آخر الأخبارأخبار دولية

“يبصقون علينا ويشتموننا”… ماذا يحدث وراء أبواب مركز الوردية المخصص للمهاجرين بالعاصمة التونسية؟

نشرت في: 13/03/2023 – 17:49

في مركز رسمي مخصص لتوفير “الاستقبال والتوجيه للمهاجرين”، يتكدس في الحقيقة نحو خمسين مهاجرا بين لاجئين وطالبي لجوء ينحدر معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء بدون معرفة أي شيء عن المصير الذين ينتظرهم. ويخضع هذا المركز الذي يقع بمنطقة الوردية بجنوب العاصمة تونس لإدارة “الحرس الوطني” الذي يرفض دخول منظمات غير حكومية ومحامين يعملون في مجال الهجرة إليه. وتمكن فريق تحرير مراقبون من التواصل مع مهاجر محتجز في المركز منذ الصيف الماضي.

وصل ليوبول (اسم مستعار) إلى تونس منذ بضعة أعوام لمواصلة دراسته الجامعية. وبعد حصوله على الدبلوم الجامعي، قرر البقاء للعمل في البلاد وأسس عائلة هناك. وفي سنة 2021، وبما أنه انخرط في الحياة المهنية بالبلاد، طلب تمديد بطاقة إقامته حتى يتمكن من الإقامة بشكل قانوني مع زوجته وابنه.

 

ولكن، وقبل أن يتم الإجراءات القانونية، تم توقيفه مع عدد كبير من أفارقة جنوب الصحراء خلال عملية مداهمة من الشرطة لمقر جمعية الإيفواريين بصفاقس (أيفاس AIVAS).

 

“يوجد فرق بين ما يقرره القضاء وممارسات شرطة الحدود”

وبعد أن تمت محاكمته في محكمة أريانة، قرر القضاء إطلاق سراحه في 22 تموز/ يوليو 2022 ولكن تم نقله مباشرة إلى مركز مخصص للمهاجرين في منطقة الوردية المحاذية للعاصمة تونس، بدون أن يتم تقديم أي مساعدة قضائية أو إدارية له.

فيما يخصني، أعلن القضاء إطلاق سراحي في الصيف الماضي، ولكن يوجد فرق بين ما تقرره العدالة وما تقوم به شرطة الحدود. 

الطريقة التي يستقبلنا بها أعوان هذا المركز تنبئ بكثير من الأمور التي تحدث داخلها، حيث يكون العاملون هناك مستعدين لإساءة معاملتنا. حيث يبصقون علينا ويوجهون لنا الشتائم، وينادوننا بكلمة “كحلوس” [فريق التحرير:”أسود البشرة” باللهجة المغاربية] و”غيرغيرا” [فريق التحرير: كلمة تستعمل لتقليد صوت القردة]. يقول لنا أعوان الحرس الوطني: “تونس هي بلدنا، وستتم معاملتكم بالطريقة التي نريد”.


مقطع فيديو تم التقاطه في 27 شباط/ فبراير 2023 من داخل عربة للشرطة كانت بصدد نقل مجموعة من المهاجرين تم إيقافهم في 13 شباط/ فبراير من سجن المرناقية إلى مركز استقبال المهاجرين في الوردية” ويقول صاحب الفيديو “لا نعرف إلى أين سيتم نقلنا”.

معظم المعتقلين لا يريدون العودة إلى بلدانهم الأصلية، ولكنهم هنا محرومون من حريتهم أيضا”. جئت لإتمام دراستي في تونس وبعد ذلك بدأت بالعمل في البلاد. ابني وابنتي موجودان في تونس، ولا أملك الرغبة في العودة إلى بلادي.

منذ منتصف شباط/ فبراير الماضي، بدأت موجة عنف واعتقالات ضد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء وذلك على إثر التصريحات التي أطلقها الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي دعا إلى طرد “جحافل المهاجرين غير النظاميين” الموجودين في البلاد.

بإمكانكم مشاهدة هذا الفيديو عبر مراقبون: تونس: في صفاقس، موجة عنف وعداء للأجانب ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.

“تم نقل عدد كبير من المهاجرين إلى سجن المرناقية. وذلك لتوفر أماكن أكبر هناك”

قبل بداية حملة اعتقالات المهاجرين في منتصف شباط/ فبراير، كان عددنا أكبر بكثير مما هو عليه الآن. ولكن منذ ذلك الحين، نلاحظ أنه يتم نقل الأشخاص إلى مركز الوردية بعد أن قرر قاض إطلاق سراحهم – على غرار حالتي- أو يتم نقل مهاجرين إلى نفس المركز بعد أن قضوا فترة تتراوح بين شهر و8 أشهر في السجن. يصل عددنا في المركز إلى خمسين شخصا في القسم المخصص للرجال وأربع محتجزات في القسم المخصص للنساء.

في هذه الحجرة، يصل عددنا إلى 15 شخصا” يقول مراقبنا. ونرى من خلال الصور أسرة حديدية إضافة إلى أفرشة موضوعة على الأرض. في حجرة أخرى (على اليمين)، ينام عشرة أشخاص على الأرض. صورة ملتقطة من الشاشة من مقاطع فيديو أرسلها مراقبنا في 9 آذار/ مارس 2023. © مراقبون/ فرانس24

تم نقل عدد كبير من المحتجزين إلى سجن المرناقية، وذلك لأن ذلك السجن يحتوى على أسرة أكثر. لقد بقينا محتجزين ستة أيام بدون فراش، اضطررنا إلى التناوب حتى نتمكن من النوم.

في غرفة النوم، عددنا كبير جدا. ويوجد مرضى مصابون بفيروس كورونا تم جلبهم بدون إجراء اختبارات. الوضع فوضوي: يوجد كثير من المرضى الذين مرروا العدوى إلى باقي المعتقلين.


مجموعة مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يدعون المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة في هذا المقطع بتاريخ 26 شباط/ فبراير 2023.

في سنة 2021، كان هناك فريق مهتم بالنظافة، ولكن منذ شباط/ فبراير الماضي، نحن من يتكفل بالمهمة. في بداية الأسبوع، يقدمون لنا علبة صابون سائل ومواد تنظيف المراحيض. وباقي أيام الأسبوع يقولون “تصرفوا بأنفسكم”. وإذا لم نقم بتنظيف المكان فسنعيش وسط الأوساخ.

يظهر هذا المقطع المصور مرافق الصحة المخصصة للرجال بمركز المهاجرين في الوردية. صور ملتقطة من الشاشة من مقطع فيديو أرسله لنا مراقبنا في 9 آذار/ مارس 2023.

يظهر هذا المقطع المصور مرافق الصحة المخصصة للرجال بمركز المهاجرين في الوردية. صور ملتقطة من الشاشة من مقطع فيديو أرسله لنا مراقبنا في 9 آذار/ مارس 2023. © مراقبون/ فرانس24

“ما يحدث داخل هذا المركز لا يتسرب خارج أسواره إلا فيما ندر”

منذ أن وصلت إلى هذا المركز، طالبنا في عديد المرات بأن تتم تسوية وضعيتنا القانونية. وفي الفترة الأخيرة، وبالتحديد في 27 شباط/ فبراير الماضي، قمنا بالاحتجاج ووجهنا طلبا إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بالتحرك بشأن حقوقنا. قام رجال الشرطة بضربنا بوحشية: أصيب بعضنا بجروح وخلع في الكتف… ورغم أن المركز تحت إشراف إدارة الحرس الوطني (الدرك)، جاء أعوان شرطة الحدود لنقل المهاجرين من الوردية، وقاموا بتقيدهم وتجريدهم من ثيابهم وضربهم. ولكن ما يحدث داخل هذا المركز لا يتسرب إلى خارجه إلا فيما ندر.

@monsieurleministre25 ♬ son original – monsieurleministre

هذا المعتقل، الذي تم نقله من سجن المرناقية إلى المركز المخصص للمهاجرين في الوردية، تظاهر في صباح يوم 27 شباط/ فبراير 2023 مع معتقلين آخرين للمطالبة بإطلاق سراحهم. “تم تكليف الشرطة منذ هذا الصباح لمنعنا (من التظاهر). قالوا لنا إننا لسنا في السجن، ولكنهم يكذبون علينا” يقول المهاجر في الفيديو.

“رسميا، هو مركز إيواء ولكن في حقيقة الأمور، هو مركز احتجاز”

عدد المحتجزين في “مركز استقبال وتوجيه المهاجرين” حسب التسمية الرسمية متقلب، حسب تأكيد رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وذلك لأنه يوجد عدد من المراكز المخصصة للمهاجرين الخاضعة لإدارة كل مندوبية جهوية، ومركز الوردية هو الوحيد الذي يتبع لوزارة الداخلية ما يعني أنه هناك، يتم احتجاز المهاجرين البالغين ضد رغبتهم.

يقوم جهاز الحرس الوطني وبالتالي وزارة الداخلية، بنقل المهاجرين إلى هذا المركز من سجون أو من مراكز احتجاز أخرى قبل أن يتم ترحيلهم أو إطلاق سراحهم. وحسب آخر الأرقام التي قدمتها المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، إحدى المنظمات النادرة التي سُمح لها بدخول المركز- يوجد 51 مهاجرا معتقلين في الوردية.

بين سنتي 2011 و2013، تم فتح المركز للمنظمات الإنسانية ولكن منذ سنة 2023، يتم السماح فقط للمنظمات التي حصلت على موافقة وزارة الداخلية بالدخول إليه.

 في الأخير، ومنذ 25 تموز/ يوليو 2021 [فريق التحرير: تاريخ اتخاذ الرئيس قيس سعيّد لـ”التدابير الاستثنائية” التي جمد بموجبها عمل البرلمان] يخصص هذا المركز حصرا لاعتقال المهاجرين، ويعمل بطاقة استيعابه القصوى.


في هذا المقطع المصور الذي تم التقاطه في 27 شباط/ فبراير 2023، نرى الإصابات التي تعرض لها معتقل من ساحل العاج على يد أعوان شرطة الحدود. حيث يقول الرجل الذي يعرض جروحه متأثرا “قاموا بتجريدنا من ملابسنا لكي يبدأوا بضربنا، قام الرجال بضربنا كالكلاب”.

وتبقى الصفة القانونية لمركز الوردية المخصص للمهاجرين غير واضحة: حيث يتم تقديمه رسميا على أنه مركز إيواء وتوجيه ولكنه حسب واقع الأمور، مجرد مركز احتجاز.

“يبدو الأمر وكأنهم في سجن بدون أي أمل في الخروج منه أو الحصول على حكم”

توجد نقطة أخرى مبهمة متعلقة بهذا المركز، وهو أن عملية الاحتجاز أو إطلاق السراح تبقى بيد الإدارة في الوردية وليس بحكم قضائي. وهو ما يعني أن المحتجز داخله لا يمكن له التقدم بطعن أو التمتع بمساعدة قضائية مثل الحصول على محامي. بل على العكس، يتم اتخاذ قرار الاحتجاز من قبل موظف بدون أي ضمانات للمعني بالأمر بالحصول على دفاع أو القدرة على الطعن في القرار.

ومع الأسف، تتم عملية الاحتجاز بطريقة عشوائية ولا يعطى المهاجرون أية معلومة بشأن تاريخ إطلاق سراحهم، كما لو أن الأمر يتعلق بسجن بدون أمل في الخروج منه أو الحصول على محاكمة.


في مقطع الفيديو هذا الذي التقط داخل مركز الوردية للمهاجرين خلال شهر آذار/ مارس 2020، نرى مهاجرين متكدسين تعرضوا لسوء المعاملة قبل أن يتم ترحيلهم إلى الحدود مع الجزائر.

نلاحظ أن احتجاجات المعتقلين دائما ما تواجه بالعنف، ولكن هذا الأمر ليس بالجديد. أعوان الشرطة هؤلاء تم جلبهم إلى مركز الوردية في إطار عقاب، هم ليسوا معتادين على التعامل مع مجموعات المهاجرين ويلجأون إلى العنف كرد على أي من مطالبهم.

وصرحت المحكمة الإدارية في العاصمة التونسية خلال سنة 2020 أن دوافع الاحتجاز داخل هذا المركز غير قانونية ورغم أن وزارة الداخلية وعدت بإدخال إصلاحات على التشريع المتعلق به في زمن رئيس الحكومة السابق هشام مشيشي، فإن شيئا لم يتغير منذ تلك الفترة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى