“القادة الفلسطينيون لا يدركون حجم التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط”
نشرت في: 05/04/2023 – 17:53آخر تحديث: 05/04/2023 – 17:58
في هذا الجزء الثالث والأخير من المقابلة المطولة التي أجرتها فرانس24 منتصف مارس/آذار مع غيث العمري، المفاوض الفلسطيني السابق الذي كان أحد المستشارين المقربين من الرئيس محمود عباس، تناولنا ملف “اتفاقيات أبراهام” الموقعة في 2020 والتي كرست التقارب بين دولة إسرائيل وعدة بلدان عربية.
غيث العمري، محام متخصص في حقوق الإنسان وباحث بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو ممثل معترف به في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، التي توقفت في العام 2014.
المفاوض الفلسطيني السابق، لا سيما في قمة كامب ديفيد ومحادثات طابا والمستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حتى عام 2006، كان في زيارة لباريس منتصف مارس/آذار لعرض مشروع “همسات من غزة” الذي شارك فيه بنفسه. وهذا المشروع هو عبارة عن سلسلة من أفلام الرسوم المتحركة القصيرة التي تعرض شهادات فلسطينيين يروون حياتهم اليومية الصعبة تحت حكم حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة.
وبعدما تحدثنا معه في المقال الأول عن حياة الفلسطينيين في القطاع وفي الثاني عن الوضع السياسي بالضفة الغربية المحتلة، تناولنا في النهاية موضوع “اتفاقيات أبراهام” التي وقعتها إسرائيل في 2020 مع بلدان عربية بوساطة أمريكية.
- فرانس24: تحظى القضية الفلسطينية بدعم شعبي كبير في الشارع العربي، لكن “اتفاقيات أبراهام” فتحت صفحة جديدة في منطقة الشرق الأوسط. فهل كان ذلك على حساب الفلسطينيين؟
غيث العمري: لا أعتقد أن الدولة العربية التي وقعت “اتفاقيات أبراهام” قد أدارت ظهرها للفلسطينيين، لكن الممارسات السياسية بالمنطقة شهدت تحولا ملحوظا بدفع من دول الخليج. فالدول العربية الموقعة استجابت لمصالحها المشروعة ولها الحق في ذلك. لكن أعتقد بأن القادة الفلسطينيين لا يدركون حجم التحولات التي تشهدها المنطقة، فهم يعيشون في الماضي، ويعتقدون أن أيام جمال عبد الناصر [الرئيس المصري بين 1956 و1970، وكان زعيم العرب في عصره] ستعود. لكن أيام عبد الناصر لن تعود. فزمن الإيدولوجيات القديمة في طريقه نحو الزوال، وزمن الوحدة العربية والإسلامية لم يعد مهيمنا على الساحة العربية والدولية.
هذه حقيقة. فعلى ضوء المعطيات الجديدة، وفيما ينشغل الجميع بمصالحه الخاصة، على الفلسطينيين معرفة ما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من الوضع الجديد أم أنهم سيظلون على هامش التاريخ. وأنا أعتقد بأن هناك فرصة للاستفادة من هذه التحولات.
لقد كنت مفاوضا فلسطينيا، وكنا دائما نلجأ لواشنطن ثم عمان والقاهرة كلما كانت الحاجة للضغط على الجانب الفلسطيني بشكل فعال. لأي سبب؟ لأن البلدان العربية التي تربطها علاقات بإسرائيل لديها آليات وأدوات لممارسة الضغوط على قادتها. لا ننسى بأن الإمارات العربية المتحدة وقعت اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل شريطة أن توقف الدولة العبرية ضم الأراضي الفلسطينية إليها. بالتالي، على القادة الفلسطينيين أن يتحدثوا للمسؤولين الإماراتيين لمطالبتهم باحترام بنود الاتفاقية مع إسرائيل، أي بطريقة غير مباشرة استغلال الفرصة للاستفادة من هذه الاتفاقيات، وإلا فسيبقون على موقفهم الحالي ما يعني إدانة الوضع الجديد ورفضه.
إذا انخرطوا في هذا الوضع الجديد، فبإمكانهم الحصول على دعم عربي أكبر. في شهر فبراير/شباط الماضي، قالت الإمارات إنها مستعدة للدفاع عن لائحة في مجلس الأمن الدولي تقضي بدعم الفلسطينيين ضد بناء مستوطنات إسرائيلية وتوسيعها.
بالإضافة إلى الدعم السياسي، يمكن الحصول أيضا على دعم اقتصادي. فقبل عامين، وقعت إسرائيل والأردن والإمارات اتفاقية بناء على المعادلة التالية: الإسرائيليون متقدمون جدا في مجال تحلية مياه البحر، لكنهم يعانون من عجز في مجال الكهرباء لا سيما في جنوب البلاد. من جهته، يتقدم الأردن كل بلدان المنطقة في مجال إنتاج الطاقة النظيفة بفضل طاقتها الشمسية الكبيرة، إلا أنها تفتقر للموارد المائية أكثر من غيرها. فتم الاتفاق على بناء حقول شمسية في الأردن ومصانع لتحلية المياه في إسرائيل، ما سمح لهما بتصدير الكهرباء والماء في الوقت ذاته لأجل تلبية احتياجات كل بلد. أما الإمارات، فقد مولت المشروع علما بأنها تحصل على مقابل مادي من كل فائض تجاري في هذه العملية. كان بإمكان الفلسطينيين الدخول في مثل هذه المشاريع أو غيرها، لكن عليهم أن يقبلوا بالوضع الجديد.
فالمنطقة تتحول واتفاقيات أبراهام لن تمر مرور السحاب بل ستبقى قائمة، ونحن نلاحظ أن العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الحكومة الإسرائيلية وشركائها العرب تتطور رغم الأزمة الحالية بينهم.
إن الاعتبارات السياسية الإسرائيلية ستكون دائما وأساسا داخلية، مثلها مثل باقي الدول عبر العالم. لكن اتفاقيات أبراهام تلزمها بالتفكير جيدا قبل اتخاذ أية قرارات. أعلم من مصدر رسمي إسرائيلي بأن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وكل الجهاز الدبلوماسي والاستخباراتي الإسرائيلي يتعاملون بشكل جدي وحساس مع كل الانتقادات التي تأتيهم من الإمارات والبحرين والمغرب. فهم عادة لا يهتمون بالانتقادات التي يتلقونها من مصر أو الأردن، لكنهم يولون أهمية قصوى لتلك التي يوجهها لهم شركاؤهم الجدد لأن اتفاقيات أبراهام تحظى بشعبية كبيرة داخل إسرائيل.
نعلم، مثلا، أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يريد مضاعفة الاستفزازات في القدس، لكن الخوف من أن الإمارات، التي أقامت علاقات عميقة وسريعة مع إسرائيل، بإمكانها قطع هذه العلاقات، دفع نتانياهو للضغط على وزيره حتى ينهي تحركاته. فهو [أي نتانياهو] لا ينجح دائما في مهمته أو قد لا يريد أن ينجح في كل مرة، لكن هذا لا يمنع أن إسرائيل تشعر بضغط شركائها العرب، ومن دون تلك الضغوطات، أعتقد بأن العناصر المتشددة في الحكومة الإسرائيلية ستضاعف من تشددها.
في عيون المجتمع الدولي تمثل العديد من القضايا تهديدات أكبر [من النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي]: الحرب في أوكرانيا، التهديد النووي الإيراني، بروز الصين كقوة عالمية، فضلا عن الوضع في اليمن وسوريا وليبيا. هذا ما جعل من حيث المخاطر التي تمثلها بالنسبة للرأي العام الدولي نزاعات أخرى تحجب القضية الفلسطينية-الإسرائيلية. في تسعينيات القرن الماضي ولغاية مطلع الألفية الجديدة، كان التفكير بأن الاستثمار سياسيا في النزاع الذي يهمنا فرصة للحصول على نتائج. هذا لم يعد صحيحا اليوم، إذ أدرك الغربيون والفاعلون الإقليميون على حد سواء بأن ضعف الفلسطينيين يمنعهم من إمكانية التوصل لأي اتفاق فيما الإسرائيليون لا يرون أي منفعة في ذلك. وبالتالي، فإن الزعماء السياسيين يبحثون عن فرص خارج النزاع، وهذا ما يفسر شعبية اتفاقيات أبراهام.
فإذا كنت مسؤولا، هل تغامر بنفسك في قضية مكتوب لها الفشل؟ لا نجاح متوقع في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، بالمقابل خطر الفشل كبير. فنعم، لقد تحول انتباه العالم إلى مكان آخر، وعلى الفلسطينيين والإسرائيليين أن يقنعوا العالم بالالتفات لهذا الملف مجددا. ومن المفارقة، ما يجذب الأنظار ويثير العديد من ردود الفعل الدولية هي السياسات المتشددة أو العنصرية في بعض الأوقات للحكومة الإسرائيلية. وبات تقريبا من غير المسبوق استدعاء وزارة الخارجية الأمريكية سفير إسرائيل كما حدث مؤخرا. حتى حلفاء إسرائيل الجدد، مثل الإمارات العربية المتحدة، ينتقدونه باستمرار.
يمكن [للمجتمع الدولي] تجاهل النزاع، لكن في حال تدهور الوضع، لا سيما بالقدس، سيكون لذلك انعكاسات في العالمين العربي والإسلامي. هذا يذكرنا بأنه لا يمكن تجاهل المسألة.
النص الفرنسي: مارك ضو | النص العربي: علاوة مزياني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook