آخر الأخبارأخبار دولية

معركة باخموت الأوكرانية… رهان رمزي أم استراتيجي حاسم في الحرب الدامية؟


نشرت في: 09/03/2023 – 17:52

يحتدم القتال منذ عدة أشهر بين الجيش الأوكراني ومرتزقة مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية للسيطرة على مدينة باخموت شرقي البلاد. ووفقا لتحليلات حلف شمال الأطلسي، يبدو أن هذه المدينة باتت على وشك الوقوع في أيدي القوات الروسية. فما هي رهانات وعواقب هذه المعركة الدموية؟

قال الأربعاء يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، إن “وحدات فاغنر قد استولت على الجزء الشرقي بأكمله من مدينة باخموت وإن كل ما هو شرق نهر باخموتكا (الذي يمر بالمدينة) بات مركزًا للقتال في إقليم دونباس“.

وعلى الرغم من دفاع الأوكرانيين الشرس عن هذه المدينة، الواقعة شرقي أوكرانيا، منذ بداية المعركة في أغسطس/آب الماضي، فإنها باتت مهددة بالتطويق الشامل والحصار بعد “انسحاب تكتيكي” للقوات الأوكرانية. فيما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ يوم الأربعاء 8 مارس/آذار إنه “لا يستبعد أن تسقط باخموت أخيرا في الأيام المقبلة”. ولكن ذلك لا يعكس بالضرورة “تحولًا حقيقيًا في مسار الحرب”. وتابع بقوله “إن هذا يؤكد أنه لا يجب علينا أن نقلل من شأن روسيا، بل ينبغي مواصلة دعم أوكرانيا”. وبحسب موسكو، فإن الاستيلاء على باخموت سيسمح بإطلاق “عمليات هجومية جديدة في العمق الأوكراني”.

في الأسابيع الأخيرة، وجد الجيش الأوكراني نفسه في موقف لا يحسد عليه بعد المكاسب التي حققتها القوات الروسية حول باخموت. فقد سقطت سوليدار في يناير/كانون الثاني الماضي، تلتها كراسنا غورا في فبراير/شباط، وأخيرا إياغويدن، الواقعة على أبواب باخموت، في بداية مارس/أذار.

“باخموت، فردان أوكرانيا”

منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تعد معركة باخموت المعركة الأطول والأكثر دموية وذلك في ضوء الخسائر الفادحة التي تكبدها الجانبان في هذه المدينة التي دمرت أجزاء كبيرة منها. وهذه المكاسب المحققة الآن تأتي على حساب الخسائر البشرية الكبيرة كما يقول يفغيني بريغوجين، تكبدت معظمها مجموعة فاغنر التي تحارب على خط المواجهة وتقوم بتنفيذ هذا الهجوم. وفي منتصف شهر فبراير/شباط، أعلن بريغوجين بوضوح أن “باخموت لن تسقط غدا، لأن هناك مقاومة قوية والقصف المتبادل مستمر”.

وفي بداية شهر مارس/أذار، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موسكو بإرسال رجالها إلى حتفهم. وقال: “روسيا لا تحسب عدد رجالها على الإطلاق، وترسلهم باستمرار للاعتداء على مواقعنا”. 

بعض الخبراء لا يترددون البتة في مقارنة هذه المعركة الشرسة بمعركة فردان التي قتل فيها معظم أفراد القوات الفرنسية والألمانية بين فبراير/شباط وديسمبر/كانون الأول عام 1916 في شرق فرنسا، وكانت معارك الخنادق بها هي الأكثر دموية في الحرب العالمية الأولى.

“نحن نتحدث عن معركة فردان خاصة لأن الروس، ولا سيما مشاة فاغنر المدربين تدريبا سيئا، موجودون هناك من أجل نزف طاقات الجيش الأوكراني. وردًا على ذلك فإن الأوكرانيين يفعلون الشيء نفسه”، وفقا للجنرال دومينيك ترانكون، الرئيس السابق للبعثة العسكرية الفرنسية لدى الأمم المتحدة.

فالأمر يتعلق، كما يقول سكوت لوكاس أستاذ السياسة الدولية بجامعة دبلن، “بمعركة دموية. ونظرا لعدم وجود فرق مدججة بآليات حربية، فإن فاغنر ترسل موجات بشرية تلو الأخرى لمحاولة كسر المقاومة الأوكرانية، وهو ما يلحق الكثير من الخسائر بالجانبين”.

فيما نقلت قناة “سي إن إن” الأمريكية هذا الأسبوع عن مسؤول عسكري في حلف شمال الأطلسي قوله إن القوات الروسية قد فقدت خمسة جنود على الأقل مقابل كل جندي أوكراني يُقتل دفاعا عن باخموت. وأشار إلى أن هذا التقدير يستند إلى مؤشرات مختلف أجهزة الاستخبارات في بلدان التحالف.

رهان رمزي؟

بالنسبة للخبراء، فإن مخاطر هذه المعركة رمزية بشكل أساسي فهذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 70.000 نسمة ليست ذات قيمة استراتيجية عالية من وجهة نظر عسكرية. بينما تعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي زار المدينة في ديسمبر/كانون الأول 2022، بالدفاع عن هذه المدينة الحصينة “لأطول فترة ممكنة”.

يعتقد غيوم لاسكونغارياس، المؤرخ العسكري والأستاذ في جامعة السوربون بباريس، أن “هناك بعدًا رمزيًا لكلا الجانبين سواء من جانب الغزاة أو من جانب المدافعين. فالجانبان يقدمان تضحيات كبيرة على الرغم من الشك الدائر حول فائدة المدينة استراتيجيًا”. فوفقًا له: “هناك حاجة لدى الجانبين لتحقيق تأثير ذي مغزى”.

بالنسبة للأوكرانيين، على سبيل المثال، فهي مسألة “ضمان استمرارية دعم الرأيين العام المحلي والغربي من خلال إظهار أن الأسلحة الغربية هي ما يساعد على إحداث فرق في المعارك، مع إن ما يحدث الفرق حقًا هو شجاعة ومقاومة الجنود الأوكرانيين. وهذه هي الرسالة التي يود إيصالها فولوديمير زيلينسكي”.

وفي حين انتشرت شائعات عن انسحاب القوات الأوكرانية الأسبوع الماضي، أمر الرئيس زيلينسكي الجيش الأوكراني في 6 مارس/أذار بتعزيز دفاعه عن المدينة. وقدر معهد دراسة الحرب مؤخرا في مذكرة له بأن الدفاع عن باخموت لا يزال في الواقع أمرًا “معقولا استراتيجيًا”، لأنه “يستمر في استنفاد القوى والمعدات الروسية”.

“باخموت… حرب بريغوجين”

على الجانب الروسي، تبدو المسألة وكأنها ادعاء للنصر بأي ثمن، في حين أن المعركة سلطت الضوء على التوترات بين الجيش الروسي وزعيم ميليشيا فاغنر. فيفغيني بريغوجين اتهم مرارا وتكرارا موظفي وقادة الجيش الروسي الكبار بعدم تسليم ذخيرة كافية لرجاله. فهل هذه استراتيجية مدبرة من قبل الكرملين لإبعاد وإحباط خطط زعيم ميليشيا باتت تحتل حجما أكبر من حجمها الحقيقي، وفي الوقت ذاته محاولة لإلحاق خسائر كبيرة بالأوكرانيين؟

يفسر الجنرال دومينيك ترانكون بقوله “باخموت هي حرب بريغوجين، فهو يريد أن يثبت أن ميليشياته تقوم بعمل أفضل من الجيش الروسي الذي لم يسجل أي انتصار منذ الصيف الماضي”.

في حين يلاحظ سكوت لوكاس إنهم “ظاهريًا، سيحققون انتصارا، ولكن بعد خسارة الكثير من الموارد والرجال في مدينة ليست استراتيجية حقا في هذا الصراع. سيكون الاستيلاء على المدينة رمزيا بالنسبة لهم لأنهم لم يسجلوا انتصارا كبيرا منذ الاستيلاء على مقاطعة لوهانسك في يوليو/تموز الماضي. بل إنهم فقدوا الكثير من الأراضي بعد الهجمات المضادة الأوكرانية في الجنوب والشرق”.

ويشير لوكاس إلى أن الروس أرادوا إحراز نصرٍ بأي ثمن للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي، في 24 فبراير/شباط. “كان من المفترض أن يطلق على هذا النصر اسم باخموت، لكن هذا لم يحدث أبدا”.

عواقب سقوط باخموت؟

وفقا لفولوديمير زيلينسكي فإن سقوط باخموت سيترك “الطريق ممهدًا” للجيش الروسي في شرق أوكرانيا. فبعد باخموت، سيكون بوسع الروس “الذهاب إلى أبعد من ذلك. سيمكنهم الذهاب إلى كراماتورسك، وإلى سلوفيانسك، سيكون الطريق مفتوحًا أمامهم باتجاه مدن أخرى في أوكرانيا”، هكذا حذر في مقابلة مع قناة سي إن إن الأمريكية بثت يوم 8 مارس/آذار. وهو احتمال يبدو أن الأوكرانيين على أتم استعداد له.

فيما قال ميخايلو بودولياك، المستشار الأكثر قربًا من الرئيس الأوكراني، يوم الإثنين الماضي إن هناك “إجماعا بين قادة الجيش على ضرورة مواصلة الدفاع عن المدينة وإرهاق قوات العدو، مع بناء خطوط دفاع جديدة بالتوازي في حالة تغير الوضع على الأرض”. ويشير هذا الكلام إلى أن تثبيت القتال في هذه النقطة على الجبهة لم يمنع الجيش الأوكراني من نشر بيادقه في أماكن أخرى، إلى درجة إن ميخايلو بودولياك أشار إلى أن “الدفاع عن باخموت قد حقق أهدافه” من خلال استنفاد طاقة القوات الروسية وإعطاء الوقت الكافي للجيش الأوكراني من أجل تدريب “عشرات الآلاف من الجنود للتحضير لهجوم مضاد”. وهي طريقة لوضع منظور انسحاب تكتيكي محدود محتمل في الأيام المقبلة.

 

 

النص الفرنسي: مارك ضو | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى