آخر الأخبارأخبار دولية

الحزب القومي التونسي، فصيل سياسي صغير يتبنى نظرية المؤامرة ويعزف على وتر العداء لأفارقة جنوب الصحراء

نشرت في: 17/03/2023 – 17:37

جلب الخطاب المعادي للأجانب الذي أدلى به الرئيس التونسي في 21 شباط/فبراير الماضي وما رافقه من عنف ضد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الاهتمام إلى الحزب القومي التونسي، وهو فصيل سياسي لم يكن معروفا لكن منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي تتبنى بوضوح خطابا يحمل نظرية المؤامرة. وأدى تناول مواقفه في وسائل الإعلام إلى الاهتمام بما ينشره الحزب في وسائل التواصل الاجتماعي، حسب وجهة نظر مراقبتنا، فيما يقر المسؤولون عن هذا الحزب أنه لا يضم سوى عدد محدود من الأعضاء وصفرا من المنخرطين.

في 21 شباط/ فبراير 2023، دعا الرئيس التونسي إلى ترحيل “جحافل المهاجرين غير النظاميين” الموجودين في بلاده منددا بـ”مخطط إجرامي” يهدف لتغيير التركيبة الديموغرافية” في البلاد. ويتطابق هذا الخطاب مع نغمة الشعارات التي يرفعها الحزب القومي التونسي الذي ما انفك يندد بمخطط مزعوم تقف وراءه حركة من أفريقيا جنوب الصحراء “تشابه الصهيونية” وتهدف حسب الحزب إلى “استيطان” تونس من طرف “الأجصيين” [فريق التحرير: اختصار لعبارة أفريقيا جنوب الصحراء].

وتبدو هذه الأفكار التي تتبنى نظرية المؤامرة أشبه بنسخة تونسية من نظرية “الاستبدال الكبير” التي طرحها الكاتب الفرنسي اليميني المتطرف رينو كامي سنة 2010 والتي نالت شعبية في أوروبا منذ ذلك الحين وسط أحزاب اليمين المتطرف.

في صيف 2022، بدأ مؤسسا هذا الحزب، سفيان بن الصغير وحسام طوبان في التجول عبر المقاهي والمحلات التجارية خصوصا في أريانة، المدينة الواقعة قرب العاصمة تونس، لحث السكان على التوقيع على عريضة تطالب بترحيل المهاجرين المقيمين في البلاد بطريقة غير قانونية. في هذا العريضة، يطالب هؤلاء أيضا بفرض التأشيرة على كل القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء وإلغاء القانون رقم 50 الذي تمت المصادقة عليه في سنة 2018 والذي يعاقب ممارسة التمييز العنصري. وفي شباط/فبراير 2023، أكدت المنظمة أنها جمعت نحو 10 آلاف توقيع دون تقديم أدلة عن هذا الرقم.

وفي تقرير تم وضعه على الموقع الإلكتروني للحزب، يؤكدون أنه تم إرساله إلى رئاسة الجمهورية في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، يذكر المسؤولان عن الحزب عدة مفكرين من أنصار القارة الأفريقية على أنهم يروجون للمخطط المزعوم الذي يهدف، حسب وجهة نظرهما، إلى تغيير هوية البلاد التونسية مع وصول مئات الآلاف من أفارقة جنوب الصحراء: ويذكر الحزب ماركوس غارفي المناضل من أجل القارة الأفريقية وإلايجاه محمد الرئيس السابق لـ”ناشيون أوف إسلام Nation of Islam” وهي منظمة يديرها السود في أمريكا الشمالية والباحث السنغالي في الأنثروبولوجيا شيخ أنتا ديوب إضافة إلى آخرين.

مؤامرة من “وسط أفريقيا” من أجل “استيطان” تونس؟

ولدعم هذا المواقف، يضع الحزب في واجهة قناته على يوتيوب مقطع فيديو لموازولو ديابانزا وهو مناضل كونغولي مساند للقارة الأفريقية ويقيم في فرنسا يقول فيه “موريتانيا سوداء، تونس سوداء، والمغرب سوداء وليبيا سوداء”.

ومثلما توضح سلسلة هذه التغريدات على تويتر، تم وضع هذا الفيديو في مقدمتها لمحاولة نشر انطباع بوجود غزو لتونس. وتم التقاطه خلال سنة 2015 عند خروج مظاهرة أمام سفارة المغرب في باريس بعد مقتل مهاجرين اثنين من أفريقيا جنوب الصحراء في المملكة. إضافة إلى ذلك، لا تملك تنسيقية “يانكا نكو Yanka Nku” التي يديرها موازولو ديابنزا سوى متابعة ضعيفة في القارة الأفريقية.

700 ألف أفريقي من جنوب الصحراء في تونس؟

يبني هذا الحزب تحركاته على نظرية “استيطان أجصي” بالخصوص على إحصائية تشير إلى وجود 700 ألف أفريقي من دول جنوب الصحراء في تونس. ويؤكد أن هذه الإحصائية منقولة من المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري. وفي اتصال مع منصة التحري في الأخبار الزائفة في تونس “فالصو”، ينفي هذا الأخير ذلك مؤكدا أن الاتحاد التونسي للشغل لم ينشر أية إحصائية بشأن المهاجرين في تونس.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن المسح الذي أجراه المرصد التونسي للهجرة في عام 2021  أحصى 59000 مهاجر يعيشون في تونس، ومن بينهم 21000 من جنوب الصحراء الكبرى.

حزب يضم ثلاثة “أعضاء”

تم تأسيس الحزب القومي التونسي في كانون الأول/ديسمبر 2018 من قبل 7 أفراد من بينهم سفيان بن الصغير الذي يتولى رئاسته ويقدم نفسه على أنه رئيس “المكتب السياسي” للحزب.

على الشبكات الاجتماعية، الحركة موجودة على عدة منصات: حسابها الأكثر متابعة على Facebook يضم 22000 مشترك. لديه أيضا 1340 مشترك على موقع يوتيوب، و24000 متابع على TikTok.

ونشرت هذه المجموعة مئات التسجيلات المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي معظم مقاطع الفيديو، نرى سفيان بن الصغير أو حسام طوبان يتحدثان أمام الكاميرا عن “مخاطر” الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء أو يدعون إلى منع نشاط المنظمات غير الحكومية التي يتهمونا بتلقي أموال من أوروبا. وعلى بعض مقاطع الفيديو على صفحته في فيس بوك، نرى أيضا وسام بن الصغير يتحدث إلى زبائن مقهى على غرار هذا المنشور بتاريخ 18 شباط/فبراير 2023.

 


وسام بن الصغير يحاول جلب أنصار لأفكاره بين حرفاء مقهى في أحد ضواحي العاصمة التونسية، 18 شباط/ فبراير 2023.

وتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس من التواصل عبر الهاتف مع سفيان بن الصغير الذي أقر بأن الحزب لا يملك قاعدة أنصار. “عندما قمنا بتأسيس الحزب في كانون الأول/ ديسمبر 2018، كنا سبعة أفراد. واليوم، تبقى منا ثلاثة فقط أنا وحسام طوبان وصلاح الدين دياب” حسب تأكيد وسام بن الصغير. ويضيف المسؤول عن الحزب أن “باقي الأعضاء غادروا الحزب لأسباب شخصية”. ويؤكد رئيس هذا الفصيل السياسي الصغير أن “العدد ليس مهما” مضيفا أنه يريد أن “يفهم الناس أفكارنا وقضيتنا”. ويضيف بن الصغير أنه لا يملك رغبة في الترشح للانتخابات وتبقى أولويته منحصرة في “تمرير أفكارنا وقضيتنا” قبل أن يخلص إلى ما يلي “الانضمام إلى حزبنا ليست مجرد قصة أوراق. على أن مناضلينا أن يكونوا متحمسين ومستعدين للتضحية من أجل الوطن”.

“لا يملك هذا الحزب أي منخرط”

تعمل الصحافية زينة الماجري على رأس منصة التحري من الأخبار الزائفة في تونس “فالصو”. وقامت بالتحيقق منذ عدة أشهر في نشاط هذا الحزب.

وفحصت زينة الماجري أيضا أنشطة هذا الحزب على وسائل التواصل الاجتماعي منذ نشأته في سنة 2018. وتم نشر نتائج بحثها على الإنترنت من خلال صفحة منصة “فالصو” على فيس بوك.

وإذا ما كان الأمر يتعلق قانونيا بحزب سياسي يملك ترخيصا للنشاط، فإنه في الحقيقة يبقى مجرد مجموعة صغيرة من الأفراد.

أطلق الحزب حملته ضد وجود أفارقة جنوب الصحراء في البلاد على وسائل التواصل الاجتماعي في أيلول/سبتمبر 2022. في البداية، كان عدد المشاهدات محدودا جدا ونشرت معظم التسجيلات المصورة على صفحات الحزب على تيك توك وفيس بوك.

على الرغم من ذلك، وخلال الأسبوع الذي تلا نشر بيان الرئاسة التونسية في 21 شباط/فبراير الماضي، عرف عدد مشاهدات فيديوهات الحزب ارتفاعا ملحوظا وهو ما أكدناه في التقرير الذي نشرناه.

وفي غضون أسبوع واحد، أصبحت مقاطعهم المصورة تُتداول على نطاق واسع خصوصا عبر تطبيق تيك توك، إذ حصدت مقاطعهم المصورة 22 مليون مشاهدة. وتم تداولها تحت وسوم #حملة_توانسة_ضد_الخطر_الأجصي و #القومية_التونسية و #توانسة_ضد_التوطين_الأجصي. في أسبوع واحد إذا، حصدت منشورات الحزب 120 مليون علامة إعجاب وأكثر من 80 مليون تعليق كانت في معظمها مليئة برسالة الكراهية وتحث على العنف ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.

وعلى سبيل المثال، حصد وسم #القومية_التونسية أكثر من 9 مليون مشاهدة في أسبوع فقط بين 21 و27 شباط/ فبراير الماضي. وذلك بعد أن حصل فقط نحو 3 ملايين مشاهدة بين 18 حزيران/يونيو 2022 تاريخ نشره لأول مرة على حساب الحزب في تطبيق تيك توك و28 كانون الثاني/يناير 2023.

وحسب الصحافية زينة الماجري، على خلفية هذه الحملة انتشرت عدة فيديوهات مضللة أو أخرجت عن سياقها على وسائل التواصل الاجتماعي. على غرار هذا المقطع المصور الذي نشر بعنوان “تونس المستوطنة” والذي يظهر مجموعة كبيرة من أفارقة جنوب الصحراء يقومون بالركض على طول شارع  وقد حصد أكثر من 5 مليون مشاهدة على مختلف المنصات الرقمية حسب إحصاء أجرته “فالصو تونس”.

Cette vidéo titrée, “La Tunisie colonisée”, montre une foule de Subsahariens en train de courir le long d’une rue, a récolté plus 5 millions de vues sur différentes plateformes. En réalité, elle a été tournée lors d’une manifestation au Sénégal. © Facebook

يظهر هذا المقطع المصور الذي نشر تحت عنوان “تونس المستوطنة” جمعا من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء وحصد أكثر من 5 مليون مشاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي ولكنه التقط في الحقيقة في السنغال. صورة من فيس بوك.

 

بعد عملية تحقق أجرتها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، تم التأكد من أن مقطع الفيديو التقط خلال مظاهرة في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2021 في العاصمة السنغالية داكار وبالتالي لا علاقة له بتونس.

وقبل نشر البيان المعادي للمهاجرين من قبل الرئاسة التونسية في 21 شباط/فبراير الماضي، نجح الحزب القومي التونسي في أن يكون مدعوا للمشاركة في برامج تلفزيونية حسبما تتكر زينة الماجري:

دعوة على التلفزيون العمومي

ما حدث هو أنه خلال برنامج على إذاعة إي أف أم في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، انتقدت صحافية تونسية هذا الحزب. وهو ما جعل سفيان بن الصغير يتصل بالإذاعة لطلب حق الرد لدى المنشط برهان بسيس. وقام هذا المنشط باستدعائه للحضور في حصة بتلفزيون قرطاج + يقدمها بسيس نفسه. وهو ما جعل الحزب معروفا لدى عدد من التونسيين.

كما تمت دعوة سفيان بن الصغير للمشاركة في برنامج على القناة التلفزيونية العمومية “وطنية 1” في 24 شباط/فبراير. وخلال هذه الحصة، أعاد بن الصغير تقديم أطروحات حزبه.

وتبع خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد في 21 شباط/فبراير الماضي موجة اعتقالات ضد المهاجرين خصوصا في ولاية (محافظة) أريانة. ونددت عدة منظمات حقوقية بتصريحات “عنصرية ومليئة بالكراهية” كما خرجت بالعاصمة التونسية مسيرة مساندة للمهاجرين في 25 شباط/فبراير.

تقرؤون أيضا على موقع مراقبون: تونس: حملة اعتقالات واعتداءات متكررة ضد مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء تعمّق كره الأجانب

وتحت هذا الضغوط، اضطر الرئيس التونسي إلى التراجع عن مواقفه. وفي 6 آذار/مارس الجاري، أعلن سلسلة إجراءات لتحسين وضع الأجانب من الطلاب الجامعيين بالخصوص.

ومنذ ذلك، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، غير الحزب القومي التونسي من نبرة خطابه. وأصبح يطالب الآن بإيقاف نشاط المنظمات غير الحكومية “التي تتلقى تمويلا من الخارج” خصوصا منها تلك التي تنشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى