من الإغاثة إلى إعادة الإعمار.. الأقمار الاصطناعية عيون من الفضاء على زلزال تركيا وسوريا
نشرت في: 15/02/2023 – 10:38
تعمل فرق الإنقاذ في تركيا وسوريا بلا كلل لإسعاف من هم في حاجة للعون أو العثور على ناجين رغم تضاؤل الآمال بعد مضي أسبوع على الزلزال الذي أوقع أكثر من 37 ألف ضحية. وفي السماء، وظّفت 17 وكالة فضاء من مختلف دول العالم 257 قمرا اصطناعيا للمساهمة في جهود الإغاثة الميدانية خصوصا من خلال الخرائط. لفهم هذه المهمة، حاورنا ليندا توماسيني خبيرة التطبيقات الفضائية الدولية في المركز الوطني للدراسات الفضائية بفرنسا (CNES).
تستمر جهود الإنقاذ والإغاثة في تركيا وسوريا بعد الزلزال العنيف والمدمر الذي ضرب المنطقة الإثنين 6 فبراير/شباط 2023 بقوة بلغت 7.8 درجات على سلم ريختر.
ورغم تضاؤل الآمال في العثور على ناجين بعد مرور أسبوع على الكارثة التي أودت بحياة أكثر من 37 ألف شخص، وفق آخر إحصائية لوكالة رويترز الثلاثاء، لا تزال فرق الإنقاذ تتمسك بالأمل.
وعلى غرار الجهود الميدانية التي تقوم بها الفرق العاملة على الأرض والتي تلقت دعما دوليا كبيرا، يعمل العلماء من 17 وكالة فضاء من مختلف دول العالم على جمع البيانات المتعلقة بالزلزال وتقديمها للمنقذين خصوصا صور الأقمار الاصطناعية وأيضا الخرائط.
WorldView animation over the city of Islahiye before and after the #earthquakes in #Turkey. Collapsed buildings are noticeable in the aftermath, particularly near the centre of the image. White tents and emergency vehicles can be seen throughout the area after the earthquakes. pic.twitter.com/oih0igw4KS
— Disasters Charter (@DisastersChart) February 8, 2023
- تشوهات أرضية ضخمة
ولتسليط عيون تلك الأقمار على المناطق المنكوبة، قامت هيئة إدارة الكوارث والمخاطر التركية صبيحة الإثنين الماضي عند الساعة 7:04 بالتوقيت المحلي بتفعيل الميثاق الدولي “الفضاء والكوارث الكبرى” حتى يتسنى استغلال تلك الأقمار لإدارة الكارثة، وفق ما هو معمول به حسب ما قال المركز الوطني للدراسات الفضائية بفرنسا (CNES). وبالنسبة إلى سوريا يضيف نفس المصدر، فقد قامت الأمم المتحدة من جانبها بتفعيل الميثاق عند الساعة 11:29 بالتوقيت المحلي من خلال معهدها للتدريب والبحث (UNITAR).
من جهته، نشر مرصد كوبرنيكوس لمراقبة الأرض والغلاف الجوي التابع للاتحاد الأوروبي الإثنين بعد أسبوع على الزلزال، آخر البيانات التي جمعها حول زلزال تركيا وسوريا بما في ذلك الصور، والخرائط التفصيلية لتصنيف الأضرار.
وقال المركز في بيان على موقعه إن هذا الزلزال كان قويا لدرجة أنه تسبب في إحداث تشوهات أرضية ضخمة، وأعلن عن إنشاء مخطط توضيحي باستخدام بيانات الرادار التي حصل عليها القمر الصناعي Copernicus Sentinel-1 في مدار تصاعدي ما بين 28 يناير/كانون الثاني و9 فبراير/شباط. وأوضح بأن “المناطق ذات الإزاحة الأكبر هي تلك القريبة من صدع الأناضول حيث يشير تحليل بيانات الرادار إلى إزاحة على طول خط رؤية القمر الصناعي بحوالي 4 أمتار”.
- استجابة عالمية وتوظيف لـ 257 قمرا اصطناعيا
شكّل زلزال تركيا وسوريا محطة جديدة من محطات التضافر الإنساني لمواجهة الأزمات والكوارث الكبرى، مع تهافت أكثر من دولة على المنطقة للمساهمة بجهود الإغاثة والإنقاذ ومد يد العون للمنكوبين. حتى إن القوى الكبرى المتناطحة في أكثر من بؤرة في العالم، أي الدول الغربية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، تناست على ما يبدو لوهلة ما يفرقها ولم تتوان عن الكشف عن صور أقمارها الاصطناعية الخاصة بالكارثة لتميط اللثام عن المزيد حول ما حدث في ذلك اليوم، مثل صور الصدع الذي نجم عن الزلزال.
في هذا السياق، نشرت وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس في 9 فبراير/شباط على قناتها في تلغرام، صور أقمارها الاصطناعية لتداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا في مدينة إسكندرون. بدورها، نشرت وكالة الفضاء الصينية صور قمرها الاصطناعي “تشاوهو-1” وهي تنشر بشكل مستمر المزيد من تلك الصور على حسابها في تويتر.
تعليقا على هذه المسألة، توضح ليندا توماسيني: “في الحقيقة، أعتقد أن أهمية الأقمار الاصطناعية تتجسد من خلال تقديمها لرؤية شاملة للكارثة وتأثيراتها، وتكمن قوتها في قدرتها على تقديم معلومات متنوعة لإرشاد خدمات الطوارئ إلى المناطق المتضررة من خلال رسم خرائط الأضرار بسرعة. إجمالا فالأقمار الاصطناعية تقدم لنا بيانات لم نكن لنتمكن من الحصول عليها بوسائط أخرى بما في ذلك الطائرات بدون طيار مثلا والتي هي محدودة للغاية في هذا المجال. ويمكن استغلال الأقمار الاصطناعية لإدارة مثل هذه الأزمات من خلال الميثاق الدولي للفضاء والكوارث الكبرى، الذي سمح بتوظيف أسطول هائل من الأقمار بلغ 257 قمرا اصطناعيا من 17 وكالة فضاء والتي كان في الإمكان استغلالها بسرعة كبيرة لالتقاط الصور، وتوضيح المعلومات المتعلقة بسبل تقديم الدعم والإغاثة”.
تضيف محدثتنا: “على الصعيد العلمي وعلى سبيل المثال في حالة زلزال تركيا، لدينا فريق من العلماء الذي تمكنوا من قياس الصدع الذي تسبب في الهزة الأرضية. أود إضافة أن الأقمار الاصطناعية لها دور في مرحلة إعادة الإعمار خلال الأشهر أو السنوات التي تلي الكارثة وليس فقط خلال مرحلة الأزمة. كما توفر الأقمار الاصطناعية معلومات ثمينة حول الاحتياجات المحتملة في مجال إعادة الإعمار والتي ستحتاجها الأطراف المانحة لتحديد الميزانية اللازمة لتنفيذ مشاريعها”.
- نوعان من الأقمار الاصطناعية لهما دور فعّال في إدارة الأزمات
وتقول العالمة في المركز الفرنسي للدراسات الفضائية: “توفر الأقمار الاصطناعية حاليا كم هائل من المعلومات. ويمكن تصنيف نوعين من الأقمار التي يمكن استخدامها: الأقمار الاصطناعية التي تلتقط صورا كالصور التي نراها على غوغل على سبيل المثال، ولكن هناك أيضا الرادارات والتي يمكن الرؤية بواسطتها على مدار السنة خصوصا في حال كانت السماء ملبدة بالغيوم، وبالتالي فالنوع الثاني مفيد للغاية حيث يتيح الحصول على الصور حتى في حالة الجو الممطر. لدينا خبراء يقومون بمعالجة تلك الصور لاستخراج المعلومات المفيدة، سواء تعلق الأمر بالصور الخاصة بالصدع ولكن يمكن أيضا خرائط الرسوم السطحية. يمكننا إنشاء خرائط للمناطق المتضررة حتى بالنسبة للحرائق، وأيضا نستطيع تحديد المباني التي تضررت، لكن للأسف لا يمكن لنا الحصول على بيانات تتعلق بوجود الناجين تحت الأنقاض مثلا. أعتقد أن الهدف من خرائط الأضرار هذه قد تكون معرفة مكان المناطق الأكثر تضررا والأمكنة ذات الأولوية لخدمات الإنقاذ. بعد ذلك، من المفيد أيضا معرفة كيف ينظم السكان أنفسهم بعد الزلزال لأنهم، على سبيل المثال، سيذهبون ويستقرون في ملعب أو صالة رياضة كما يحدث حاليا. هناك صور للزلزال في تركيا أظهرت مجموعات من الناس الذين ينامون في السيارات، لذلك فهي أيضا معلومات لخدمات الطوارئ تمنحهم نظرة عامة على مستجدات الوضع”.
- دور أساسي للأمم المتحدة بعد زلزال سوريا
لم تتم الاستجابة الدولية للزلزال في تركيا بنفس الطريقة التي حدثت مع سوريا، حيث إن الأولى فعّلت بنفسها ميثاق الفضاء والكوارث، فيما كان على السوريين الاعتماد على دور الأمم المتحدة. توضّح ليندا توماسيني في هذا الشأن: “عموما، خضعت فرق الإنقاذ للتدريب لفهم البيانات التي تقدمها وكالات الفضاء وصور الأقمار الاصطناعية، لذا فإن المبدأ هو أن يكونوا مستخدمين مفوضين للميثاق (الفضاء والكوارث الكبرى)، ويجب أن يكونوا قادرين أيضا على التحدث باللغة الإنكليزية. كما يجب أن تكون تلك المعلومات موزعة بشكل مركزي لتستفيد منها كافة فرق الحماية المدنية والمسعفين. في هذا المجال، تلعب الفرق التابعة لمنظمات الأمم المتحدة كما هو الحال في سوريا مثل منظمة UNITAR دورا رئيسيا، حتى إن معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث هو من قام بتفعيل الميثاق من أجل السوريين بعد وقوع الزلزال وهم الذين ينشرون المعلومات بعد ذلك، حيث إن السكان في سوريا هم أقل استعدادا لمواجهة مثل هذه الأزمات”.
- مشاكل تقنية وليس سياسية
من ناحية أخرى، تثير مسألة توجيه الأقمار الاصطناعية لرصد مناطق معينة في دول ما مثلما هو الحال بالنسبة لسوريا، هواجس تتعلق بالأمن القومي والمخاطر من التعرض للتجسس، لكن محدثتنا تطمئن ههنا بأن نشر الصور التي تم التقاطها آمن وهو يتم بعد استشارة الأجهزة الأمنية المخولة في فرنسا بالنسبة لحالة المركز الوطني للدراسات الفضائية هنا. وتقول خبيرة التطبيقات الفضائية الدولية: “هناك حساسية تتعلق بالجانب الأمني بالنسبة للصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية خصوصا كونها عالية الجودة، وفي هذا الإطار قمنا بنشر الصور التي التقطناها للمناطق المتضررة بعد التشاور مع الأجهزة الأمنية في فرنسا التي أكدت لنا أنه يمكن نشرها وهي لا تشكل حساسية أمنية”.
لكن ليندا توماسيني تردف بالقول بأن عمل الأقمار الاصطناعية يواجه عادة وليس فقط في حالة زلزال تركيا وسوريا، مشاكل تقنية تتعلق عموما بالزمن الذي يتطلبه توجيهها نحو مناطق معينة من الأرض وموقع تواجدها في مدار الكوكب أو تحديد الأقمار الاصطناعية المناسبة والتي يمكن الاستعانة بها بشكل فوري، وهي تؤكد أنها ليست مشاكل سياسية حيث إن الأطراف الدولية تتعاون في هذا المجال خصوصا من خلال الميثاق الدولي للفضاء والكوارث الكبرى. وهي تقول إن “هناك العديد من العلماء المهتمين بالتطوع لتقديم معلومات إضافية حول إدارة الأزمة الناجمة عن زلزال تركيا وسوريا، وإن واجهنا إشكاليات فهي ذات طبيعة تقنية وليس سياسية. روسيا هي أيضا عضو في الميثاق الدولي وكل ما تقدمه من صور للأقمار الاصطناعية يمر عبر هذا الإطار مثل بقية الدول. نحن نعمل معا كشركاء دوليين في الميثاق. وفي الحقيقة يتم العمل وفق مركزية توفير ونشر البيانات وعادة ما نتشارك في كل شيء ولا يعمل كل طرف على حدا”.
أمين زرواطي
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook