لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه
في المنطق السياسي، ووفق تراتبية الأولويات، لا يمكن فصل المستجدّات التي تحصل في دمشق عمّا شهدته بكين من عودة الحرارة الديبلوماسية بين الرياض وطهران، وما يمكن توقعه من تطورات قد تطفو على سطح الأحداث في أنقره.
فزيارة الرئيس السوري بشار الأسد لموسكو، ومن بعدها لأبو ظبي ومسقط، لها ارتباط وثيق بما يمكن البناء عليه لمرحلة مقبلة من عودة سوريا إلى حضن جامعة الدول العربية، ومن تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وما يتوقعه كثيرون من انفراجات قريبة على الساحة اليمنية، وما سيتركه تحسن هذه العلاقات الثنائية من انعكاسات إيجابية على الاستقرار العام في المنطقة في حال لم يطرأ أي عامل من شأنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
إلاّ أن اللافت في هذه الحركة الديبلوماسية الناشطة أن بيروت لم ترد على أي أجندة خارجية. وبقي الاهتمام بالوضع اللبناني محصورًا بما تقوم به باريس من ضمن اللقاءات الخماسية، ولكن مع الأخذ في الاعتبار المعطى الجديد المتمثّل بدخول طهران على الخط، وقد سبق أن أشرنا في مقال سابق، وقبل اتفاق بكين، إلى أن أي حل ممكن للأزمة الرئاسية في لبنان بمسعى من باريس، ومن خلال المجموعة الخماسية، لن يُكتب له النجاح ما لم تكن طهران مشاركة في هذا الحلّ، خصوصًا أن لسياستها امتدادًا طبيعيًا في لبنان من خلال ما لوجود “حزب الله” من فعالية على الساحة اللبنانية، وبالتحديد على الاستحقاق الرئاسي بعدما تبنّى ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، الذي لا يزال يتريث في إعلان ترشّحه رسميًا وفق برنامج واضح من شأنه أن يحاكي تطلعات جميع اللبنانيين، سواء أولئك الذين يُعتبرون من ضمن خطّه السياسي، أو أولئك الذين لا يؤيدونه في هذه السياسة.
وعلى رغم العلاقة التاريخية، التي تجمع بين عائلتي فرنجية والأسد فإن الرئيس السوري تجّنب الردّ على اسئلة الصحافيين اللبنانيين في موسكو في شأن الانتخابات الرئاسية، ودعمه لسليمان فرنجية او الغوص في ما يعانيه لبنان. وهذا ما فعله امام الوفد العربي الذي زاره في دمشق وضم نوابًا لبنانيين، وكذلك أمام الوفد الوزاري برئاسة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
وهذا يعني في ما يعنيه ان دمشق، كما طهران، تحيل سائليهما عن الوضع اللبناني، إلى الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله.
إلاّ أن هذه الإحالة، وإن كانت معانيها واضحة المرامي، فإن اهتمام كل من طهران ودمشق بالوضع اللبناني لا يمكن فصله عن الدور الأمني والعسكري الذي لعبه “حزب الله” في سوريا، ولا يزال، وهو دور لا يمكن سوى “تقريشه” في السياسة، ومدى انعكاسه على تدعيم المحور اللبناني الداخلي، والذي هو امتداد للمحور الإيراني – السوري، ولو بأشكال أخرى. وقد يكون دخول السعودية على الخطّ من البوابة الفرنسية ما يوحي بإمكانية إعادة التوازن الإيجابي إلى موازين القوى المؤثرة على مواقع القرار في ما خصّ الانتخابات الرئاسية في لبنان.
فهذه الأجواء لا بدّ من أن تنعكس إيجابًا على لبنان، ولا بدّ من أن تنتج حلولًا مقبولة رئاسيًا، على أن يترافق ذلك مع بدء ورشة إصلاحية جديدة في كل مواقع السلطة، من حيث التوافق على شكل الحكومة المقبلة ومن سيترأسها، فضلًا عن تفعيل الدور التشريعي لمجلس النواب المطالب، بعد انتخابه رئيسًا جديدًا للجمهورية وتسمية الرئيس العتيد الذي سيكلف بتشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد وفق آلية الاستشارات الملزمة، بمواكبة خطة التعافي بتشريعات تلبي ما يطالب به المجتمع الدولي من خلال صندوق النقد الدولي.
المنطق يقول بأن لبنان لا يمكنه أن يبقى خارج السياق الطبيعي لتطورات المنطقة، وهو سيدخل عاجلًا أم آجلًا، في “لعبة” الأمم، وما يُخطّط للمنطقة من مشاريع مستقبلية. فهو ليس جزيرة معزولة عن محيطه وما يجري فيه.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook