استغلال أصحاب العمل وغياب الحماية القانونية.. أبرز مشاكل العمال المهاجرين في إيطاليا
يشكو المهاجرون وطالبو اللجوء في إيطاليا من الكثير من المشاكل المتعلقة بالأوراق والإجراءات الإدارية، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على قدرتهم على التأقلم والتكيف وتسيير شؤونهم الحياتية اليومية. ولعل أول ما يتأثر به هؤلاء هو صعوبة الحصول على عمل يؤمن لهم حياة كريمة.
إجراءات الحصول على عمل في إيطاليا بالنسبة للمهاجرين، خاصة غير النظاميين، معقدة بعض الشيء. في بعض الأماكن يطلب منهم أوراق إقاماتهم القانونية، وبنفس الوقت من أجل الحصول على الإقامة أو تجديدها قد يطلب منهم عقد عمل ساري المفعول، ما يخضعهم لضغط نفسي ومادي ويمنعهم من السعي “للاندماج” في مجتمعهم الجديد.
ستيفانو دي آنجيليس، من نقابة “الاتحاد العام للعمل” (USB)، تحدث عن وجود أكثر من 600 ألف عامل مهاجر غير نظامي في إيطاليا، “جميعهم ضحايا لنظام إداري يجبرهم على العيش بدائرة من عدم الاستقرار”.
خلال حديثه مع مهاجر نيوز، اعتبر دي آنجيليس أن معظم العمال المهاجرين “ينقسمون على قطاعات الزراعة والبناء والخدمات. وأهم عقدة تواجه غير النظاميين منهم هي عدم تمكنهم من الحصول على عقد عمل، وهذه خطوة أساسية لهم للحصول على أوراق ولتحصيل حقوقهم القانونية”.
في هذا الإطار، قال العضو في النقابة العمالية إن “خطر الاستغلال قائم بشكل دائم بالنسبة لهؤلاء. فمع غياب عقد العمل تنخفض أجورهم بشكل كبير، كما يصبحون خارج نطاق الاستفادة من الخدمات التي تعتبر من حقهم، كالتأمين الصحي مثلا. للأسف الكثير من أصحاب العمل هنا يفضلون توظيف عمال مهاجرين غير نظاميين، فهذا يريح كاهلهم من أعباء المعاشات والضرائب…”.
“الطوارئ”
في هذا الإطار، يتوافق جهاد عثمان مع دي آنجيليس، كون أصحاب المزارع أو المصانع يسعون لخفض التكاليف بشكل دائم، ولو على حساب عمالهم.
عثمان يعمل كوسيط ثقافي مع منظمات عدة، وهو متواجد في إيطاليا منذ أكثر من 20 عاما. وفقا له “وقعت الكثير من الحوادث خلال السنوات القليلة الماضية أظهرت كيف يتم الإيقاع بهذه الفئة واستغلالها. السلطات الإيطالية تمكنت من توقيف عدد كبير من أصحاب المزارع في الجنوب مثلا، ممن ثبت إخضاعهم العمال الزراعيين غير النظاميين لآليات قد ترقى إلى مستوى الاستعباد. للأسف هذا مازال يحصل كون نظام اللجوء والحماية في البلاد يحتاج للكثير من التحديث والجهد، وكون السلطات مازالت حتى الآن تتعامل مع موضوع الهجرة من باب الطوارئ”.
يسترسل عثمان بالحديث عن قضايا مطروحة أمام القضاء تثبت هذا الكلام، لكن بالنسبة له، “لن يتغير شيء مادامت مقاربة السلطات لملف الهجرة نابعة من عقلية إدارة أزمة طارئة، وليس من خلال وضع برامج وطنية ثابتة تسهم بحماية المهاجرين وحقوقهم، وواجباتهم أيضا”.
وتسعى عدة نقابات عمالية، من ضمنها “USB”، لطرح برامج وآليات تضمن حماية العمال المهاجرين وتساهم بتعزيز برامج إدماجهم في المجتمع الإيطالي.
وفقا لستيفانو دي آنجيليس، تسعى النقابة إلى تأطير العمال ضمن مجموعات مناطقية، “ننظم لهم ندوات وحلقات لتعريفهم بحقوقهم وتزويدهم بالأدوات التي يمكنهم استخدامها لحماية أنفسهم. مثلا قبل ثلاث سنوات في بويلية (جنوب شرق)، كان العمال الزراعيون يتقاضون ثلاثة يوروهات عن كل ساعة عمل، وطبعا هذا أجر متدن جدا ولا يخولهم الحصول على أدنى متطلبات الحياة الكريمة. لاحقا، بعد أن تعرفوا على حقوقهم والآليات القانونية المتاحة أمامهم لتحصيلها، تمردوا وهددوا بالإضراب ما أجبر أصحاب المزارع هناك على رفع التعرفة إلى ستة يوروهات للساعة”.
وأضاف “طبعا هذا إنجاز بسيط مقارنة بالوضع العام، لكنه خطوة يمكن البناء عليها. نحاول في النقابة العمل على تشريعات تضمن حقوق العمال، لكن مع استمرار تعاطي السلطات مع ملف الهجرة من باب الطوارئ يصعب تلك المهمة بشكل كبير، ويسهم برفع أعداد العمال المهاجرين غير النظاميين”.
احتجاز.. عمل.. احتجاز
تتفق آليس باسيغليني، من منظمة “باوباب إكسبيرينس”، مع ما سبق من ناحية أن إدارة ملف الهجرة من باب الطوارئ يعقد المسألة إلى حد كبير. “الطوارئ تعني بشكل بسيط التعاطي مع الملف من باب أمني أولا، وهذا لا يمكنه ضمان إيجاد حلول لهذه الفئة أو تشجيع المبادرات الساعية لمساعدتهم”.
وتضيف “مثلا، إذا قمت السلطات بتفحص مصنع أو مزرعة أو ورشة بناء، قد يتم توقيف العمال غير النظاميين وإرسالهم إلى مراكز احتجاز. هناك سيمضون فترة قد تصل إلى 60 يوما، ليطلق سراحهم لاحقا ويجدوا أنفسهم في الشارع، كون عمليات الترحيل قليلة للغاية. سيعود هؤلاء للعمل بنفس الطريقة وستعود الشرطة لتوقيفهم مجددا وهكذا دواليك. ما من حل مطروح حاليا لكسر هذه الدائرة”.
وفقا لدي آنجيليس، “كثير من هؤلاء المهاجرين قد يبقون قيد الاحتجاز في تلك المراكز لمدد تتجاوز الـ60 يوما. طبعا هم هناك كالمساجين، فحقوقهم محدودة للغاية (لا إنترنت ولا حرية تنقل). لكن إذا سألنا لماذا يبقون هناك لتلك الفترات الطويلة، فالجواب بالنسبة لنا هو قيام المشرفين على تلك المراكز (قطاع خاص) باحتجازهم أطول فترة ممكنة، ورفع أعداهم أيضا، للحصول على المزيد من الأموال من السلطات (الحكومة)”.
وحسب النقابي الستيني، “طبعا ضمن هذه الفئة تعتبر النساء أكثر الفئات تضررا. فإذا وجدن عملا سيتقاضين أجورا أقل من نظرائهم من الرجال، كما تم تسجيل الكثير من حالات التحرش بحقهن في أماكن عملهن، كونه لا يوجد أطر لحمايتهن وضمان حقوقهن. هذا يعيدنا لعقلية الطوارئ التي تعتمدها السلطات منذ سنوات طويلة لإدارة ملف الهجرة”.
حكومات متعاقبة وسياسات متشابهة
يتلاقى تحليل دي آنجيليس وباسيغليني وكثير من المتابعين والعاملين في مجال مساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء في إيطاليا، عند تحميل السلطات الإيطالية المسؤولية عن هذه التجاوزات. فـ”السياسات العنصرية” حسب تعبير دي آنجيليس، بدأت قبل وقت طويل واعتمدتها الحكومات المتعاقبة (يسار ويمين)، مستخدما مثال الاتفاق الذي عقده وزير الداخلية الإيطالي الأسبق ماركو مينيتي (يسار) مع ليبيا في 2017 والذي تم بموجبه تدريب وتجهيز خفر السواحل لمنع القوارب من مغادرة الساحل الليبي.
بالنظر لما سبق، يسعى المهاجرون وطالبو اللجوء غير النظاميين لتسيير شؤونهم وإيجاد عمل من خلال طرق “غير قانونية” لكنها قد تكون مبررة لدى حقوقيين وعمال إنسانيين، كشراء عقود العمل أو استخدام أوراق ثبوتية مزورة أو استئجار عناوين بريدية مزيفة (إثبات سكن للحصول على عقد عمل)، تعرضهم لمخاطر كبيرة على رأسها المساءلة القانونية.
ملاحظة:
لدى نقابة “USB” برنامج خاص لدعم العمال المهاجرين وطالبي اللجوء قانونيا. ويمكن التوجه إليهم على العنوان التالي:
via dell’Aeroporto, 129, 00175 Roma
0039 06 76 28 233
lazio@usb.it
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook