الحرب في أوكرانيا فاقمت “شعورا بالضعف المتزايد” قلب سياسة عدم الانحياز الفنلندية
نشرت في: 01/04/2023 – 17:23
تتهيأ فنلندا للانضمام أخيرا إلى حلف شمال الأطلسي بعد حصولها الخميس على الضوء الأخضر من تركيا. وبعد أن استبدلت الدولة الإسكندنافية سياستها السابقة لعدم الانحياز ببطاقة العضوية، باتت تنظر اليوم إلى الناتو على أنه أفضل حماية لها من التهديد الروسي.
يستعد الناتو لاستقبال العضو الحادي والثلاثين. فبعد قرار المجر الإثنين التصديق على عضوية هلسنكي، منحت تركيا الخميس بدورها أخيرا الضوء الأخضر لانضمام فنلندا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي إثر تصويت في البرلمان.
من جانبه، رحب الرئيس الفنلندي سولي نينيستو بالقرار فقال: “فنلندا ستكون حليفا قويا وقادرا وملتزما بأمن الحلف”، شاكرا الدول الأعضاء على دعمهم. وأضاف نينيستو في بيان: “أريد أن أشكرها جميعها على ثقتها ودعمها”، متمنيا انضمام السويد “في أقرب وقت ممكن”.
وكانت الدولة التي تتشارك في 1340 كيلومترا من الحدود مع روسيا، قد أودعت رسميا طلب العضوية إلى الناتو في 18 مايو/أيار 2022، أي ثلاثة أشهر بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، على غرار السويد، التي لا تزال تركيا تقف حجرة عثرة أمام قبول عضويتها لحد الساعة.
ويعتبر الاندماج الوشيك لفنلندا إلى الحلف بمثابة نقطة تحول تاريخية لهذه البلاد. فهي التي دافعت لعدة عقود عن سياستها عدم الانحياز العسكري لأي طرف. رغم ذلك، فإن مسألة الانضمام إلى الناتو ليست بالجديدة فلطالما كانت هلسنكي قلقة منذ عدة سنوات حيال الميول التوسعية الروسية.
-
تعجيل التصويت في البرلمان الفنلندي
وأثار الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 موجة من الذعر دفعت عدة دول مجاورة إلى إعادة التفكير بشكل جذري في سياساتها الدفاعية.
لكن في فنلندا، فإن هذا القلق تجاه الجار الروسي القوي كان بالفعل حاضرا أصلا منذ غزو شبه جزيرة القرم في 2014. فبعد ذلك بعامين، أجرت الحكومة الفنلندية دراسة لإمكانية انضمام الدولة إلى حلف الناتو، لكن بدون أن تحظى هذه الفكرة بالإجماع.
في المقابل، سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى التفاوض مع الولايات المتحدة على اتفاقية للحصول على ضمانات بعدم توسع الناتو شرقا. قوبل هذا الطلب برفض واشنطن لكنه أثار رد فعل حازما من الرئيس الفنلندي.
ففي خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني 2022، حذر سولي نينيستو: “أقولها وأكررها: فنلندا حرّة في النظر بإمكانية التحالف عسكريا وطلب عضوية الناتو”، مستنكرا التشكيك في “سيادة عدة دول” من الاتحاد الأوروبي.
وبعد أن أثار الرئيس الفنلندي النقاش مؤخرا حول عضوية الناتو مجددا، حظيت هذه المسألة بتصويت سريع في البرلمان الفنلندي مطلع شهر مارس/آذار 2023.
في هذا السياق، توضح صوفي إينوس-أتالي أستاذة وباحثة في العلوم السياسية متخصصة في القضايا الأمنية للمنطقة، أنه وعشية انطلاق الانتخابات التشريعية الفنلندية الأحد، “أرادت الحكومة تمرير هذا التصويت قبل اختتام المناقشات البرلمانية”، مضيفة: “هدفه هو المشاركة بصفته عضوا في قمة الناتو المقبلة في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) شهر يوليو/تموز القادم”.
We approach #NATO summit in Vilnius stronger& more united than ever.
Glad that Vytis – armored knight – Lithuanian symbol of vigor and power is on the logo of #VilniusSummit.
Vytis embodies readiness of our country to stand in defense of 🇱🇹 and the entire Alliance. pic.twitter.com/3jZUROi4v6
— Gitanas Nausėda (@GitanasNauseda) March 31, 2023
وفي انتخابات الأحد، ستحاول رئيسة الوزراء الاشتراكية الديمقراطية سانا مارين التي تتمتع بشعبية كبيرة، انتزاع ولاية ثانية في مواجهة منافسيها اليميني واليميني القومي، في انتخابات يتوقع أن تشهد منافسة حادة.
تأتي هذه الانتخابات، التي ستحاول فيها رئيسة الوزراء مارين انتزاع ولاية ثانية، قبل أيام من موعد تاريخي لانضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي. ومن غير المرجح أن تعرقل النتائج هذه العملية لأن كل الأحزاب الرئيسية باتت تدافع عنها في تحول نجم خصوصا عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
-
نقلة نوعية وعامل محفّز
وبالنسبة للباحثة إينوس-أتالي، فلقد كان الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة “العامل المحفز” الذي سرّع تفكيرا كان ساريا أصلا في البلاد، التي يطبعها تاريخ صعب ومؤلم مع روسيا.
فقد خضعت فنلندا للسيطرة من قبل جارتها لمدة قرن حتى اندلاع الثورة الروسية في 1917. منذ تلك الفترة، تواجهت روسيا مع البلد الشمالي مرتين، الأولى خلال حربي الشتاء (1939-1940) والاستمرار (1941-1944)، لكن فنلندا خسرت كلتيهما. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تبنت فنلندا موقف الحياد، الذي تطور لاحقا نحو مبدأ عدم الانحياز عسكريا إثر انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا.
تتابع الباحثة: “لطالما اعتبرت هذه السياسة بمثابة حماية تجاه روسيا، خوفا من صراع جديد مع جارتها”، وهي تضيف: “لكن العقليات تطورت في فنلندا بشأن هذا الموقف السياسي الناجم عن الحرب الباردة، والذي يُنظر إليه الآن عموما على أنه بات من الماضي. يضاف إلى ذلك، شعور بالضعف يتزايد بسبب الحرب في أوكرانيا التي قلبت هذا الموقف بشكل لا رجعة عنه”.
-
غموض حيال “التهديد الروسي”
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أيد 78 بالمئة من الفنلنديين مساعي انضمام بلادهم إلى حلف الناتو، مقارنة مع نسبة 60 بالمئة سجلت قبل بضعة أشهر وتحديدا في مارس/آذار 2022، مع انطلاق الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا.
لكن وبينما يرى الفنلنديون اليوم بأن الاندماج مع الناتو هو أفضل طريقة لحماية بلادهم من أي هجوم روسي، فإن رد فعل موسكو على هذا التغيير في السياسة الفنلندية لا يزال مصدر قلق.
ففيما ينظر الكرملين صراحة إلى الأعضاء السابقين في الكتلة السوفياتية كمناطق لنفوذه، فإنه يحتفظ بموقف أكثر غموضا حيال جيرانه من دول الشمال الأوروبي.
ففي مايو/أيار 2022، أكد فلاديمير بوتين على أن اندماج السويد وفنلندا في الناتو لن يمثل تهديدا مباشرا لروسيا، تصريحات متناقضة تماما مع ما صدر عن نائب وزير خارجيته سيرغي ريابكوف قبل أيام قليلة، كان قال فيها إن هذه العضوية “خطأ فادح” سيكون له “عواقب وخيمة”.
لعبة التصريحات المتناقضة، مضت فيها السفارة الروسية في ستوكهولم بدورها، بعدما أطلقت هذا الأسبوع تهديدات علنية ضد كل من السويد وفنلندا في حال انضمامهما إلى الحلف: “كونوا على يقين بأن الأعضاء الجدد في الكتلة المعادية سيصبحون أهداف شرعية بالنسبة للإجراءات الانتقامية الروسية، بما في ذلك الإجراءات العسكرية”.
❝Finland will formally join our Alliance in the coming days. Their membership will make Finland safer and NATO stronger. I look forward to also welcoming Sweden as a full member of the NATO family as soon as possible.❞
— Secretary General @jensstoltenberg pic.twitter.com/XOXS2TTRYx
— NATO (@NATO) March 31, 2023
أما بالجانب الآخر في الناتو، فالجو مختلف تماما، حيث أبدى ينس ستولتنبرغ حماسة لهذا الانضمام. ورحب الأمين العام للحلف الجمعة بعضوية فنلندا الوشيكة في “عائلة الناتو”. وقال ستولتنبرغ: “أتطلع لرفع العلم الفنلندي في مقر الناتو خلال الأيام المقبلة”، وذلك قبل اجتماع وزراء خارجية الأطلسي في 4 و5 أبريل/نيسان ببروكسل.
ومنذ بدء الحرب في أوكرانيا، أعلنت فنلندا والسويد عن استثمارات عسكرية كبرى. كما أن حلف شمال الأطلسي ينظر إلى الدولتين الإسكندنافيتين على أنهما حصن منيع على ضفته الشمالية الشرقية.
أمين زرواطي/ ديفيد ريش
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook