آخر الأخبارأخبار دولية

كارثة داخل كارثة… يعيشها اللاجئون السوريون في المدن التركية المنكوبة إثر الزلزال المدمر

نشرت في: 14/02/2023 – 07:14

ترصد لنا موفدتنا الخاصة إلى تركيا في هذا الريبورتاج تداعيات أزمة إيصال المساعدات للمنكوبين في كيليس -البلدة التركية القريبة من الحدود السورية- حيث عاش اللاجئون الزلزال العنيف في 6 فبراير/شباط. تأتي هذه الكارثة لتزيد الأمر تعقيدا بالنسبة إلى أولئك الذين فروا من ويلات الحرب التي تعصف بسوريا منذ 2011. وتضاف هذه الصدمة إلى تلك الناجمة أصلا عن ذاكرة القنابل ونيران المعارك وأيضا عن معاناة اللجوء وقسوته.

“أنا خائف… أخشى من الموت. لا أستطيع التنفس. استغرق الأمر دقيقة ونصف ليتدمر منزلنا”. منذ ليلة الكارثة في 6 فبراير/شباط حين اهتزت الأرض في جنوب تركيا وشمال سوريا، فقد أحمد (اسم مستعار) القدرة على النوم حتى احمرت عيناه. وهو الآن يتواجد في قاعة الألعاب الرياضية بجامعة كيليس التي تم تحويلها إلى مركز لاستقبال ضحايا الزلزال.

لقد بات هذا الطالب السوري الذي يعيش في المدينة منذ اثني عشر عاما يرتجف مثل الورق. إنه مصدوم بشدة بسبب الهزات الارتدادية، حتى إنه لا يعرف سبيلا إلى الطمأنينة أو الهدوء. “أنا أحدق إلى الجدران طيلة الوقت” يقول أحمد وهو ينظر حوله. يضيف: “نحن نواصل العيش هنا. لا نريد أن نموت. لكننا هنا أفضل من أي مكان آخر”.

 

تستقبل صالة الألعاب الرياضية المدفأة تلك 2500 شخص وبينهم العديد من الأطفال. على الأرضية، بعض السجادات والبطانيات. فيما ينام البعض، يجلس الآخرون على المدرجات أو أسفلها. الكثير منهم سوريون. لأن كيليس تقع على بعد كيلومترات قليلة من الحدود مع سوريا.

  • صدمة مزدوجة للاجئين السوريين

استقبلت تركيا منذ 2011 ما لا يقل عن 3.6 مليون شخص فروا من الحرب في سوريا. عاشوا كلهم تحت القنابل وبين نيران المعارك. وفيما لا يزال الكثير منهم في غالب الأحيان مصدومين، وقلقين بسبب ذلك الشعور بعدم الأمان، أعاد الزلزال فتح جروح لم تندمل بعد.

يتواجد علاء الدين في تركيا منذ تسع سنوات. ويعمل في مجال السياحة بمدينة ألانيا. وفي حين كان بمدينة كيليس للقيام ببعض الإجراءات الإدارية ارتجت الأرض. وهو يروي: “وجدت نفسي عالقا. جئت إلى هنا للنوم منذ الساعات الأولى التي أعقبت الزلزال”. يضيف علاء الدين الذي استقر في المدرجات: “نحن بخير هنا. الجو حار، ولدينا سقف. حاليا نحن بأمان. يوجد طعام، وكل ما يلزم وهم يعتنون بنا”.

علاء الدين، لاجئ سوري في تركيا، لم ير عائلته منذ 9 سنوات. © آسيا حمزة موفدة فرانس24.

 

تدب الحركة فجأة في ربوع الصالة الرياضية عند حوالي الساعة 1:30 ظهرا. وصلت للتو مجموعة صغيرة من النساء والرجال يرتدون ملابس حمراء: لقد حان وقت الغداء. إنهم أفراد الهلال الأحمر التركي الذين سيتولون التوزيع. لقد تم إعداد الطاولات في نهاية الصالة. بسرعة، يتشكل طابوران، النساء والأطفال في جانب والرجال في الجانب الآخر.

تقول آن سيسيل نيار منسقة اللوجستيات في منظمة أطباء بلا حدود في سوريا: “منذ ثلاثة أيام، موّلت منظمة أطباء بلا حدود ثلاث وجبات ساخنة”. وهي توضح بأن المنظمة توفر خدماتها لحوالي 6000 شخص يوميا، لكنها تضيف أن ما بين 9000 و11000 شخص هم في خارج المركز، ليس بالضرورة في الملاجئ التي أقامتها السلطات. ينامون أحيانا في سياراتهم، لكنهم ما زالوا يأتون لتناول وجبة ساخنة. إنه أمر مهم”.

 

وتتواجد هذه المنظمة الفرنسية غير الحكومية في تركيا لتقييم الاحتياجات المحلية. وقد أفادت في هذا الشأن: “حيثما توجد خيام، لا يوجد دائما ما يكفي من البطانيات. لقد أخذ الناس ما أمكنهم من منازلهم، لكن غالبا ليس الكثير. هذا هو أساسا ما تطلبه السلطات”.

  • “أود مخاطبة العالم بأسره: يجب تقديم المساعدة لسوريا”

يفتش علاء الدين في حقيبته البلاستيكية. هذا الرجل الخمسيني صاحب النظرة البراقة بات وحيدا. فزوجته وأبناؤه الثلاثة في دمشق. وهو يقول: “لقد اشتقت إليهم كثيرا. تسع سنوات. ليس يوما أو عاما. تسع سنوات” يقول علاء الدين متأثرا، وهو يضيف: “أتحدث إليهم عبر الواتساب عندما تعمل شبكة الإنترنت. هناك، الأمر مقعد أكثر مما هو هنا. أود مخاطبة كل العالم: يجب تقديم المساعدة لسوريا. هنا، من السهل الحصول عليها. هناك، من المستحيل. هذا صعب للغاية”.

تعم الفوضى على الجانب الآخر من الحدود. ففي ظل النقص الحاد في المعدات، كانت عمليات البحث تتم أحيانا بالأيدي، وبالكاد كانت هناك إضاءة بالمصابيح الكهربائية. لقد بقي المئات محاصرين لساعات تحت الأنقاض بدون أن يكون من الممكن انتشالهم، بسبب نقص المنقذين. في سوريا، المستشفيات مكتظة، يحاول الناس في الشوارع البقاء على قيد الحياة، من دون بطانيات أو طعام، في عز البرد القارس. وفق تقرير موقت من الحكومة ومن رجال الإنقاذ في مناطق المعارضة، فقد لقي ما لا يقل عن 3500 شخص مصرعهم، معظمهم في المناطق المناهضة لبشار الأسد.

لم يتمكن السوريون، الذين يعانون أصلا منذ سنوات من آلام الحرب، حتى الآن من الاستفادة من كل المساعدة التي هم في أمس الحاجة إليها. وضع يمكن أن يتغير بعد آخر تصريحات للرئيس السوري. ومن ثمة بات من الممكن إرسال المساعدات الدولية الموجهة إلى مناطق المعارضة من مناطق سيطرة  النظام. كما تضاعفت الأصوات المطالبة بـ “وقف فوري لإطلاق النار”. هذا، وقدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن 5.3 مليون شخص قد ينتهي بهم المطاف في الشوارع بسوريا.

شرعت منظمة أطباء بلا حدود، التي تنشط أصلا في سوريا، في تقديم المساعدة. حيث تم توزيع المعدات الطبية على نحو ثلاثين مستشفى ومنشأة صحية في مناطق أعزاز وعفرين ومارع وباب الهوى. كما تم إرسال الكوادر الطبية بما في ذلك الأطباء الجراحون على عجل لعلاج الجرحى. ومن الناحية اللوجستية، نصبت الخيام لإدارة عملية تدفق الجرحى كما تم افتتاح نحو عشرين مركز استقبال بالمخيمات أو في محيطها بمحيط إدلب. إضافة لذلك، تم توزيع البطانيات والأغطية البلاستيكية وأدوات ومعدات للنظافة والمطبخ، ما يسهّل إدارة حالة الطوارئ هذه.

 

على الجهة الأخرى من الحدود، في تركيا، تقدم منظمة أطباء بلا حدود أيضا الدعم للمنظمات المحلية مثل الهلال الأزرق الدولي (IBC). يوضح حكيم الخالدي رئيس البعثة للعمليات في سوريا: “هدفنا هو مساعدة الناس بفضل القسم الطبي عبر توفير الرعاية الصحية وكل ما هو ضروري: البطانيات ومستلزمات النظافة والطعام”.

وحتى ولو كانت الطوارئ هي تقديم الرعاية للجرحى في المستشفى، فإن منظمة أطباء بلا حدود تذكّر بأهمية التفكير بالمرحلة اللاحقة. يوضح نفس المصدر: “يجب توفير المتابعة الطبية لعلاج إصاباتهم عند عودتهم إلى المنزل، وخاصة الكسور، كما يجب ضمان استمرارية الرعاية، بمعنى متابعة حالة المرضى بعد خروجهم من المستشفى”.

يدخن أحمد السيجارة تلو الأخرى. هذا الشاب الذي كان يحلم بمكان آخر.. بباريس. بشريحة الخبز المحلاّة بالشوكولاتة التي سيستمتع بها مع كوب القهوة. يستحضر سلسلة أفلام نتفليكس “إيميلي في باريس”، تضيء ابتسامة عريضة وجهه. يهمس هذا الطالب: “القنابل في سوريا.. والآن هذا.. الملائكة قادمون لأخذهم.. الناس يموتون بالمجارف” لكن أحمد يعلم أنه لا يستطيع المغادرة. وهو يردف: “كيف؟ ليس لدي مال. نحن (السوريون) لا يحق لنا العمل [200 ألف تصريح عمل صادر عن السلطات منذ 2016]. لا يمكنني ترك والدتي وإخوتي هنا”.

في صالة الألعاب الرياضية، توتر الأعصاب سيد الموقف أحيانا. يضاف الكثير من الألم لأولئك الذين فروا من سوريا وصدمة الحرب، إلى الهزات الأرضية. تقول آن سيسيل نيارد: “كثيرون هم من يعيش في مبان ومن هم في الطوابق لا يريدون العودة إلى منازلهم على الإطلاق. الأطفال مصابون بصدمة نفسية والبالغون أيضا. فهم لا يريدون العودة إلى منازلهم ليلا، بل يفضلون النوم في الخارج”.

 

يؤكد حكيم خالدي على أن ضمان الرعاية النفسية هي أيضا حالة طارئة. وهو يقول: “الصحة العقلية مهمة. في نورداغي، وفي إصلاحية، وفي المستشفيات والملاجئ في مدينة غازي عنتاب، قيل لنا إننا بحاجة إلى إذن من مسؤول الصحة في منطقة غازي عنتاب”.

تقول آن سيسيل نيارد بأن الوقت، الكثير من الوقت. هو المطلوب لعلاج هؤلاء الضحايا الذين يعانون أحيانا من متلازمات ما بعد الصدمة المرتبطة بالحرب والنفي. وهي توضح: “لا يمكن للسلطات التركية إبقاء هؤلاء الأشخاص في الخيام لأشهر، علما بأنه سيتعين تدمير المباني المتصدعة كثيرا لأنها خطيرة للغاية”. سوف يهدمونها ويعيدون البناء. سيستغرق الأمر أشهرا أو حتى سنوات. سيغادر البعض المنطقة للالتحاق بعائلاتهم في أماكن أخرى بتركيا. بالنسبة للآخرين، على المدى الطويل، أعتقد بأن السلطات ستضطر إلى وضعهم إما بالفنادق أو ما يعادلها. الأمر معقد، لكن البلاد شهدت بالفعل زلازل كبيرة. وللأسف، اعتادت السلطات على ذلك”.

النص الفرنسي: آسيا حمزة موفدة فرانس24 الخاصة لتركيا | النص العربي: أمين زرواطي

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى