لبعضها البعض. ولكن، كيف يمكن ان تنتظر الترياق والسمن والعسل الرئاسي من جحر الافاعي».

Advertisement

امّا الصورة الثانية، فتؤشر الى أنّ إحداث انقلاب في الواقع القائم امر ممكن وليس مستحيلاً، ويبدو انّ الخارج الصديق او الشقيق الذي هو على بيّنة كليّة من دقائق المشهد الداخلي وتفاصيله، وعلى إدراك تام لكلّ الشروط التي تطرح من هذا الطرف السياسي أو ذاك، قد أخذ على عاتقه هذه المسؤولية تحت عنوان «مساعدة لبنان في إتمام استحقاقاته الدستورية». وأمّا النتائج الملموسة لحركة الجهود الخارجية، وعلى وجه الخصوص الفرنسية السعودية، فلن تتأخر في الظهور، وقد تفاجىء الجميع؛ هذا ما يؤكده ديبلوماسيون مطلعون على تفاصيل حركة الجهود التي تكثفت مع اجتماع الدول الخمس، وما تلاها في لقاءات في باريس، مخالفين بذلك جذرياً المبالغات والافتراضات التي سبحت وما تزال تسبح خارج صحنها، ودأبت منذ انطلاق هذه الحركة على إلباس فرنسا والسعودية مواقف لا علم لهما بها، على ما جرى مع السيناريوهات الخيالية والمتخبّطة في الاوهام، التي رافقت زيارة الوزير سليمان فرنجية الى قصر الايليزيه، وقارَبتها كزيارة فاشلة، فيما المعطيات الجديّة تؤكّد أنّها خلاف ذلك، الفرنسيون كانوا مرتاحين، وكذلك فرنجية!
من هنا، وعلى ما يقول مواكبون للمسعى الفرنسي الفرنسي، فإنّ تشكيك بعض مكونات الداخل اللبناني بإمكان نجاحه، وكذلك نوبة الانفعال غير المبرّرة التي أبداها بعض هذه المكونات تجاه الموقف الفرنسي تحديداً، لا يغيّران في حقيقة انّ إنضاج الطبخة الرئاسية على النار الفرنسية السعودية الحامية.
 
بعض المستويات السياسية تلقّوا إشارات تلفت من جهة الى أنّ الفرنسيين انتابهم الغضب حيال التعاطي اللامسؤول من قبل بعض الساسة اللبنانيين مع الجهد الفرنسي، وتسرّعهم في التشكيك به، في الوقت الذي تنطلق فيه باريس ممّا تعتبره الروابط التاريخية مع لبنان، لتمنح وقتها الثمين تجاه ما تعتبره مصلحة للبنان وفتح نافذة الامل للبنانيين في تخطّي أزمتهم. وتؤكد من جهة ثانية انّ باريس ماضية بزَخم مع السعودية وسائر اصدقاء لبنان لمساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية واعادة انتظام مؤسسات الدولة.
وعلى ما يؤكّد مطلعون، فإنّ ما يؤسّس له الفرنسيون والسعوديون، ومن خلفهم سائر دول الاجتماع الخماسي، لن تكون نتيجته منعزلة على الاطلاق عمّا تشهده المنطقة من تحولات وتفاهمات عربية وإقليمية وإطفاء لنقط التوتر والاشتباك، ولعل اهمها الاتفاق السعودي الايراني، الذي أحدَث انقلابا حقيقيا، حوّل أعداء الامس الى اصدقاء وحلفاء اليوم. وآخر محطاته التي ينبغي التعمّق فيها تجلّت في اجتماع وزيري الخارجية السعودية والايراني برعاية صينية في الصين خلال الساعات الماضية، وما تخلله من توقيع مجموعة اتفاقيات ثنائية، ولعل اهمها إحياء التعاون في المجال الأمني.
 
فهذا الاتفاق، على ما يقول المطلعون، ينبغي التمعّن فيه ملياً، خصوصاً من قبل حلفاء السعودية وايران في لبنان، حيث ان الصورة لا تستقيم مع طرفين لدودين قررا ان يأكلا عنب التفاهم والتوافق في الخارج، فيما حلفاؤهما في الداخل اللبناني يأكلون الحصرم ويضرسون. لذلك فإنّ ما يسري على الخارج، سيسري بالتأكيد على الداخل ولو بعد حين، وساعتئذ لن يبقى امام تناقضات الداخل سوى البحث عن وسيلة للنزول عن اشجار شروطهم والالتحاق بالقافلة، ولو رغماً عنهم.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى