أخبار محلية

ساعتا باسيل وجعجع: توقيتان مختلفان

عاد لبنان الى التوقيت الموحّد ووضعت معركة الساعة أوزارها، لكنّ ندوبها لن تزول بسهولة وبسرعة، خصوصاً انّ ما طفحت به النفوس المُحتقنة في لحظة «صدق» أظهَر أنّ الفجوة الداخلية هي أوسع من أن تردمها المجاملات الكاذبة.
من العلامات الفارقة التي طبعت «موقعة الساعة» توحّد القوى المسيحية حول رفض تأجيل التوقيت الصيفي، وصولاً الى انّ هناك مَن اعتبر انّ تراجع الرئيس نجيب ميقاتي عن قراره شكّل انتصارا لتلك القوى، ما كان لها ان تحققه لولا تضامنها.
ولكن ما حصل طرحَ على المسيحيين في الوقت نفسه السؤال الأكبر: لماذا لا تقتدون بتجربة توحّدكم ضد قرار تأجيل التوقيت الصيفي وتسحبونها على ملف اهم بكثير ويتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية؟
من الواضح أنّ هذا التحدي هو بالنسبة إلى الجهات المسيحية أصعب بأشواط من اختبار الساعة الذي جمعها موضعياً الى حين، بينما يفرّقها الاستحقاق الرئاسي تحت وطأة كثرة الطامحين وتضارب المصالح.
ولعل الطرفين المعنيين اكثر من غيرهما بتحدي التوافق المسيحي رئاسياً هما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في اعتبارهما يمثّلان الكتلتين النيابيتين الأكبر في بيئتيهما.
وليس خافياً انّ باسيل أطلق إشارات عدة في اتجاه معراب، للتلاقي حول مقاربة مشتركة للاستحقاق الرئاسي، وكان أحدثها في خطابه الاخير الذي قال فيه: «نِحنا الموارنة كلّ عمرنا منَعرِف نتّفق بالسلبي على الرفض من دون ما نتّفق بالإيجابي. يعني ما بيكَفّي كلّنا نرفض فلان او نرفض اي حدا بينفرض علينا. إجا الوقت نقول على مين وعلى شو منتّفق».
لكنّ اللافت ان جعجع لا يزال يتعاطى ببرودة مع إشارات باسيل، وهو رفض حتى الآن اي حوار سياسي مباشر مع التيار في شأن الانتخابات الرئاسية، برعاية بكركي او من دونها، الأمر الذي دفعَ البطريرك الماروني الى ابتكار مشروع الخلوة الروحية المقررة في الخامس من نيسان المقبل لِلَم شمل المتخاصمين ولو حول صلاة.
صحيح انّ باسيل وجعجع يلتقيان على معارضة انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، كلٌ لأسبابه، لكنّ التقاء المصلحة هذا يبدو أضعف من ان يسمح لهما، أقلّه حتى إشعار آخر، بالاتفاق على اسم بديل ومشترك، وسط أزمة الثقة والخيارات التي تباعد بينهما.
يوحي جعجع في أدبياته السياسية ودفتر شروطه وكأنه يطلب من باسيل ان يأتي الى «جلسة اعتراف» وليس الى حوار حقيقي. يريده ان يقرّ ضمناً بخطأ تحالفه الاستراتيجي مع «حزب الله» عبر مطالبته بفك الارتباط نهائياً به والاعلان عن معارضته لبقاء سلاحه، وعدم الاكتفاء بالافتراق المُستجِد عن الحزب في نمط التعامل مع بعض جوانب الملف الداخلي المَحض.
واستطراداً يريد جعجع ان يكون باسيل مستعداً لدعم مرشح رئاسي من طينة النائب ميشال معوض او من يشبهه في موقفه حيال «حزب الله»، وبعدها لا مانع في الحوار.
أساساً، يتصرف جعجع كما لو انه «عايز مِستَغني» في مسألة الحوار مع باسيل، وهو الذي يعتبر ان تجربة اتفاق معراب كانت مريرة ومحبطة ولا مبرّر لتكرارها، خصوصاً ان هناك في المعارضة من لا يزال يُعايره بها ويحمّله مسؤولية ما حصل بعدها، ولن يكون سهلا بالنسبة إليه ان يعيدها الا اذا اتت مطابقة لمواصفاته السياسية، لا سيما انه يفترض ان وضعه المسيحي حالياً افضل مما عليه التيار الذي كان عشيّة اتفاق معراب يستعد بكامل قوته للدخول الى الحكم، بينما خرج منه أخيراً مُنهكاً، وفق تقديرات معراب.
امّا باسيل فقد نجح في أن يبدو امام بكركي والرأي العام المسيحي مترفّعاً عن الحساسيات المعروفة بين التيار والقوات، وحريصاً على التحاور والتفاهم مع خصمه اللدود اذا كان في ذلك مصلحة للمسيحيين، وأعطى انطباعا بأنّ جعجع هو الذي يفرّط بفرصة سانحة لتوحيد موقفهم حيال هوية الرئيس المقبل ولتعزيز موقعهم التفاوضي على الطاولة.
هذا في الشكل، امّا من حيث المضمون فإنّ باسيل ليس في وارد ان يُجاري جعجع في موقفه من السلاح وان يدفع الثمن الذي يطلبه لتجديد التفاهم بينهما، لا سيما انّ مصير علاقة باسيل مع الحزب لم يُحسم بعد، وهو لم يتوقف في طرحه المعلن عن إبداء تفهّمه لوجوب انتخاب رئيس يُطمئن المقاومة ولا يطعنها، وإن كان يشدد أيضاً على أن هذا المعيار ليس كافيا لوحده، ويجب أن يلازمه المعيار الإصلاحي.
في المقابل، تحذّر جهات مسيحية تَتموضَع خارج دائرتي التيار والقوات من خطورة إعطائهما شرعية استخدام الفيتو الرئاسي والتسليم بذلك في اعتباره حقاً مشروعاً لهما، لافتة إلى انّ من شأن ذلك الإساءة الى تمثيل الأفرقاء الآخرين القادرين على تأمين الميثاقية المطلوبة.
وتُنبّه تلك الجهات الى ان الجانبين أعطيا، عبر قضية الخلاف على الساعة، نموذجاً لما سيكون عليهما سلوكهما اذا توحّدا، وهو نموذج غير مشجّع لناحية التحريض الطائفي ونمط التعاطي مع الآخر في البلد.
وترجّح الجهات إيّاها انّ اي صفقة جديدة بين جعجع وباسيل ستستفِزّ باقي الأطراف على الساحة المسيحية، لأنهم سيشعرون مجدداً بأن هناك محاولة لتهميشهم واختزالهم، الأمر الذي لن يقبلوا به.

عماد مرمل – الجمهورية 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى