عكار وزحلة ومواطنون في مواجهة السلاح
لا يمكن مقاربة الجريمة الإرهابية المكتملة العناصر تخطيطاً وتنفيذاً في منطقة الشمال والتي أودت بحياة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي كحدث أمني نجحت الأجهزة الأمنية في توقيف المتورطين به. إنّ محاولة وضع الجريمة في إطار الخلاف العائلي والأسباب الشخصية لدرء ردود الفعل وتجنب التشنج لا يمكن أن يُسقط العناصر الموضوعية التي أدّت الى وقوع الجريمة، فإنتماء الشيخ المغدور الى عائلة أخرى لم يكن ليحول دون وقوع الجريمة وبالأسلوب عيْنه، كما إنّ القول بأنّ كشف المتورطين وتوقيفهم قد حال دون وقوع فتنة مذهبية ليس في محله، فالخلاف لم يكن مذهبياً !!!
ألم تشكّل تجاوزات وممارسات رئيس البلدية منذ العام 2019 أسباباً كافية لتدخّل الأجهزة الإدارية والأمنية والقضائية المعنيّة بالرغم من ردود الفعل والإحتقان الموجود؟ ألم يكن التدخّل ليحصل لو لم يكن الجاني من أصحاب الحظوة المتمتعين بالتغطية السياسية والأمنية؟ أليس إقتناء هذا الكمّ من الأسلحة التي صودرت من منزل الجاني دليلاً كافياً على الأريحية والحماية التي يستشعرها بالرغم من جسامة التجاوزات التي دأب على ارتكابها؟
وبالتزامن مع إكتشاف جريمة الشمال المروعة وتوقيف الجناة توقف اللبنانيون أمام جريمة خطف المواطن ميشال مخول من منطقة كسارة والذي أعادته قوة من الجيش الى ذويه بعد ملاحقة الجناة في عمق منطقة البقاع، ودون ذكر أيّة معلومات عن هوياتهم الشخصية!! لم توفر جريمة الخطف مادة حقيقية للتهرّب من السبب الحقيقي لحدوثها فالطابع العائلي للجريمة غير متوفر ولا توجد دوافع سياسية بالطبع، ولا توفر جريمة الخطف أيّ مقدّمات لفتنة طائفية ليُعتد بها، فالشاب المخطوف من منطقة كسارة لا ينتمي الى مرجعية طائفية لديها ميليشيا مسلّحة كما تشير التدخلات الأهلية التي واكبت القضية.
القاسم المشترك بين الجريمتين هو السلاح المتفلت الذي لا تبرير لوجوده والإنتشار الميليشيوي تحت عناوين واهيّة لن تُفضي سوى إلى إثارة القلق وممارسة السرقة والقتل والهيمنة على حياة المواطنين، فما هو الدور الوطني للسلاح الذي تمتّ مصادرته من منزل رئيس بلدية القرقف أو للسلاح المستخدم في عملية الخطف البقاعية؟ لم يؤدِ السلاح المتفلت في القرقف سوى الى التسلط والقتل وهو لم ينجح في إكراه المواطنين على الرضوخ وإن بأثمان باهظة، والسلاح عيْنه لم يؤد في البقاع سوى الى التحفيز على الجريمة.
حادثتا الشمال والبقاع ليستا إختباراً لكفاءة القوى الأمنية على مكافحة الجريمة بل هي اختبار لقدرة اللبنانيين على السيطرة والتمسّك بالإستقرار أمام المزيد من التفلت والفوضى. لم يُستدرج المواطنون الى ردود فعل غير مدروسة ولكن عزوَ الجريمة الى الخلافات العائلية والشخصية في الشمال لم يقنعهم ولم تريحهم رواية الخاطفين المجهولي الهوية في البقاع. يدرك المواطنون في عكار وزحلة كما في كلّ لبنان أنّ السلاح المتفلّت هو السبب الرئيس لحالة الإنهيار الوطني المتفاقمة وللدعوات المتزايدة لتطبيق الفدرالية. لكن السلاح المتفلت لن يقوى على التحوّل الى غلبة سياسية، وفي المشهد السياسي الأوسع لن يقوى على فرض معادلة سياسية على مقاس حامليه.
يزداد اليقين لدى اللبنانيين مع كل إشراقة شمس باستحالة توصل السياسين الى مخارج للأزمات اللبنانية المتلازمة والمتوالدة في كل مفاصل المرفق العام. انضمت الازمة القضائية الى سابقاتها في الرئاسة الاولى والاقتصاد بعد الفشل في تأمين الحد الادنى من الاصلاحات في مرافق الامن الاجتماعي. تعبّر المقاربات التي يطلقها السياسيون الممسكون بالملف الرئاسي وآخرها المؤتمر الصحفي للوزير السابق جبران باسيل عن نرجسية عميقة لا تتيح امكانية للخروج من الازمة بمعزل عن أشخاصهم أوعبر رؤاهم التي لا تقبل النقاش، ولا يختلف في هذا المقام حزب الله عن حليفه الذي يضفي على خياراته الرئاسية كما التحريرية قبلها فرادة وتألقاً لا يدركه أحد سواه.
يصبو اللبنانيون جميعاً ومعهم القادة النرجسيون الى لقاء باريس المرتقب التي سيعقد في السادس من شهر فبراير القادم بمشاركة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، ونائب وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالعزيز الخليفي ــ وبانتظار تأكيد المشاركة المصرية ــ في محاولة للوصول الى ورقة سياسية واضحة تتضمن برنامج عمل للخروج من الأزمة السياسية وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة منسجمة وإنجاز الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة.
يستند السقف السياسي لاجتماع باريس الى مرتكزات ثلاث، البيان الصادر عن اجتماع ولي العهد الامير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الأخير إلى الرياض، والمبادرة الكويتية التي حازت توافق جميع دول الخليج حول الرؤية لحل الأزمة اللبنانية واستعادة العلاقات مع الدول العربية ودول الخليج العربي وآخرها البيان الثلاثي الذي صدر عن ممثلي الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا في نيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا يعني ان لقاء باريس سيبحث في خارطة طريق تلتزم اتفاق الطائف، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرين على استعادة الثقة الدولية بلبنان من خلال الالتزام بالقرارات الدولية ووقف استخدام لبنان كمنطلق أو ساحة لاستهداف الدول العربية كشروط ملزمة للمباشرة في أي دعم مادي للبنان عربي أو من قبل صندوق النقد الدولي بما يجعل إمكانية حصول خرق بالطرق الكلاسيكية المعتمدة محدودة جداً.
وبالتوازي مع غياب ايران او من يحمل طموحاتها عن اللقاء الباريسي تعيش الجمهورية الاسلامية وأذرعها ظروفاً غير مسبوقة أقل ما بقال فيها أنها تعبر عن سخط دولي حيال سلوكها ورغبة واضحة في تقليم طموحتها. فما الذي تبدل بعد عهود من التسامح الدولي حيال كل ما ارتكبته طهران من انتهاكات لسيادة الدول وتهديدها لاستقرار المنطقة وأمن الملاحة البحرية؟ وهل تجاوزت طهران الخطوط الحمراء؟
لا بد من التوقف عند التزامن بين الضربات الموجعة التي تتعرض لها الميليشيات الايرانية في الشمال الشرقي لسوريا وتحديداً في منطقة البوكمال والهجمات بالطائرات المسيرة التي ينفذها الموساد الاسرائيلي على البنية التحتية الايرانية لتطوير الصواريخ وتطوير المسيرات وتأكيد مصادر أميركية بكل أن هذه الهجمات تنفذها اسرائيل.
العميد الركن خالد حماده – اللواء
مصدر الخبر
للمزيد Facebook