مرسوم السفن الإنسانية وقانون اللجوء.. ما الذي تغير منذ اعتلاء جورجيا ميلوني منصب رئاسة الوزراء؟
تمكنت الحكومة الإيطالية من تمرير مشروع مرسوم سفن الإنقاذ الإنسانية في المتوسط في الغرفة الأولى في مجلس النواب الإيطالي، وبهذا تكون قد مهدت الطريق أمامه ليتحول إلى نص قانوني. تأتي هذه الخطوة في وقت يثار الجدل فيه في البلاد بشأن خطط حكومة ميلوني اليمينية حيال الهجرة والمهاجرين وقانون اللجوء. منظمات غير حكومية اعتبرت أن خطوات مشابهة تعزز خطاب الكراهية في البلاد، لكنها أقرت بأنها ليست وليدة الحكومة الحالية، بل هي سياسات متبعة من قبل حكومات عدة متعاقبة، بينها حكومات يسارية.
على الرغم من اعتبار القضاء المرسوم “غير قانوني”، إلا أن الحكومة الإيطالية مضت به وطرحته للتصويت على البرلمان الأربعاء 15 شباط\فبراير.
في القراءة الأولى، وافق المجلس الأعلى (الشيوخ) على المرسوم، ما أعطى صورة قاتمة للمنظمات والأشخاص المناهضين لتلك السياسة. ويبقى أن يطرح للتصويت على الغرفة الأدنى (النواب) لتحصل الحكومة على الأغلبية المطلوبة لتحويل المرسوم إلى قانون.
قبالة البرلمان، تداعت منظمات إنسانية وحقوقية، إضافة إلى عدد من النواب الإيطاليين المحسوبين على أحزاب وتيارات يسارية، للقاء للتنديد بخطوة الحكومة، والتحذير من مخاطر مثل تلك القوانين والمراسيم.
ينص التشريع الذي صاغته حكومة رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني اليمينية المتشددة، على وجوب أن ترسل السفن الإنسانية نداء للحصول على ميناء وأن تبحر إليه “دون تأخير” بعد تنفيذ عملية الإنقاذ، بدلا من البقاء في البحر بحثًا عن قوارب مهاجرين أخرى في محنة.
كما سيتم تغريم قباطنة السفن المخالفين لتلك التعليمات مبلغا قدره 50 ألف يورو، فضلا عن احتجاز سفنهم.
“سنستمر، هذا واجبنا”
أثناء المؤتمر الصحفي للمنظمات والنواب، ألقيت كلمات عدة نددت بالمرسوم وبسياسة الحكومة، واعتبرت أن المرسوم “غير قانوني وإجرامي وتم وضعه لأغراض دعائية (بروباغندا)”. الجميع وافق على ضرورة التصدي لمثل تلك السياسات عبر القضاء، دون الإشارة إلى أي خطوات تصعيدية مختلفة.
بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، الحديث مختلف. لورين جورجيس، منسقة الاتصالات بمنظمة “أطباء بلا حدود”، المرسوم سيؤدي إلى “إعاقة أعمال الإنقاذ في المتوسط. الصيغة الحالية للمرسوم، والتي تشمل أيضا تحديد موانئ بعيدة للغاية عن منطقة البحث والإنقاذ، موجهة تحديدا ضد المنظمات والأعمال الإنسانية في المتوسط”.
خلال حديثها مع مهاجر نيوز، أكدت جورجيس على أن أعمال الإنقاذ في المتوسط يجب أن تستمر “مهما كان الثمن. سنكمل ما كنا نقوم به، هذا واجبنا”.
سيرينا كيودو، مديرة مشروع الهجرة في منظمة العفو الدولية في إيطاليا، قالت إن المرسوم “هجوم على المنظمات غير الحكومية وعلى الأشخاص، المهاجرين والعاملين في المنظمات”.
وأوردت “المنظمات الإنسانية متواجدة في المتوسط لأن الحكومات غائبة عن واجباتها هناك، يجب أن يتحمل أحد مسؤولية إنقاذ من هم بحاجة. أيضا، المرسوم هو هجوم على المتطوعين والعاملين في المنظمات، المصنفين كمدافعين عن حقوق الإنسان، وبالتالي فإن الحكومة الإيطالية بهذا المرسوم تهاجم أيضا شرعية حقوق الإنسان العالمية”.
“الحكومات الأوروبية مسؤولة عن هذه المأساة”
كيودو اعتبرت أن “هذا المرسوم\القانون يدعو المنظمات الإنسانية للتقيد بالقوانين، ولكنهم فعليا متقيدون بالقوانين الدولية وعلى رأسها واجب تقديم المساعدة لمن هم عرضة للغرق في البحر. كما أنه يخاطر بالتسبب في المزيد من الوفيات في البحر، وسيؤدي حتما إلى زيادة معاناة الناجين من حوادث الغرق، وإلى مزيد من تجريم العمل المشروع للمدافعين عن حقوق الإنسان”.
وقالت الناشطة الحقوقية إن “المتوسط هو أحد أخطر طرق الهجرة وأكثرها دموية. منذ مطلع العام وحتى الخامس من الشهر الجاري، قضى 77 شخصا هناك، دون أن نحتسب من غرقوا في الـ14 من شباط. الحكومات الأوروبية مسؤولة عن هذه المأساة”.
للمزيد>>> إيطاليا: القضاء يبت بموضوع السماح “للأكثر ضعفا” فقط بالنزول عن سفن الإنقاذ.. “غير قانوني”
يذكر أن عددا من الخبراء البارزين، بمن فيهم مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا دونيا مياتوفيتش، ومقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور، انتقدوا التشريع الجديد وممارسة “الموانئ البعيدة”، التي يمكن أن تتعارض مع التزامات إيطاليا بموجب القانون الدولي وتخاطر بحرمان الأشخاص المنكوبين في البحر من المساعدة الطارئة من المنظمات المعنية بالإنقاذ.
المرسوم التشريعي الذي أعدته الحكومة اليمينية فتح النقاش في البلاد على المتغيرات المتوقع وقوعها فيما يتعلق بنظام وسياسة الهجرة واللجوء.
منظمة “آرتشي” (ARCI) غير الحكومية، إحدى الهيئات الناشطة في إيطاليا بشكل كبير في مجال حقوق المهاجرين واللاجئين، اعتبرت في بيان منشور على موقعها الإلكتروني أن القرارات والمراسيم والقوانين المشابهة ستثبت بالتأكيد أنها غير فعالة. بناء الجدران وتعزيز الضوابط الحدودية لن يمنع الناس من المخاطرة بحياتهم بحثا عن الأمان في أوروبا. على العكس، تلك الإجراءات سترفع نسب المخاطر للباحثين عن الحماية، وستعرضهم أكثر للوقوع ضحايا شبكات الاتجار بالبشر…
سياسات عززت “كراهية الأجانب ومعاداة المهاجرين”
جيوفاني فانوري من “آرتشي” تحدث لمهاجر نيوز عن أثر السياسات الحكومية “المتعاقبة” على الوعي العام في إيطاليا، حيث أنها تركت “أثرا سلبيا” لدى الإيطاليين وساهمت بتشكيل آراء “معادية” للهجرة. “وهذا ليس وليد اليوم، بل يعود إلى نحو خمس سنوات، مع توقيع الحكومة الإيطالية في حينه (يسار) مذكرة التفاهم الشهيرة مع ليبيا”.
وأبدى العامل الإنساني الشاب “مخاوف جدية” من ارتفاع نسب معاداة الأجانب والعنصرية في البلاد بسبب تلك السياسات. “كما ذكرت سابقا، سياسات ما يسمى بمكافحة الهجرة متوارثة من الحكومات السابقة، المحسوبة على تيار اليسار. لا أعتقد أن الحكومة الحالية ستغير الوضع أو تجعل الأمور أسوأ بالنسبة للمهاجرين، هي سيئة أصلا”.
للمزيد>>> استغلال أصحاب العمل وغياب الحماية القانونية.. أبرز مشاكل العمال المهاجرين في إيطاليا
آليس باسيغليني، من منظمة “باوباب إكسبيرينس” لديها نفس الانطباع، “الحكومة تحاول استخدام موضوع الهجرة لحشد المزيد من التأييد الشعبي والتغطية على فشلها بإدارة الأمور الحياتية الأساسية للمواطنين. للأسف هذا التوجه يرفع من نسب معارضة الرأي العام الإيطالي لتواجد المهاجرين في البلاد، لكن مع ذلك هناك كثيرون يحاولون معارضة هذا التوجه”.
واعتبرت المتخصصة بعلم الأوبئة والمتطوعة في المنظمة أن “مع كل ما سبق، تبقى حكومة ميلوني عالقة بين وعودها الانتخابية الدعائية والتزام البلاد بالمواثيق والمعاهدات الحقوقية الموقعة عليها، لا أعتقد أنها ستتمكن من تغيير الكثير من الأشياء لكن علينا توقع الأسوأ”.
من جهة أخرى، لن يتغير شيء
حكيم عبد الجليل، مخرج وموسيقي إيطالي من أصول فلسطينية، وصل إلى إيطاليا قبل 40 عاما. بالنسبة له إيطاليا لا يمكن لها أن تتغير، “موجة كراهية الأجانب ومعاداة الهجرة ستمر. لن يتمكن اليمين من بناء مستقبله على هذا الموضوع. أعتقد أن استخدام المهاجرين من قبل السلطات هو للتغطية على فشلهم بإدارة أزمات أخرى في البلاد، والإيطاليون اليوم بدأوا باكتشاف هذا الشيء. لن تتمكن الحكومة من السير بخط يتعارض مع التزاماتها الأوروبية، وكل ما يطرح من قبل السياسيين في هذا الإطار لا يغدو كونه بروباغندا سياسية”.
مهاجر نيوز التقى بعدد من المهاجرين واللاجئين المقيمين في إيطاليا، معظمهم كان رأيه أن ما من متغيرات رئيسية طرأت منذ مجيء ميلوني للسلطة.
عبد الرب، مهاجر بنغالي خمسيني مقيم في إيطاليا منذ خمس سنوات. لا يملك عبد الرب أوراقا نظامية هنا، لكنه تمكن من شراء عقد عمل من مؤسسة (تحفظ عن ذكر اسمها)، يعمل من خلالها ويدفع الضرائب ويجني قوت يومه. بالنسبة له ما من مشاكل تذكر مع السلطات، “الشرطة هنا لطيفون للغاية، ما من مشاكل معهم. أعتقد أنه لو عشت في هذا البلد متقيدا بالنظام فما من شيء سيمسّك… بالنسبة لنا كمهاجرين إيطاليا استقبلتنا بشكل طيب ونجد معاملة إنسانية رائعة هنا”.
نفس الرأي يشاركه به مواطنه عمران أحمد (25 عاما) المتواجد في إيطاليا منذ عام. يعمل عمران في مجال توصيل الطلبات إلى المنازل، “تمكنت من العمل مع الشركة بواسطة هوية شخص آخر، صديق. كل ما أسعى إليه هو جمع الكمية الكافية من الأموال لأرسلها لعائلتي في بنغلادش”.
طلب عمران اللجوء وينتظر الرد على الطلب، “لست قلقا، الحياة هنا جيدة والسلطات تعاملنا بإنسانية. لو حصلت على اللجوء فسيكون ذلك رائعا، وحتى لو لم أحصل عليه، لا أعتقد أن الكثير من الأشياء ستتغير”.
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook