آخر الأخبارأخبار دولية

“مشروعنا قابل للتطبيق في كل دول العالم”

نشرت في: 17/02/2023 – 16:49

في حوار حصري مع فرانس24، تشرح لنا جولي غوسالفيز مديرة التسويق في شركة “كليمووركس Climeworks” التقنية المتخصصة، والتي تدير في إيسلندا أكبر مصنع في العالم لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو، كيفية عمل هذه التكنولوجيا المتقدمة ودورها في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وكذا إمكانية نقل هذا المشروع وتطبيقه في دول أخرى. كما تعلق على التحركات الاحتجاجية الأخيرة للمنظمات البيئية.

تواجه البشرية بشكل خاص والكائنات الحية على وجه الأرض بشكل عام مخاطر جمة بسبب استمرار التغيرات المناخية والتي تعد الغازات الدفيئة أحد أبرز مسبباتها، والتي ترجع بدورها إلى التلوث الناجم خصوصا عن استخدام الوقود الأحفوري.

  • الصين والولايات المتحدة أكبر الملوثين

ووفقا لموقع “كليمايت سيليكترا” البيئي المتخصص، فقد وصلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في الغلاف الجوي في 2020 إلى 32 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو رقم قياسي يمكن حتى أن نتجاوزه بسرعة لأن مسارات التنبؤ المستقبلية لا تتوقع أي انخفاض.

وتتربع الصين على عرش لائحة أكثر دول العالم تسببا في تلك الانبعاثات الملوثة، تليها الولايات المتحدة، وهما يتسببان معا لوحدهما في حوالي 40 بالمئة من إجمالي التلوث الكربوني.

رسم بياني يظهر تقلّص أعداد الحيوانات البرية في العالم بحسب المناطق. © أ ف ب.

وبلغة الأرقام، تسببت الصين في نفس الفترة في 9899,3 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تليها الولايات المتحدة بـ 4457,2 مليون طن، ثم الهند بما معدله 2302,3 مليون طن، فروسيا بـ 1482,2 مليون طن، واليابان بـ 1027 مليون طن.

وحسب نفس المرجع، فإن ألمانيا تتسبب في أعلى قدر من الانبعاثات الكربونية على المستوى الأوروبي لاعتمادها الكبير على الفحم، بحجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يعادل ¼ من تلك الصادرة عن كل دول الاتحاد الأوروبي.

وللحد من هذه الظاهرة وتحديدا الاحتباس الحراري، تحاول دول العالم التحرك بشكل مشترك وفقا للقدرات المحلية وحجم التلوث الذي تتسبب فيه كل دولة، إن كانت من الدول الصناعية الكبرى أو من دول العالم الثالث. وفي سبيل ذلك يتم عقد المؤتمرات الخاصة بالمناخ والتنوع البيولوجي.

نلحظ ههنا مثلا، أن مؤتمر الأطراف حول التنوع البيولوجي “كوب15” الذي انعقد في ديسمبر/كانون الأول المنصرم بمونتريال الكندية، قد توصل إلى اتفاق تاريخي بشأن التنوع الحيوي. إذ ترمي “معاهدة السلام مع الطبيعة” المعروفة رسميا باسم “اتفاق كونمينغ-مونتريال” إلى حماية الأراضي والمحيطات والأصناف من التلوث والتدهور والأزمة المناخية. واتفقت البلدان المشاركة خصوصا على إنشاء مواقع محمية على 30 بالمئة من مساحة الكوكب بحلول 2030 وتخصيص 30 مليار دولار من المساعدات السنوية للبلدان النامية في جهودها لصون الطبيعة. وحاليا، فقط 17 بالمئة من الأراضي و8 بالمئة من البحار مناطق هي محمية.

  • تراجع مخيّب في قمة (كوب27)

في المقابل، نلحظ عدم تحقيق تقدم جدي في آخر قمة للمناخ (كوب 27) في نوفمبر/تشرين الثاني التي احتضنتها شرم الشيخ المصرية، والتي اختتمت بعد مفاوضات أفضت إلى نص يتعلق بمساعدة البلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ، دون تسطير أي طموحات جديدة حول الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. وتم اعتماد إعلان نهائي بعد نقاشات اتجهت نحو حلول وسطية تدعو لخفض “سريع” في الانبعاثات دون أي أهداف أخرى مقارنة بمؤتمر غلاسكو عام 2021.

وكان اتفاق باريس للمناخ في 2015، قد أقر اتفاقا على حصر الاحترار المناخي بـ1,5 درجة مئوية. لكن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت مطلع العام الجاري من أن “احتمال تجاوز مستوى 1,5 درجة مئوية مؤقتا…يزداد مع الوقت”. وقالت المنظمة الأممية إن “السنوات الثماني الأخيرة كانت الأكثر حرا على الإطلاق في العالم بسبب ارتفاع متواصل في تركز غازات الدفيئة وتراكم الحر”.

في ظل هذا التراجع المخيب عن الطموحات العالمية في مجال المناخ، فإن المؤتمرات الدولية المتعاقبة حول سبل مواجهة هذه الأزمة لم تعد تكفي لإقناع الناشطين المناخيين. فقد دعت منظمات مثل “فقط أوقفوا النفط” و “تمرد ضد الانقراض”، وتجمعات أخرى لناشطين بيئيين مثل “تمرد العلماء”، إلى “العصيان المدني اللاعنفي”، معتبرين أنه السبيل الوحيد لتحقيق خرق في مواجهة التداعيات الوخيمة لظاهرة التغير المناخي.

ومن عنق الزجاجة، تولد مشاريع مناخية وبيئية تبدو واعدة ولعلها تمهد الطريق إلى حل تكنولوجي لأزمة المناخ والمخاطر التي تترصد الثروة الحيوانية والنباتية على وجه الأرض. من بين تلك المشاريع، نسلط الضوء اليوم على أكبر مصنع في العالم لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو وتحويله قبل طمره في عمق الأرض، بهدف محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري.

هذا المشروع تابع لشركة كليمووركس Climeworks وهي شركة سويسرية ناشئة مقرها في مدينة زوريخ وتأسست في 2009. للتعرف أكثر على الشركة وهذا المشروع الطموح الذي دشن بإيسلندا في الثامن أيلول/سبتمبر 2021، حاورنا جولي غوسالفيز مديرة التسويق في شركة “كليمووركس”.

  • كيف يعمل هذا المصنع؟

في الواقع، يجب أن نعي أولا ضرورة تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ثم بالنسبة لإزالة الكربون فهو يتم أولا عبر تصفيته مهما كانت التقنية المستخدمة ثم تخزينه. حسنا، كيف تتم هذه العملية؟ هناك خطوتان، الخطوة الأولى: الترشيح، وهي تقضي بالتقاط ثاني أكسيد الكربون في الهواء وهنا لدينا مصنع للامتصاص مكوّن من عدة لاقطات (مراوح) تسمح بسحب الهواء عبرها، ثم يحتك بمادة ماصّة تعمل على تركيز ثاني أكسيد الكربون وعندما تكون المادة المرشحة مشبعة، يتم تسخينها إلى درجة حرارة تقارب 80 درجة، وخلال التسخين يتم إطلاق الكربون مجددا بطريقة تسمح لنا باحتجاز ثاني أكسيد الكربون في حالة نقاء قبل أن نقوم بتخزينه. في هذه الحالة بالنسبة لمصنعنا في إيسلندا، فنحن شركاء مع شركة أخرى هي كاربفيكس Carbfix التي تضطلع بالمرحلة القادمة من العملية، فبعد أن نكون قد التقطنا ثاني أكسيد الكربون نمزجه مع الماء لتحويله إلى الحالة الغازية. وتقوم شركة كاربفيكس لاحقا بطمره في عمق يتراوح ما بين 1 و2 كيلومتر تحت الأرض. أشير ههنا إلى أن الأرض في إيسلندا تتشكل من ما يقرب من 80 بالمئة من البازلت وهي صخرة بركانية إذ إن الطبيعة مناسبة لإنجاح هذه العملية، فالكربون في حالته الغازية تلك كما شرحنا في المرحلة السابقة، سيدخل الآن في تفاعل مع صخرة البازلت ليتحول بدوره إلى شكل صخري، نكون بالتالي قد تخلصنا من الكربون وطمرناه بشكل دائم تحت الأرض.


  • هل حققتم كل الأهداف المسطرة أو أنكم تواجهون عقبات؟

حاليا  مصنعنا في إيسلندا والذي نطلق عليه اسم أوركا Orca هو يعمل بطاقة إزالة لثاني أكسيد الكربون تبلغ 4000 طن سنويا. لكن نحن في صدد بناء مصنع آخر مجاور سيعمل بطاقة ستبلغ 36000 طن أي قدرة التقاط تعادل 10 أضعاف المصنع الأول. أعتقد أن المهم أن أقوله إنه عمل جيد لأنه الوحيد اليوم قيد التشغيل على المستوى العالمي. لكن لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه للوصول إلى المستوى المطلوب خصوصا بالنسبة لتوصيات جياك GIEC (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ). وبالنظر إلى أننا نواجه حوالي 40 مليار طن من الانبعاثات السنوية على مستوى الأرض، فعلينا بداية تقليل ذلك بنحو 50 بالمئة في أفق عام 2030 و90 بالمئة بحلول عام 2050، ما يعني أن هناك نسبة هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي علينا إزالتها. أريد توضيح أننا منذ افتتاح أول مصنع في عام 2007، كنا نقوم أساسا بالتقاط الكربون وليس إزالته مثلما نفعل اليوم. يجب فهم أننا في صدد إطلاق صناعة جديدة مثلما كان الحال بالنسبة مثلا للطاقة الشمسية أو طاقة عنفات الرياح خلال الخمس عشرة أو العشرين سنة الماضية. هناك تطورات تكنولوجية طبعا حدثت وتحدث مثلما هو الحال مع مصنعنا في إيسلندا الذي هو بمثابة الجيل الثاني بالمقارنة مع أول مصنع افتتحناه في سويسرا مثلا. هناك إذا عامل التطور التقني اللازم والذي يتراكم مع الوقت كما الخبرات. كما أن مصنع إيسلندا يسمح لنا أيضا بمواصلة تحسين التكنولوجيا والتعلم وبأن نكون أكثر في الميدان وليس فقط في المختبرات. لدينا مشاريع للتطوير التكنولوجي للأجيال المستقبلية لكننا نستمر في تطوير ما نملكه اليوم.

بالصور: Orca أكبر مصنع في العالم لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو/ الحقوق: @Climeworks

{{ scope.counterText }}

{{ scope.legend }}

© {{ scope.credits }}

{{ scope.counterText }}

  • هل هذا المشروع قابل للتطبيق في مناطق أخرى مثل الدول النامية؟

مشروعنا قابل للتطبيق في أي منطقة من العالم وليس فقط المناطق البركانية مثل إيسلندا، فالأمر يتعلق بالتفاعل الكيميائي والتمعدن، إذ إن هذه العملية قابلة للنجاح مع أنواع أخرى من الصخور أيضا. إن التكنولوجيا التي نملكها لها عدة مزايا ومحاسن، إذ إننا نعمل على مستوى الهواء المحيط (الخارجي) لأن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هو نفسه في كل أنحاء العالم، ليس مثل الحال بالنسبة إلى التلوث مثلا. بمعنى أنه يمكن لنا أن نتواجد في أي منطقة، لكننا سنحتاج إلى شيئين: القدرة على التزود بالطاقات المتجددة لأننا نعتبر أن استعمال الوقود الأحفوري سيطرح نفس المشكلة أي الغازات الدفيئة التي نسعى أصلا للتخلص منها، وهذا لن يكون خيارا منطقيا، فنحن نعمل فقط بالطاقات المتجددة وهي ما سنحتاجه، كما أننا في حاجة إلى طاقة التخزين التي تتعلق بالخصائص الجيولوجية لكل منطقة في الأرض وهذا العامل طبعا خارج عن نطاقنا. يجب أيضا أن تتوفر إرادة سياسية قوية. نذكّر هنا أن عملنا في إيسلندا استند لدعم عدد من العلماء المحليين لكن أيضا لوجود إرادة السياسيين في هذا البلد، الذين يطمحون لتطوير هذه التكنولوجيا. أشير أيضا أن لدينا مشاريع مماثلة في النرويج ودول أخرى مثل الولايات المتحدة خصوصا، ونحن مستعدون للعمل في مناطق أخرى مثل كينيا التي تتمتع بخصائص جيولوجية مساعدة.


  • من هم زبائن الشركة؟

اليوم، نحن نعتبر أن نموذج عملنا هو فعلا خدمة لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون في سوق تطوعية إذ لا توجد حاليا سوق إجبارية للتخلص من هذا الغاز في الجو ولا توجد ضريبة كربون، على الرغم من وجود بعض المساعي في بعض الدول مثل الولايات المتحدة. هذه الخدمة إذا تتعلق بإرادة الشركات في إزالة الكربون والحصول على منتوجات عالية الجودة والمساهمة في الانتقال إلى هذا النموذج الصناعي، خصوصا وأن هذا القطاع قادر على تحقيق 1 تريليون دولار بالنظر إلى أن القدر الضروري لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو يعادل 100 دولار للطن. وبالنسبة إلى زبائننا فهم كثر خصوصا الشركات التقنية المتقدمة في مجال إزالة الكربون من الجو وللتي تملك سياسة مناخية مثل ميكروسوفت، شوبيفاي، بي سي جي، ذي إيكونوميتس، يو بي أس، ولكن أيضا الشخصيات مثل بيل غايتس، لدينا عقود معهم لعشرات السنوات وهو يشترون خدماتنا ما يعتبر بالنسبة لنا استثمار يسمح بضمان الاستجابة إلى الطلب على خدماتنا، من خلال بناء مصانع جديدة. نحن لا نزال في بداية المشوار لكن لدينا تكنولوجيا يجب أن نستمر على تطويرها.

  • كيف تردين على من يقول إن مثل هذه المشاريع هي ضوء أخضر لمنتجي الوقود الأحفوري؟

أولا يجب أن أقول إنه من الجيد أن تكون هناك مجموعات حذرة تراقب التغير المناخي ونحن لدينا أصلا نفس الخطاب مثلهم. نحن نعمل على نفس المسار أي التصدي للتغير المناخي، كما أننا نتفق مع ما يقوله العلماء في هذا الصدد، أي ضرورة الخفض الجذري للانبعاثات بنسبة 90 بالمئة، وما يتبقى من الانبعاثات تُمكن إزالته من الجو. من هذا المنطلق، نحن نسعى لبناء إمكانيات تسمح لنا بتحقيق هذه الإزالة في أفق 2050. لكن العالم اليوم في حاجة ماسة إلى خفض الانبعاثات، وهذه الحقيقة هي أمور نتحدث عنها سواء من خلال موقعنا الإلكتروني، ولكن أيضا في بياناتنا الإعلامية. نحن متفقون تماما مع وجهة النظر العلمية، لكن للأسف لم يتم بعد تحقيق الطموحات التي كانت معلنة منذ السنوات والعقود الماضية. يجب أن نعترف اليوم بحقيقة أنه باتت تجب إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو، لكن لا يمكن بأي حال أن نترك الطبيعة تقوم بهذا العمل لوحدها. عملنا إذا يأتي للمساهمة في التخلص من الكربون لكن من خلال احترام البيئة عبر استغلال الطاقات المتجددة لتفادي استخدام الوقود الأحفوري. كما نعمل أيضا مع شركات تعمل في معظمها على مواجهة الانبعاثات من خلال الخفض وأيضا الإزالة. لا نملك الوقت ولا الخيار ويجب التحرك بسرعة. نتمنى أن يفهم الناس بأن إزالة الكربون هي فقط وسيلة من بين أخرى تتكامل في هذا السياق لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة.

 

أمين زرواطي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى