آخر الأخبارأخبار دولية

معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا: سوريون يعودون إلى بلادهم أمواتا

بعدما فرّ إلى تركيا في العام 2012 هربا من القصف العنيف على قريته في ريف اللاذقية، عاد إيهاب وزوجته وابنته الصغيرة أخيرا إلى سوريا، إلا أن عودتهم كانت في سيارة لدفن الموتى، بعدما قضوا جميعا في الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا في 6 شباط/فبراير الماضي. في وضع مماثل لهذه العائلة، قرر مئات السوريين في تركيا نقل جثامين أحبائهم إلى سوريا لإتمام إجراءات الدفن هناك.

دانا البوز، موفدة خاصة إلى الحدود التركية السورية

عند معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، تصل كل 10 دقائق شاحنة أو سيارة محمّلة بجثث سوريين قضوا في جنوب تركيا جراء الزلزال المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 46 ألف شخص في تركيا وسوريا، ودمّر 520 ألف وحدة سكنية بحسب الأرقام الرسمية التركية.

يوم الثلاثاء 14 شباط/فبراير وبعد مرور أسبوع على الزلزال، تودع الجدة الستينية جثمان حفيدتها الصغيرة ديما التي بالكاد أتمت 18 شهرا من العمر. وفيما يُنزل أحد الشباب الكيس المغلق، يضطر رجل إلى جانبه إلى طيّه أكثر من مرة إذ لا يحتل جسد الطفلة سوى جزءا صغيرا منه، ويتعالى نحيب الجدة الستينية، التي لم تعد قادرة على تمالك نفسها وهي تودع صغيرتها، ليطغى على أرجاء المكان الكئيب “دعوني آخذ مكانها، فلتعش هي بدلا عني”.

للمزيد>>> تركيا: “عدنا إلى نقطة الصفر”.. نزوح جديد لعائلات سورية تشردت جراء الزلزال

يضع أحد العاملين في بلدية الريحانية، التي تتكفل بإدارة نقل الجثامين عبر معبر باب الهوى، الكيس البلاستيكي في خلفية شاحنة بيضاء، إلى جانب ست جثث أخرى. يتحقق موظف البلدية من الوثائق المطلوبة لنقل الوفيات، يصعد إلى مركبته ويعبر إلى الجانب السوري، حيث ينتظر على الطرف الآخر أقارب المتوفين.

تبقى الجدة السورية على الطرف التركي وهي تراقب جسد حفيدتها للمرة الأخيرة وهو يتوارى عن الأنظار. تقف متجمدة في مكانها، بعدما جفّت الدموع من عينيها واختنق صوتها المكتوم بالحزن.

على الجانب السوري، كان ينتظر أقارب العائلة المتحدرة من قرية أوبين في ريف اللاذقية، الشاحنة المحملة بالجثة، لإتمام مراسم الدفن في قريتهم. فالطفلة الصغيرة ستُدفن إلى جانب والدتها ووالدها إيهاب اللذين عثرت عليهما فرق الإنقاذ قبل يوم واحد.

هذه العائلة السورية كانت لجأت إلى تركيا منذ أكثر من 10 أعوام، واستقرت في مدينة أنطاكيا التي لا تبعد سوى 100 كيلومتر عن محافظة اللاذقية السورية التي تعرض ريفها إلى قصف عنيف في العام 2012 من قبل النظام السوري.

فرقة البحث قررت التوقف عن البحث. ذلك أثار جنوني، فالطفلة ديما لا تزال مفقودة

في ولاية هاتاي التي عاصمتها أنطاكيا، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين أكثر من 430 ألف، كانوا يعيشون أساسا ظروفا اقتصادية صعبة وحياة غير مستقرة، لا سيما بعد الحملة التي أطلقتها الحكومة التركية منذ عامين الرامية إلى ترحيل مليون سوري إلى مناطق شمال غرب سوريا الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وبالتزامن مع مواقف عنصرية كان على السوريين تحمّلها في حياتهم اليومية.

السوريون الذين نجوا من ليلة رعب الزلزال المدمّر، وجدوا أنفسهم مشردين غير قادرين على إيجاد حتى خيمة تأويهم من برد الشتاء، وتحدثوا أيضا عن تعرضهم لبعض من التمييز من جانب السلطات التركية.

للمزيد>>> “سنعود إلى إدلب، على الأقل سنُدفن في بلدنا”

في حي جمهوريات وسط مدينة أنطاكيا، كانت تقطن عائلة ديما الصغيرة، ويقول أحد أقارب الطفلة الذي كان يرافق الجدة إلى معبر باب الهوى “لم تأت فرق الإنقاذ التركية إلى شارعنا إلا بعد مرور أربعة أيام. كان علينا البحث بأنفسنا عن أقاربنا. وبعد أن أتوا بالفعل، وجدت الفرق الأب أولا وبعد بضعة ساعات عثروا على الوالدة، كان كليهما فاقد الحياة”.

جانب من الدمار بعد الزلزال في مدينة أنطاكيا التركية. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

يتوقف الرجل السوري لبرهة، ثم يكمل قائلا “قالت لنا فرقة البحث إنها قررت التوقف عن البحث في هذه المنطقة. ذلك أثار جنوني، فكانت الطفلة ديما لا تزال مفقودة”. أصر قريب العائلة على البحث عن الطفلة بنفسه وبدأ يتجول بين الأنقاض وركام البناء المتهدم الذي قامت بتجميعه آليات حفر فرق الإنقاذ، “وجدتُ مصحفا بين الركام، اقتربت لألتقطه، فوجدت بجانبه مصحفا قديما كبير الحجم. اقتربت أكثر وفور أن رفعته رأيت وجه ديما.. كانت الرافعات انتشلتها ووضعتها بين الركام دون أن تنتبه. آثار ضربة آليات الحفر كانت ظاهرة على وجهها الصغير”.

واجهت فرق الإنقاذ التركية وهيئة إدارة الكوارث “أفاد” الكثير من الانتقادات المتعلقة بعمليات البحث عن المفقودين، ما دفع السلطات التركية إلى فرض حظر على ثلاث وسائل إعلام تركية تناولت هذا الموضوع.

نقل أكثر من 1,500 جثمان عبر معبر باب الهوى

المسؤول عن المكتب الطبي في معبر باب الهوى، قال لمهاجرنيوز إنه خلال الأسبوع الأول من وقوع الزلزال، نُقل عبر هذا المعبر الحدودي وحده 1,500 متوفى بالتنسيق مع بلدية الريحانية التي تصدر الوثائق اللازمة بعد الكشف عن جثث المتوفين في مستشفى المدينة والحصول على تقرير الطبيب الشرعي. وبعد ذلك، من المفترض أن تتولى مركبات الجنازات التركية الرسمية نقل الجثامين، لكن مع الأعداد الكبيرة من الوفيات في الأزمة الأكبر التي شهدتها تركيا منذ العام 1999، كان على بعض السوريين تدبر أمر النقل بأنفسهم.

الرجل الخمسيني محمد، يعيش في مدينة أنطاكيا منذ 11 عاما، يتحدر من جسر الشغور، قرر مساعدة معارفه من السوريين على نقل أحبائهم المتوفين من الريحانية إلى معبر الهوى. وخلال الأيام الخمسة الماضية، استخدم سيارته الشخصية الصغيرة لمساعدة سبعة عائلات، “يستغرق الطريق حوالي ساعة تقريبا. ولا توجد مركبات دفن كافية، لذلك أردت مساعدة الأهالي السوريين، هذا كل ما يمكنني فعله”.

لم يعد لدينا أحد في سوريا

عائلات أخرى قررت دفن أقربائها في تركيا، وفي ظروف مماثلة لبعض الضحايا الأتراك دفن الأهالي أقاربهم في مقابر جماعية، غالبا ما تكون على امتداد مقابر رسمية قديمة.

دفن أحد ضحايا الزلزال في مقبرة إصلاحية التابعة لغازي عنتاب جنوب تركيا. الصورة: دانا البوز/مهاجرنيوز
دفن أحد ضحايا الزلزال في مقبرة إصلاحية التابعة لغازي عنتاب جنوب تركيا. الصورة: دانا البوز/مهاجرنيوز

تجلس المرأة الأربعينية عزت على كرسي بلاستيكي صغير إلى طرف خيمتها القماشية على أطراف مدينة نورداغ التابعة لغازي عنتاب، تبدو نظراتها فارغة تنتقل من زاوية إلى أخرى، ثم تثبّت نظرها على بناء مقابل خيمتها ملأت واجهته التصدعات، “بيتي في الطابق الأرضي، كنا اشتريناه منذ شهرين فقط، وضعنا فيه مدخرات عملنا كله. لكن ذلك لا يهم، فاليوم أنا لم أعد أرغب العيش في بيت، فكرة وجود سقف فوق رأسي باتت ترعبني بعدما تهدم بيتنا فوق رأسنا في حلب وعشنا رعب الزلزال الأسبوع الماضي”.

لكن فقدان المنزل وحقيقة أنها باتت مشردة مع زوجها وأولادهم الستة ليس سوى “مصيبة صغيرة تُضاف إلى كارثة أكبر”، بحسب تعبيرها، بعدما فقدت زوجة أخيها وبناتها الثلاث، جراء تهدم بناءهم.

“لم يعد لدينا أحد في سوريا على كل حال، لذلك قررنا دفنهم هنا في تركيا، ساعدنا أحد الجيران على السير بالإجراءات الإدارية ونقلهم إلى المستشفى ومن ثم أتمت السلطات إجراءات دفنهم في هذه المقبرة القريبة. لم أقو على الذهاب. بقيت هنا مع طفلي الصغير”.

مقبرة في مدينة نورداغ التابعة لولاية غازي عنتاب على بعد أمتار قليلة من مخيم للمتضررين من الزلزال. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز
مقبرة في مدينة نورداغ التابعة لولاية غازي عنتاب على بعد أمتار قليلة من مخيم للمتضررين من الزلزال. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

وعلى أطراف مدينة إصلاحية التابعة لغازي عنتاب، قالت المرأة السورية أديبة بكلمات قليلة “فقدت ثمانية أشخاص من عائلتي.. دُفنوا جميعا هنا. فنحن السوريون أينما نذهب نجد أنفسنا بمواجهة الموت”.

في مقبرة إصلاحية، دُفن ما لا يقل عن 1600 ضحية من الأتراك والسوريين خلال الأسبوع الأول من الزلزال، حسبما أكد المفتي والمنسق الإقليمي للشؤون الدينية يوسف إيفيش خلال حديثه مع مهاجرنيوز في مكتبه المقام عند مدخل مقبرة المدينة، وشدد على أن “كل جثة مهما كانت جنسيتها ترسل إلى المستشفى لاستخراج شهادة وفاة، ومن ثم نضمن تغسيل الموتى والصلاة والدفن”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى