كيف نجحت بنغلادش في التكيف مع آثار التغير المناخي والتقليص من الأضرار البشرية للفيضانات والأعاصير؟
نشرت في: 23/02/2023 – 18:39
تشكّل بنغلادش قدوة عالمية في مجال مكافحة آثار التغيرات المناخية وخفض عدد الوفيات الناجمة عن الفياضانات والأعاصير. هذا النجاح هو ثمرة عمل تضافرت فيه جهود الحكومة والشعب على مدار عقود من الزمن في مواجهة الكوارث الطبيعية، تمخض عنه بناء إستراتيجية متكاملة ومرنة تشمل مجالات حياتية مختلفة ومرونتها.
باتت بنغلادش الدولة الآسيوية المطلة على خليج البنغال والمعروفة بتاريخها الحافل والمؤلم مع الأعاصير والفيضانات، نموذجا عالميا يحتذى به في مجال مكافحة الكوارث الطبيعية والتكيف مع آثار التغير المناخي.
ووفق دراسة لموقع ScienceDirect المتخصص في المنشورات العلمية الموثوقة ومقره العاصمة الهولندية أمستردام، فإن الفيضانات المفاجئة هي من أكثر المخاطر الطبيعية إضرارا وتهديدا في العالم إذ تمثل 85 بالمئة من مجمل تلك الكوارث. كما أنها تتسبب في أعلى معدل وفيات مع أكثر من 5000 ضحية سنويا حسبما نقل الموقع عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
يضيف موقع “ساينس-دايركت” أن بنغلادش هي من أكثر البلدان عرضة لكافة أشكال الفيضانات في العالم، ولديها خبرة كبيرة في التعامل مع “الكوارث المائية” العنيفة.
وخلال السنوات الأخيرة، كانت الفيضانات الموسمية التي اجتاحت بنغلادش في 2019 واسعة النطاق فقد أثّرت على 2,1 مليون شخص في 24 مقاطعة وقتلت 104 أشخاص.
-
Table of Contents
أبرز الأعاصير التي ضربت بنغلادش منذ كارثة 1970
لكن البنغاليين نجحوا على الرغم من قسوة الطبيعة في خفض عدد ضحايا الفيضانات من 300 ألف ضحية إثر إعصار بهولا في 1970 إلى 26 ضحية في عام 2020، وفق دراسة الأكاديمية البريطانية British Academy المرموقة، التي كشفت عن المنحنى التنازلي تقريبا لعدد الضحايا المسجلين إثر الأعاصير التي ضربت بنغلادش في تلك الفترة.
وبلغة الأرقام، أودى إعصار بهولا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 لمصرع 300000 شخص، كان هذا الإعصار وهو من الدرجة الرابعة مصحوبا برياح تراوحت سرعتها ما بين 209 و251 كلم/سا. انخفض هذا الرقم بشكل دراماتيكي لكنه ظل كارثيا بعد إعصار أورير شار في 25 مايو/أيار 1985 والذي ضرب البلاد بقوة رياح بلغت 154 كلم/سا ما أوقع 11069 قتيل. لكن على الرغم من ذلك فقد استمر عدد الضحايا في التدني، مثلما حدث إثر إعصار 04B في نوفمبر/تشرين الثاني 1988 والذي كان مصحوبا برياح بلغت سرعتها 162 كلم/سا، ليصل 5708 ضحية.
لكن إعصار غوركي في 19 أبريل/نيسان 1991 والذي كان مصحوبا برياح بلغت سرعتها 260 كلم/سا وهو من الدرجة الخامسة القصوى كان بمثابة النكسة لتلك الجهود حيث أدى لمقتل 138000 شخص. في 19 مايو/أيار 1997 قتل 155 شخص في إعصار جديد ضرب البلاد، قبل أن يرتفع عدد الضحايا مجددا إثر إعصار سيدر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2007 ليصل 3363 ضحية.
في 25 مايو/أيار 2009 أدى إعصار أيلا والذي كان مصحوبا برياح بلغت سرعتها 118 كلم/سا لمقتل 150 شخص، فيما تسبب إعصار محاسن في 16 مايو/أيار 2013 بمقتل 317 شخص. وقتل 16 شخصا إثر إعصار روانو الذي اجتاح بنغلادش في 21 مايو/أيار 2016. لاحقا، استقر عدد الضحايا عند أرقام محدودة مثل إعصار مورا في 28 مايو/أيار 2017 الذي أوقع 7 ضحايا، ثم إعصار فاني في 4 مايو/أيار 2019 والذي كان مصحوبا برياح بلغت سرعتها 213 كلم/سا، حسب موقع البيانات العالمية، وأدى لمقتل 7 أشخاص، ثم إعصار أمفان في 25 مايو/أيار 2020، والذي كان مصحوبا برياح بلغت سرعتها 241 كلم/سا حسب نفس المصدر وتسبب بمقتل 26 شخصا.
لتحقيق هذا التراجع في عدد الوفيات الناجمة عن الأعاصير المصحوبة بالفيضانات، يلعب مركز بنغلادش الحكومي للتنبؤ بالفيضانات والتحذير منها FFWC والذي تأسس في 1972 أي عامين بعد إعصار بهولا، دورا أساسيا في “توفير المعلومات والتنبؤ بالفيضانات والإنذارات لتعزيز قدرة الوكالات والمجتمعات الوطنية على إدارة الكوارث باستخدام أفضل المبادئ العلمية والبيانات والمعلومات الخاصة بتوقعات الطقس في الوقت الحاسم”.
Sharing Meeting on Tackling Climate Change in Bangladesh: Role of Children and Youth organised by @kindernothilfeBangladesh. We are sharing our youth- led working experience @YouthNet4CC pic.twitter.com/LerXSRKXOR
— Shakila Islam (YouthNet) (@ShakilaYouthnet) February 7, 2023
-
“إعصار بهولا منعرج حاسم في مواجهة الفيضانات”
في هذا السياق، توضح شاكيلا إسلام المؤسسة المشاركة للمنظمة غير الحكومية شبكة الشباب للعدالة المناخية YouthNet التي تعنى بالدفاع عن البيئة والمناخ ومقرها العاصمة البنغالية داكا، أن “بنغلادش نجحت في خفض عدد الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وخاصة الأعاصير، من خلال سلسلة من التدابير التي تم تنفيذها بعد إعصار بهولا المدمّر في عام 1970. فقد تعاونت الحكومة ومختلف المنظمات لتطوير وتنفيذ نهج شامل للاستعداد والاستجابة للأعاصير مستقبلا.
من بين الإجراءات التي تم تبنيها: نظام إنذار مبكر فعال يستخدم أنظمة الأقمار الصناعية والرادار للكشف عن الأعاصير ويقوم بإصدار وإرسال الإنذارات للمواطنين. يرتبط هذا النظام ببرنامج مجتمعي للتأهب للكوارث يقوم بتثقيف وتوعية الأشخاص بالمخاطر المحتملة والخطوات الضرورية لحماية أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، فلقد شيدت الحكومة الآلاف من ملاجئ الأعاصير على طول المناطق الساحلية في بنغلادش، وهي مصممة لتحمل الرياح القوية وعرام العواصف (الزيادة غير طبيعية في المياه الناتجة عن العواصف)، وتوفير مكان آمن للأشخاص خلال الكارثة.
وهكذا، فقد تم تطوير خطط للتأهب للكوارث، ووفرت منظمات مختلفة حصص التدريب على أنظمة الإنذار المبكر، وإجراءات الإخلاء، والإسعافات الأولية. كما استثمرت الحكومة أيضا في إدخال تحسينات على البنية التحتية، مثل تعزيز بنية السدود وإصلاح الأراضي الساحلية، لتوفير الحماية اللازمة من هبوب العواصف والفيضانات. أفرزت كل هذه التدابير عن انخفاض عدد الوفيات الناجمة عن الأعاصير في بنغلادش بشكل كبير. ففي عام 2020، أودى إعصار أمفان، الذي كان من أقوى العواصف التي ضربت البلاد خلال السنوات الأخيرة، بحياة 26 شخصا. وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يزال مأساويا، إلا أنه يجسد تحسنا كبيرا مقارنة بالدمار الذي أحدثه إعصار بهولا في عام 1970″.
تضيف شاكيلا: “يمكن تطبيق استراتيجية بنغلادش للحد من عدد الوفيات الناجمة عن الأعاصير أو العواصف وكذا التكيف مع التغير المناخي في مختلف المناطق والبلدان في جميع أنحاء العالم، المعرضة للكوارث الطبيعية. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تستفيد منها المناطق الساحلية في الهند وجنوب شرق آسيا والبلدان الأفريقية والدول النامية الجزرية الصغيرة على غرار تلك الموجودة في المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي. كما يمكن تكييف الاستراتيجية البنغالية لتحسين التأهب للكوارث وأنظمة الإنذار المبكر وإجراءات الإخلاء لتقليل الوفيات وتخفيف آثار الكوارث الطبيعية.
وبشكل عام، يمكن لأي منطقة أو دولة معرضة للكوارث الطبيعية وتسعى إلى خفض الوفيات وبناء قدرات للصمود في وجه تغير المناخ أن تطبق استراتيجية بنغلادش”.
-
“التكيف مع الكوارث ليس بديلا عن معالجة أسباب تغير المناخ”
كما قالت شاكيلا المؤسسة المشاركة لمنظمة YouthNet للعدالة المناخية: “خلال السنوات الأخيرة، قامت بنغلادش بتحسين إستراتيجيتها للتعامل مع الأعاصير والعواصف من خلال دمج تكنولوجيا الهاتف المحمول لتعزيز نظام الإنذار المبكر، وأيضا تبني قوانين بناء جديدة، والاستثمار في الدفاعات الساحلية، والتأكيد على ضرورة الحد من مخاطر الكوارث التي تترصد بالمجتمعات، وإدراج التوصيات الخاصة بظاهرة التغير المناخي في التخطيط للتأهب للكوارث. تُظهر هذه الجهود التزام بنغلادش ببناء خطة مرنة لمواجهة آثار الكوارث الطبيعية وتغير المناخ”.
كما قالت محدثتنا: “تعتبر معالجة أسباب تغير المناخ عن طريق الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري أمرا ضروريا للتخفيف من الأزمة. ومع ذلك، فإن التكيف مع آثارها أمر بالغ الأهمية أيضا لأن العالم يشهد بالفعل آثارها، والتي ستتفاقم في المستقبل. تشمل خطة التكيف مثلا تشييد بنية تحتية مرنة، وزراعة محاصيل مقاومة للتغير المناخي، ونقل المجتمعات المعرّضة لتلك المخاطر إلى مناطق أكثر أمانا. لكن وعلى الرغم من أن كلا من التخفيف والتكيف ضروريان لمعالجة تغير المناخ، لا ينبغي أن يكون التكيّف بديلا عن اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من أسبابه. كما يجب التنويه، إلى ضرورة أن تتضمن الاستجابة الشاملة لتغير المناخ إستراتيجيات التخفيف والتكيّف لخلق مستقبل مستدام”.
للمزيد: المتحدثة باسم مصنع إزالة ثاني أكسيد الكربون في إيسلندا: “مشروعنا قابل للتطبيق في كل دول العالم”
-
“مستعدون لمشاركة هذه التجربة مع بقية الدول”
من جانبه، قال عالم المناخ البنغالي سليمول هوك وهو مدير المركز الدولي للتغير المناخي والتنمية، والمسؤول في المعهد الدولي للبيئة والتنمية، إن بلاده نجحت في خفض عدد ضحايا الفيضانات “من خلال منهاج فعلي ساهم فيه المجتمع برمته خصوصا في مجال تحسين نظم الإنذار المبكر، وبناء الملاجئ، والتتبع والرصد باستخدام الأقمار الاصطناعية، وكذا تطوير القدرات المادية واللوجستية لأهالي المناطق الساحلية”.
يضيف سليمول هوك بأن التجربة البنغالية في مقاومة آثار الأعاصير هي قابلة للتطبيق في كل دول العالم، وهو يقول ههنا: “يمكن استخدام هذه الدروس والعبر المستخلصة في جميع البلدان المعرضة لخطر الأعاصير. بنغلادش هي مستعدة وسيسعدها مشاركة هذه التجربة مع بقية الدول الأخرى”. كما يضيف محاورنا أن بلاده تواصل تحسين خبراتها في هذا المجال حيث أوضح: “تتمثل إحدى الأنشطة الرئيسية لمنظومة عمل إستراتيجية بنغلادش في مكافحة آثار هذه الكوارث، في تحليل النتائج بعد كل إعصار وتعلم الدروس وإجراء التحسينات الضرورية”. وهو يرى بدوره أن من “الضروري للغاية” لكافة الدول المعرضة لمثل هذه المخاطر أن تتكيف مع آثار التغير المناخي في انتظار إيجاد حل واقعي لهذه الأزمة المستعجلة.
أمين زرواطي
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook