آخر الأخبارأخبار محلية

لبنان في الفاتيكان أم الفاتيكان في لبنان؟

أن تتعاطى حاضرة الفاتيكان بالشأن اللبناني بالمباشر وليس بالواسطة ليس خبرًا جديدًا. ولكن جديده هذه المرّة، وهذا ما لمسه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال لقائه قداسة البابا فرنسيس، أن هذا التعاطي يغوص بالتفاصيل وكأن المولجين في الدوائر الفاتيكانية الرسمية الذين يتابعون بدّقة وعناية كل ما له علاقة بالأزمة اللبنانية يعيشون في لبنان وليس في روما. فهم وبتوجيهات مباشرة من البابا فرنسيس على تواصل دائم مع السفير البابوي الجديد في لبنان باولو بورجا لمعرفة ماذا يجري في بلاد الأرز، لكي يصار تتابعًا رصد الاتصالات الدولية والإقليمية، وذلك بهدف تصويب مسار هذه الاتصالات، بحيث تأتي لمصلحة لبنان وليس على حسابه، وبعيدًا عمّا يُسمّى بتصفيات أي حساب إقليمي في أي معادلة سياسية جديدة على ساحته. 

فتعاطي الفاتيكان مع الشأن اللبناني يختلف اختلافًا جذريًا إن أي تعاطٍ آخر. فالمصالح في هذا التعاطي غير واردة. ولم يكن اهتمام الكرسي الرسولي بلبنان، الذي يعتبره بلدًا غير كل البلدان، اهتمام مصلحة كما هي الحال مع الدول الأخرى، سواء أكانت شقيقة للبنان أو صديقة. فلا مصالح سياسية أو اقتصادية أو تجارية تقيّد أو تسيّر هذا الاهتمام. بل ما يربط الكرسي البطرسي بهذا البلد الصغير حجمًا، والكبير دورًا، هو ما يربط علاقة الوالدين بأولادهم. وهذا ما لا يمكن أن يفهمه جميع الذين يريدون أن يفصّلوا مقاس الاهتمام البابوي على مقاسهم، سواء أكانوا من الداخل أو من الخارج. فالفاتيكان يتعاطى في الشأن اللبناني من منطلق انساني بحت، وهو يسعى في اتصالاته الدولية إلى الحفاظ على الدور الذي يلعبه لبنان بكل أبنائه. وهو يرى فيه مثالًا يُحتذى في التعايش السلمي والأخوي بين مختلف مكوناته الطائفية والمذهبية. 

فعندما وقع قداسة البابا فرنسيس مع شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب وثيقة “الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” في 4 شباط من العام 2019 في عاصمة دولة الامارات العربية كان يفكرّ بلبنان، وكيف “أن التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك”، وكيف “أن الحرية حق لكل إنسان: اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف في الدين تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر”، وكيف “أن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحق لكل إنسان أن يحيا في كنفها”، وكيف “أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءًا كبيرًا من البشر”، وكيف “أن مفهوم المواطنة يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق التي ينعم في ظلالها الجميع بالعدل لذا يجب العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا”. 

عن كل هذا كان كلام البابا فرنسيس مع الرئيس ميقاتي؛ عن دور لبنان؛ عن ضرورة مساعدة لبنان لكي يعود إلى لعب هذا الدور؛ عن أهمية دور رئيس الجمهورية كرمز لوحدة الوطن؛ عن حتمية تلاقي اللبنانيين على انقاذ وطنهم، والا ينتظروا طويلًا أي مساعدة من الخارج قبل أن يساعدوا أنفسهم بأنفسهم. 
اتفاق الطائف وضرورة تطبيقه، روحًا ونصًّا، كان حاضرًا، وبقوة، في الحديث الثنائي بين البابا وميقاتي. كان حديثًا وجدانيًا، عميقًا. هو حديث المتلهفين لانتزاع لبنان وأبنائه من براثن الشرّ، وضرورة إخراجه، وبسرعة، من الهوة التي هو فيها.  

وقد جدد البابا “ايمانه الراسخ بالرسالة التي يؤديها لبنان من خلال التعددية الثقافية والدينية التي تميزه وتجعله فريدا في المنطقة.” وشدد على “ضرورة التكاتف بين المسؤولين اللبنانيين للخروج من الازمات التي يواجهها لبنان وانتخاب رئيس جديد للبلاد”. 
أما الرئيس ميقاتي فأكد” أن رسالة لبنان على مر تاريخه، تنتشر اليوم في كل ارجاء العالم العربي، والتحدي الاساسي الماثل أمامنا هو المحافظة على هذه الرسالة وترسيخها وتعزيز قيم السلام والاخوة”. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى