آخر الأخبارأخبار محلية

هذا ما يميّز لبنان عن أي بلد آخر في العالم

ليس تفصيلًا أن يتشارك المسيحيون والمسلمون، وهم جميعًا اليوم في صيام توبة ورجوع إلى الله، في تكريم السيدة العذراء في عيد بشارتها، بعدما أصبح يومًا وطنيًا. فما بين مسيحيي لبنان ومسلميه غير موجود في أي بلد في العالم كله. ما يميّز هذه العلاقة يفوق الوصف، وإن تخللها عبر التاريخ بعض الممارسات الشاذة، وهو أمر طبيعي وغير مستبعد. فالعلاقة القائمة أولًا وأخيرًا على احترام هذه الفئة لمعتقدات تلك، وعلى التشارك في العادات والتقاليد، وعلى العيش معًا تحت سماء واحدة، وفي حمى أدعية الأمهات، التي تتصاعد من الكنائس والجوامع والحسينيات والخلوات، لا يمكن أن تمحوه نزوات عابرة ومحاولات التفريق بين ما جمعه التاريخ والواقع الجغرافي في أكثر من مدينة وبلدة وقرية. 

في مثل هذا اليوم من كل سنة، ومنذ أن أعلن عيد البشارة عيدًا وطنياً مشتركًا، يجتمع اللبنانيون، مسلمين ومسيحيين، وهم على ثقة بأن صلاتهم المشتركة إلى من ذكرها القرآن الكريم ثلاثين مرّة دون سائر نساء العالمين، وهي أصفاهن، ستكون مستجابة، وهم يعانون ما يعانونه نتيجة انكفاء عدالة الارض، ولم يعد لهم ملجأ سوى عدالة السماء، بعدما تيقنوا أن لا عدالة في لبنان، خصوصًا أن ما  شهدته “قصور العدل” في الآونة الأخيرة من فوضى قضائية غير مسبوقة لا يشي بكثير من التفاؤل بإمكانية إعادة تأسيس الملك على عدالة غير منقوصة.  

ففي هذا اليوم تلتقي الصلوات وتتعانق آذان الصبح مع صوت الأجراس القديمة علّ السماء ترأف بهذا الشعب، الذي لم يعد له سوى الدعاء، بعدما سُدّت في وجهه السبل الأرضية. فالبلاد من دون رئيس للجمهورية، أي جسم بلا رأس، أي جسم ميت أو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة. 

إنه يوم التلاقي للتعبير عمّا يجمع بين اللبنانيين من صِلات تميزّهم عن غيرهم من شعوب الأرض، سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين. ففي الغرب المسيحي قلما يسمع المسيحي آذان المؤذّن، صبحًا وظهرًا ومساء، تدعو إلى الصلاة والفلاح. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسلم في البلاد، التي ليس فيها اختلاط أو عيش مشترك، فهو لا يسمع، كما يسمع المسلم اللبناني، أصوات أجراس الكنائس كل يوم أحد. 

مَن مِن اللبنانيين المسيحيين لا يحفظ سورة الفاتحة وآيات كثيرة من القرآن الكريم؟ ومَن مِن اللبنانيين المسلمين لا يعرف أكثر من مثل من أمثال الأنجيل. فالقرآن الكريم لدى المسيحيين كتاب مقدّس أنزله الله على رسوله. والإنجيل لدى المسلمين كتاب مقدس فيه سيرة السيد المسيح وآياته واعاجيبه. 
يلتقي الإسلام والمسيحية في حدث البشارة لمريم العذراء عند ظهور الملاك جبرائيل عليها وتبشيرها بحبلها بالمسيح من الروح القدس. الرواية ذكرها القديس لوقا في الإنجيل (1: 26-37)، وفي القرآن الكريم، سورة آلـ عمران (44-48)، مع بعض الفوارق.  
ففي سورة آلـ عمران 44، وردت الآية الآتية “اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح، عيسى ابن يا مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين.  

الآية نفسها ذكرها لوقا1: 26-33 في انجيله “اُرسل جبرائيل الملاك من لدن الله… الى عذراء مخطوبة على رجل اسمه يوسف… وقال لها: السلام لك يا ممتلئة نعمة، الرب معك… لقد وجدتِ نعمة عند الله، فها انتِ تقبلين حبلاً وتلدين ابناً. وتدعين اسمه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب الى الأبد، ولا يكون لملكه انقضاء”.  
 وفي مثال مشترك آخر ورد في سورة آلـ عمران، 46 الآية التالية: “قالت: ربِّ أنّى يكون لي ولد، ولم يمسّني بشر، قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى امراً فإنما يقول له كن فيكون”.  

الآية نفسها ذكرها لوقا 1: 34-35، 37 في انجيله “قالت مريم للملاك: كيف يكون هذا، وانا لا اعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يأتي، وقوّة العلي تحلّ عليكِ، لذلك فالمولود منك قدوس، وابن الله يُدعى… لأنه ليس عند الله امر عسير”. 
بعد عيد البشارة يتهيأ المسيحيون لذكرى صلب وموت وقيامة سيدهم، فيما يستعدّ المسلمون لعيد الفطر السعيد بعد شهر رمضان المبارك، حيث تحلّ مع الصيام الصلاة وأعمال البرّ والخير واسترضاء رب العالمين. 
إنها أيام مباركة عسى أن تكون بداية طريق خلاص اللبنانيين من عذاباتهم ليشهدوا قيامة وطنهم المنهك، ويفطروا على أخبار تفرح قلوبهم العطشى إلى كل كلمة سواء.  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى