آخر الأخبارأخبار دولية

المؤرخ عبد الحميد لرقش: مهاجرو أفريقيا جنوب الصحراء يمثلون “حلا اقتصاديا” لتونس ومشروع سعيّد “هلامي وشمولي”


نشرت في: 22/02/2023 – 17:31

أبدى الرئيس التونسي قيس سعيّد الثلاثاء بوضوح رفضه لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلده، واصفا الظاهرة بأنها مؤامرة “لتغيير التركيبة الديموغرافية” في البلاد. واعتبر مراقبون وحقوقيون خطوة سعيّد ضربة أخرى لحقوق الإنسان في البلاد في خضم حملة الاعتقالات ضد سياسيين وإعلاميين وشخصيات نافذة.  

لم تتأخر السلطات التونسية في البدء بتطبيق تعليمات الرئيس قيس سعيّد الذي نادى الثلاثاء بوقف تدفق “جحافل” المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. واعتبر سعيّد هذه الهجرة بمثابة مؤامرة “لتغيير التركيبة الديموغرافية” لتونس ما أثار تنديدا واسعا من قبل المنظمات الحقوقية.


وأكد مراسل فرانس24 في تونس نور الدين مباركي نقلا عن تقارير إعلامية محلية انطلاق حملة توقيف مهاجرين غير نظاميين من جنوب الصحراء بعد ساعات قليلة على خطاب الرئيس قيس سعيّد. 

كما تحدثت وسائل إعلام عن جرائم حق عام ارتكبها بعضهم.

وأثارت تصريحات وقرارات الرئيس صدمة وغضب بين التونسيين، في حين رحب آخرون بهذه القرارات. ولا يزال الجدل محتدما لا سيما في الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، في بلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة.  

بين الترحيب والتنديد

ندد “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية“، إحدى أهم المنظمات التي تتابع ملف الهجرة بالبلاد، بخطاب الرئيس التونسي معتبرا أنه “عنصري” ويدعو “للكراهية”.   

من جهته اعتبر الرئيس السابق للمنتدى مسعود الرمضاني أن موقف سعيّد “مخجل ويمس من سمعة تونس التي تربت على مبادئ الحرية والديمقراطية”.  

وقال إن خطاب رئيس الجمهورية لم يفاجئه لأن هناك رهاب ضد الأجانب في تونس إضافة للعنصرية المنتشرة في بعض صفحات التواصل الاجتماعي.  

في المقابل، رحب “الحزب القومي التونسي”، في بيان مساء الثلاثاء بقرارات رئاسة الجمهورية التي “استجابت لإرادة التونسيين”. وأعلن مساندته “لكل الخطوات الضرورية التي تتخذها الدولة لإنهاء المشروع الاستيطاني ضد تونس” ودعا إلى “فرض التأشيرة على دول جنوب الصحراء”.   

يأتي قرار سعيّد أيضا في خضم حملة اعتقالات وملاحقات قضائية شملت سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال رأى فيها ناشطون وأحزاب سياسية تضييقا على الحريات العامة والفردية بهدف “إحكام السيطرة على مقاليد الحكم”.  

للمزيد – تونس: نُذر صدام بين سعيّد واتحاد الشغل وسط مخاوف من عجز الدولة عن سداد الديون

حول كل هذه المسائل، حاورت فرانس24 المؤرخ والأستاذ بالجامعة التونسية ومؤلف كتاب “الحركة العمالية التونسية”، عبد الحميد لرقش.  

  • فرانس24: هل يمثل المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء بالفعل تهديدا للتركيبة الديموغرافية في تونس؟

عبد الحميد لرقش: الدولة لا تملك إحصائيات دقيقة عن عدد المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وعددهم يتراوح حسب المعلومات التي حصلت عليها ما بين 50 و60 ألف. تونس ليست منطقة استقرار للمهاجرين بل منطقة عبور باتجاه أوروبا، معظمهم يطمح لجمع بعض الأموال من خلال ممارسة بعض المهن اليدوية أملا في ركوب رحلة هجرة سرية عبر البحر إلى أوروبا. الدول الأوروبية تريد من تونس أن تكون حارسا لحدودها البحرية الجنوبية، لكن ذلك لن يستمر إلى الأبد.  

  • ألا تمثل الحملة ضد المهاجرين والتوقيفات بحقهم انتهاكا لحقوق الإنسان؟  

بالتأكيد، هذا تعد صريح على حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والناشطون الحقوقيون لم يتأخروا في التنديد بهذه التجاوزات وحماية المهاجرين. تونس أصبحت تقريبا تملك أقلية عرقية، ومن مزايا الديمقراطية أنها وفرت آليات وقوانين لحمايتهم وتمكينهم من حقوقهم. لكن السلطة السياسية ترى فيهم “مؤامرة” على البلاد وهو مخالف لواقع الأمور.   

كثير من هؤلاء المهاجرين دخلوا في النسيج الاقتصادي ويعملون في الحقول وجمع الزيتون وورشات البناء والمقاهي والمطاعم وهي قطاعات تعاني نقصا حادا في اليد العاملة في ظل التغيرات الاجتماعية التي عرفتها البلاد في العقود الأخيرة. وبالتالي هم من يمثلون حلا اقتصاديا وليس مشكلة. ونحن كأكاديميين، حذرنا منذ سنوات أنه يجب الإعداد لمرحلة انتقالية في سوق العمل تقبل توافد عمالة أجنبية مع تغيير التشريعات ومنحهم الإقامة حتى لا يتم هضم حقوقهم العمالية كما يحدث في كثير من الحالات الآن.  

  • ناشطون يرون في تعامل سعيّد مع المهاجرين مؤشرا لمشروع “سلطوي” للرئيس التونسي، هل هذا دقيق؟  

بالإضافة إلى اعتبار المهاجرين “مؤامرة” على البلاد، حتى ملفات التحقيق ضد الشخصيات العامة التي اُعتقلت في الآونة الأخيرة بدت فارغة وخاوية من تهم حقيقية. ما يشير إلى إن الرئيس التونسي أراد افتعال أزمة لتحقيق مآرب سياسية. حتى أنه اتهم أطرافا سياسية بتلقي أموال لتوطين المهاجرين في تونس، ولكن لا يوجد أي دليل على ذلك. أخاف على البلاد من أزمة عقل يتحطم على صخرة النزعات الشعبوية والتي قد تغذي العنصرية وتؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى مجموعات متنافرة.  

  • ما هي أسس النظام الذي يسعى سعيّد لإقامته في تونس؟ 

مشروع سعيّد جديد على تونس منذ استقلالها ويختلف كثيرا عن نمط حكم الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. سعيّد يعتبر أن كل ما مضى كان خاطئا ويجب أن يعاد بناء البلاد كدولة ومجتمع على أسس جديدة: أي سلطة فوقية مباشرة تنبع من رأس الدولة وتنزل كحقيقة على الشعب. حتى أن الإفراط في استخدام عبارة “الشعب” تدخل في مشروع شمولي للحكم تجعل منه أداة مطلقة لتطبيق هذه المقاربات الجديدة. لكن واقع الحال، لم نر أي سياسات جديدة. فالحكومة تتخبط في معالجة نفس المشاكل التي عجزت الحكومات السابقة عن حلها. فيما كانت خطابات الرئيس هلامية وخارجة عن الواقع بدون أي تأثير على حياة الناس. 

عمر التيس


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى