التعليم في لبنان ليس بخير: تلاميذ المدارس الرسمية في بيوتهم واشكاليات تطرح حول المدارس الخاصة
ويتزامن هذا التوقف القسري للتعليم الرسمي، مع إستكمال المدارس الخاصة عملها رغم التحديات الجمّة التي يمّر بها طاقمها التعليمي، ما من شأنه أن يترك فجوة كبيرةً، ترسّخ اللاعدالة جرّاء حرمان تلامذة الطبقة الوسطى والمهمشة من حقهم في التعليم اللائق للعام الثالث على التوالي، بعد تعذر مواكبتهم التعليم عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا، ما يضع مستقبل جيل كامل في المجهول.
إلى ذلك، يشتّد الضغط الداخلي والخارجي على وزارة التربية بعد اتساع الهوة بين التعليم الرسمي المتوقف عن التدريس والخاص المتقدم في مناهجه، ما دفع الوزير عباس الحلبي للتحذير من تداعيات الوصول إلى موعد الإمتحانات الرسمية في ظل هذا الوضع، وحرمان تلامذة التعليم الرسمي من إجراء الإمتحانات التي يتحضّر لها القطاع الخاص. أما على الصعيد الخارجي، فقد بدأت المنظمات الحكومية التي تأخذ على عاتقها وبشكل كبير تأمين الدعم المطلوب لتوفير التعليم للجميع وتحديداً للطلاب الأجانب، التحذير من «مخاطر انقطاع الأطفال في لبنان عن التعلّم»، داعية «الحكومة اللبنانية إلى اتّخاذ خطوات لدعم المعلّمين من خلال تحديد دخل يحفظ كرامتهم ويساعد الأطفال في الحصول على تعليم جيد وآمن وشامل» وفق ما ورد في البيان الصادر عن اليونسف.
في السياق، يشدّد الأساتذة على أنّ تصعيدهم المحقّ ناجم عن تنصّل الوزارة من إلتزامها بتقديم 130 دولاراً شهرياً أدرجتها في سياق الحوافز المالية للتعويض عن فقدان رواتبهم قيمتها الشهرية، قبل أن تستفحل الأزمة مع الإرتفاع الكبير للدولار ومعه أسعار المحروقات التي وضعت الأساتذة أمام استحالة الوصول إلى مدارسهم قبل البحث في تأمين أبسط مقومات العيش الكريم للأساتذة من مأكل ومشرب وطبابة.
بدورها ذكرت “الأخبار” ان روابط التعليم جددت الإضراب في المدارس الرسمية للأسبوع السابع على التوالي، ولكن من دون العودة إلى الجمعيات العمومية هذه المرّة، إذ اكتفت ببيان حمّلت فيه «مسؤولية انهيار القطاع التربوي للحكومة»، ودعت الأساتذة على مختلف تسمياتهم إلى «الصمود وعدم الحضور إلى مراكز عملهم تحت أيّ ذريعة من الذرائع». في المقابل، يذهب الأساتذة أبعد من من روابطهم، ويدعون إلى «إيقاف مهزلة الإضراب الأسبوعي، وتسمية الأمور بأسمائها، والدعوة إلى جمعيات عمومية تعلن الإضراب المفتوح»، فتجارب السنوات الثلاث الماضية مع الروابط لا تزال ماثلةً أمامهم، إذ تتراجع هذه الأخيرة عند أول وعد بالدفع، حتى لو كان «شيكاً بلا رصيد».
ومع استمرار التحرّك، يستمرّ النزف التربوي على مستوى العام الدراسي في المدارس الرسمية، التي خسر تلامذتها 27 يوماً تعليمياً من أصل 70 متبقية حتى نهاية السنة الدراسية. أمرٌ يرى فيه الأساتذة «دخولاً في مرحلة الخطر الشديد»، رافضين في الوقت نفسه تحميلهم وزر تعطيل العام الدراسي، «فالصرف على الوظيفة العامة ليس من مسؤولياتنا، بل يقع على عاتق الحكومة المتغافلة عن حقوق موظفيها».
أمّا المؤشّرات الإيجابية التي ظهرت الأسبوع الماضي فقد سقطت، إذ لم تجتمع اللجنة الوزارية المعنيّة بمتابعة ملف الإضراب بسبب سفر وزير التربية عباس الحلبي إلى جنيف، وبقيت الموافقة على «تعديل بدل النقل، وإعطاء الأساتذة 5 ليترات بنزين يومياً» وعوداً شفهيةً، لم تتحوّل إلى أفعال، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في سعر الدولار على منصة صيرفة، الذي زاد من 31200 إلى 44100 ليرة منذ مطلع شهر شباط الجاري، ما يؤدي إلى خسارة الرواتب المدفوعة بالليرة والمقبوضة بالدولار 30% من قيمتها الجديدة، فوق الخسارة الأساسية، ما يجعل من قيمة الراتب المضاعف، أقل من 250 دولاراً.
وفي سياق متصل، قالت “الأخبار” ان إعلان نقيب المعلمين نعمه محفوض عن اتفاق أولي بين الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية والأمانة العامة للمدارس الإنجيلية ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة، يتعلّق بإعطاء بعض التقديمات للمعلمين، لم يحل دون إعلان بعض المدارس الخاصة ولا سيما في زحلة والشمال الإضراب اليوم، فيما ترتفع الانتقادات الموجّهة إلى الاتفاق، بين من يرى فيه التفافاً على وزارة التربية، أو يطلب التريّث في إعلان بنوده إلى أن «ينضج» تماماً
لم يفصح ممثلو المدارس الخاصة عن طرح «خطير» للمنظمات الدولية يجري تداوله أخيراً، وهو استيعاب المدارس الخاصة لطلاب المدارس الرسمية التي تقع في نطاقها الجغرافي مجاناً، وسط استمرار إضراب المعلمين الرسميين، إذ اكتفى الأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل القسطا، بالقول إنه «ليس هناك حلّ ناضج في هذا الموضوع، لكنّ المدارس الخاصة جاهزة لأي مساعدة إذا سُمح لها بذلك وهي تدعو لبحث المسألة بشكل جدي، فالنية الحسنة موجودة، والأمر يتطلب خطة متكاملة لاستقبال 300 ألف تلميذ، إذ يجب أن تكون هناك معالجات سريعة لـ18 ألف طالب من أصل 40 ألفاً يدرسون الثانوية العامة بكلّ فروعها، ومنهم ذوو الاحتياجات الخاصة». من جهته، أكد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، حق طلاب المدارس في استكمال عامهم الدراسي و«نطالب المسؤولين بتأمين هذا الحق وأهمية إجراء الامتحانات الرسمية في مواعيدها، إذ ليست هناك شهادة رسمية من دون مدرسة رسمية».
وكان اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة أخذ على «الاتفاق» بين الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية والأمانة العامة للمدارس الإنجيلية ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة، حول إعطاء بعض التقديمات للمعلمين للاستمرار في التعليم، التفافه على وزارة التربية، باعتبار أن «أي زيادة سواء كانت بالعملة اللبنانية أو بالدولار الأميركي مشروطة بأن تقدّم المدارس تدقيقاً قانونياً حقيقياً واضحاً للموازنات مرفقاً بقطع حساب وتقرير مالي، يفصّل الحاجة إلى هذه الأموال وفق تعميم وزير التربية 33/2023». وبالتالي، فإن ما يحصل في حضور اتحادات لجان أهل معلّبة، كما سماها الاتحاد، «هو تشريع فاضح ومفتوح لكلّ التجاوزات وتعدٍّ على صلاحيات ودور لجان الأهل القانونية». وقالت رئيسة الاتحاد لمى الطويل: «سنطلب من الأهل عدم الدفع في حال عدم حصول التدقيق، إذ لا نريد أن ندفع إلا الحق، وما يمسكونا بالإيد اللي بتوجعنا»، مشيرة إلى أن اتحاد المؤسسات تهرّب من الدعوات التي وجهتها وزارة التربية لاجتماع هيئة الطوارئ التي تضمّ ممثلين عن كل مكوّنات العائلة التربوية.
إلا أن الاتفاق نفسه لم يصل إلى خواتيمه النهائية، أو هذا ما قاله نصر لـ«الأخبار»، إذ لا يزال هناك بعض «الرتوش» على الأرقام المتعلقة ببدل النقل (200 ألف ليرة + 12 سنتاً للكيلومتر الواحد) والمساعدة الاجتماعية بالدولار (150 دولاراً كحد أدنى)، موضحاً أن نقيب المعلمين نعمه محفوض استعجل نشر مضمون الاتفاق قبل أن تنال الصيغة المنشورة موافقة كلّ الأفرقاء المشاركين في اللقاء، من اتحادات لجان أهل وغيرها، وخصوصاً أن الاقتراح أُرسل إليهم في وقت متأخر، ليُفاجَؤوا بنشره صباح اليوم التالي.
هل يعني ذلك أن الاتفاق نُسف؟ أجاب نصر أن «هناك مسؤولية مشتركة لاستكمال الحوار وتكريس الاتفاق بين كلّ الأطراف، حفاظاً على العام الدراسي، فالبنود المنشورة طُرحت فعلاً في اللقاء وتتطلب بلورتها وهي: استكمال العام الدراسي في أجواء هادئة، اعتماد بدل النقل القانوني عن كلّ يوم حضور فعلي للمعلمين، مضافاً إليه بالعملة الصعبة ما يغطي الكلفة الحقيقية للوصول إلى المدرسة (12 سنتاً للكيلومتر)، إعطاء مساعدة اجتماعية لا تقل عن 150 دولاراً من خلال إيجاد مصادر تمويل داخلية وخارجية، ودعوة المؤسسات التي بادرت سابقاً إلى إعطاء مساعدات بالدولار إلى رفع سقوف مساعدتها بما يتناسب مع إمكانات المدرسة والأهل».
وعن صياغة اتفاق خارج هيئة الطوارئ في وزارة التربية، أكد نصر أن «الوزارة هي مرجع لنا، لكنّ هذه البنود لا تعني سوى المؤسسات الموجودة في الاتفاق، ونحن نمثل ما نمثل لا أكثر ولا أقلّ، وأبوابنا مفتوحة لسماع كل الانتقادات، فليس الوقت مؤاتياً للخلافات».
من جهته، نفى القسطا، أن تكون المشكلة في بنود الاتفاق نفسها، بل في طريقة توزيعها، وعلى العكس ربما تكون المرة الأولى، كما قال، التي يحدث فيها تناغم بين المؤسسات ونقابة المعلمين، وقد أخذنا كمؤسسات دور النقابي في الحوار، والأمور ستسلك طريق الحل في الأيام القليلة المقبلة.
رئيس نقابة المعلمين، نعمه محفوض، أوضح أنه لم ينشر الاتفاق قبل التوافق مع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية على الصيغة النهائية للبيان، والتمني عليه توزيعه على المؤسسات، على أن يوزّعه النقيب على المعلمين.( مداء الوطن + الأخبار)
مصدر الخبر
للمزيد Facebook