آخر الأخبارأخبار محلية

ما فيش فايدة.. فالج لا تعالج

سألني أكثر من صديق عن سبب تهرّبي من التطرق إلى المواضيع السياسية الآنية بالمباشر. لم تستفزّني تلك الأسئلة، بل زادتني قناعة بالابتعاد قدر الإمكان عن هذه المواضيع. والسبب هو أنني لم أعد أثق بالسياسة وأهلها. كان هذا حالي منذ زمن بعيد، ولكني تيقنّت أخيرًا أن السياسة عندنا في لبنان ليست فن الممكن، كما هي في الدول التي تُحترم فيها شعوبها، بل هي فن التأجيل والمماطلة والتسويف، وصولًا إلى مرحلة امتهان فن الكذب.

 

فبمقدار ما يكذب هذا السياسي أو ذاك الزعيم أو ذاك المسؤول على شعوبهم أولًا، وعلى أنفسهم ثانيًا، يظّنون أنهم يبلغون ذلك مرتبة الاحتراف في تشويه الحقائق وطمسها، أو مرحلة التعاطي مع وجع ناسهم وأهلهم وأبناء بيئتهم بخفّة واستلشاق ، وكأن ما يحصل لهؤلاء الناس، الذين كانت “غبرة” رضاهم لا تكفي الذين انتخبوهم قبل سنة تقريبًا، يحصل لأناس آتين من كوكب آخر، أو كأنهم غير لبنانيين، ويحملون الهوية نفسها، التي يحملها أهل السياسة. 

عن أي موضوع يريد أصدقائي أن أكتب؟ هل أكتب عن نواب ينتظرون على قارعة الطرق الدولية والإقليمية ليهبط عليهم “الوحي”، فيذهبون إلى “ساحة النجمة” لينتخبوا رئيسًا كانوا يرفضونه حتى الأمس القريب، وكانوا يعتبرونه من غير خطّهم السياسي؟ هل يريد أصدقائي أن أكتب عن هؤلاء الذين ينقلون البارودة من كتف إلى آخر عند أول إشارة خارجية؟ هل تريدون أن أكتب عن الأول من نيسان، الذي أصبح يشبه كل أيام بعض هؤلاء السياسيين؟ هل تريدون أن أكتب عن الصفقات السياسية أو المساومات، التي تتمّ في ليالي لا ضوء قمر فيها؟ هل تريدون أن أكتب عن سياسيين “ما ألهن رب”، وعن “تجّار الهيكل”، أو عن “اليهاوذة الاسخريوطيين” الجدد؟ 

لن أكتب، وهذه قناعتي، إلاّ عن وجع الناس. لن أكتب إلاّ عن السياسة الصادقة وعن أهلها الصادقين، على رغمّ قلّتهم. فعذابات الناس أولوية، أو هكذا يجب أن تكون بالنسبة إلى بعض الذين ما إن انتهت الانتخابات النيابية حتى أداروا ظهورهم لمن بفضلهم وصلوا إلى حيث هم اليوم. ولولا هؤلاء “الناس الغلابة” لما كنا نسمع “حسّهم”، ولما كان لهم حيثية أو وجود في الحياة العامة. 

عن هؤلاء الناس، الذين يعيشون بـ “القّلة”، ولكن بكرامة، يجب أن يُكتب، وليس عمّن كان المسبّب في إفقارهم وتجويعهم وقهرهم وإذلالهم.  

عن هؤلاء الناس، الذين كانوا يعيشون ببحبوحة ورفاهية قبل أن تُسرق منهم أموالهم وجنى العمر، يجب أن يُكتب وتُسّلط الأضواء. هؤلاء كان اسمهم “الطبقة الوسطى”. أمّا اليوم فقد أصبحوا يُحصون من ضمن مجموعة كبيرة جدًّا هي تحت خطّ الفقر، وهم غالبية الشعب اللبناني. 

أمّا لأهل السياسة، أو بعض منهم، فلنا ولكم معهم حديث آخر. لا شيء دائم. لا في الصداقات، ولا في العداوات. ومن لم يتعّلم “من كيسه” لا تجوز عليه الشفقة. الانتخابات النيابية المقبلة “وراء الباب”. فإذا لم يُحسن الناس الاختيار هذه المرّة، وإذا لم يستعملوا حقّهم في المحاسبة وراء الستارة وفي صندوقة الاقتراع، فلا خير يُرجى. أو قل عندها “على الدنيا السلام”، أو بالأحرى “ما فيش فايدة” على حدّ قول الزعيم المصري سعد زغلول، وهو على فراش الموت، حين قدمت له زوجته صفية الدواء قبل لحظات من وفاته فقال لها هذه العبارة لشعوره بقرب أجله، وطالبها بألاّ تعطيه مزيدا من الدواء لأنه لن يأتي بأي نتيجة، فيما حالته تزداد سوءا، لكن بعض الكتّاب المصريين يؤكدون أن زغلول كان يقصد بهذه العبارة الناس الذين كانوا يتظاهرون خارج قصره مطالبين بإسقاط النظام. 

ومن أرض الكنانة إلى لبنان، وعلى الطريقة اللبنانية، نردّد مع القائلين: “فالج لا تعالج”. 
        


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى