هل دّقت ساعة الحقيقة؟
ليست المرّة الأولى التي يتخذ فيها الرئيس نجيب ميقاتي موقفًا وطنيًا بامتياز. وليست المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يأخذ الأمور بصدره حرصًا منه على وحدة البلد. وكذلك ليست المرّة الأولى التي يندفع فيها لنزع فتيل التفجير وتعطيل صاعقه. فالبلد لا يُحكم بـ “التحدي والمناكفة”، وهو بالتأكيد ليس من هواتهما. البلد هو لجميع أبنائه سواسية، مسيحيين ومسلمين. هذا ما يؤمن به ذاك الذي لم يكن يومًا “الا صاحب رغبة وارادة في الحفاظ على البلاد ومحاولة اخراجها من العتمة والعوز والعزلة”، وهذا ما يعمل له فوق الطاولة وليس تحتها كما يفعل بعض الذين جعلوا من حبّة “التوقيت” قبّة.
بالطبع لم يكن القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة، بالتشاور مع الرئيس نبيه بري وغيره من المرجعيات الدينية والمدنية، “تعدّيًا على مقامات ومرجعيات دينية او زمنية والتطاول عليها”، بل “كان الهدف منه إراحة الصائمين خلال شهر رمضان لساعة من الزمن من دون أن يسبب ذلك اي ضرر لأي مكوّن لبناني آخر”.
الموضوع حُمّل أكثر مما يحتمل، بل أكثر مما كان يجب أن يُحمَّل. فلو كانت النفوس هادئة، ولو كان على رأس البلاد رئيس للجمهورية يتحمّل مسؤوليته مع السلطتين التنفيذية والتشريعية لما كان حصل ما حصل. وهو أمر خطير، وكاد يودي بالبلاد والعباد إلى أماكن غير مستحبّة، بحيث بات يُخشى أن تصبح العودة إلى الزمن الجميل شبه مستحيلة. وهو مسؤولية مشتركة. فالبلاد هي للجميع من دون استثناء، ولا فضل لأي فئة على الفئات الأخرى إلاّ بما تقدّمه من تضحيات من أجل أن تكون القيامة من تحت أنقاض الأوساخ السياسية ممكنة وسريعة وبأقل أضرار ممكنة.
وهنا نسأل مع الرئيس ميقاتي، الذي تحمّل ما لا قدرة لأحد على تحمّله طوال هذه الفترة، التي تقتضي من الجميع بذل ما أمكن لتجنيب البلاد الكأس المرّة: هل المشكلة هي ساعة بالناقص أو ساعة بالزايد، وقد خسر اللبنانيون من عمرهم ساعات طويلة قضوها في صفوف الذّل أمام الأفران والصيدليات ومحطات الوقود، هل المشكلة أن يصوم الصائمون ساعة أقل من المعتاد، وهل المشكلة أن ساعة المصير المشؤوم لا بدّ آتية إذا ما استمرّت هذه العقلية الانزوائية هي المسيطرة والسائدة؟
هل هي المشكلة الوحيدة التي يجب أن يتوقف عندها المرء لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أم أن المشكلة الرئيسية والأساسية، والتي تكاد تكون وحيدة، هي أن اللبنانيين منقسمون حتى على التفاصيل الصغيرة والتافهة في حياتهم اليومية، فيما المطلوب وقبل أي شيء آخر أن يتوافقوا على توحيد جهودهم لإنقاذ وطنهم مما هو فيه.
ألم يسمع هؤلاء الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لمجرد أن اتُخذ قرار اعتقد الذين ساروا فيه، عن حسن نية، أن لا مشكلة جوهرية حوله، ماذا قال لهم ولغيرهم رئيس صندوق النقد الدولي وغيره من المهتمّين بالوضع اللبناني المهترئ؟ أو أن هؤلاء الذين استفزهم البقاء على التوقيت الشتوي إلى حين انتهاء شهر رمضان هم أقل حرصًا على مصير وطنهم من هؤلاء الذين ينصحونهم باتخاذ إجراءات إنقاذية، وقد تكون أولاها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة انقاذ حقيقية تباشر فورًا ومن دون أي تلكؤ بورشة إصلاحية حقيقية؟
فقبل أن تلعنوا الظلام باشروا بإضاءة، ولو شمعة واحدة، لكي يستطيع اللبنانيون أن يستهدوا إلى الطريق التي يمكن أن توصلهم إلى الخروج من هذا النفق الطويل.
فإذا كان البعض يعتبر أن هذا القرار خطأ فمن من أهل السياسة بلا خطيئة؟ فساعة الحقيقة قد دّقت. ويجب أن تُقال كما هي.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook