آخر الأخبارأخبار محلية

هكذا يتمّ نسف أساسات بكركي

كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي يعرف منذ اللحظة الأولى، التي قَبِل فيها ولو على مضض تلقف كرة نار البطاركة المسيحيين، أن أي لقاء مسيحي في بكركي لن يُكتب له النجاح. وعلى رغم أن المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرّتين رأى أن لا ضير في المحاولة حتى لا يُكتب في كتب التاريخ أن البطريرك الماروني لم يحاول، ولأكثر من مرّة، أن يجمع كلمة المسيحيين، وبالتحديد الموارنة منهم. 

 

فتجربة بكركي في جمع القادة الموارنة لم تنجح في الماضي، وهي حتمًا لن تنجح اليوم ولا حتى في المستقبل. كمّ من مرّة حاول البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير جمع الجنرال ميشال عون ورئيس “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع لإنهاء “حرب الإلغاء” ولم ينجح. وبقي التراشق المدفعي بين المناطق المسيحية يحصد أرواح الأبرياء من دون فائدة، فضلًا عن أن أكبر هجرة مسيحية سُجّلت في الفترة التي تولّى فيها عون رئاسة الحكومة العسكرية. 

 

ولكي يُقال أنه كان من الممكن جمع ما لا يُجمع قَبِل الراعي السير بهذا التحدّي، وهو الذي يعرف أكثر من غيره عمق الهوّة التي تفصل بين “معراب” و”ميرنا الشالوحي”، خصوصًا أن تردّدات هذا الخلاف بين الطرفين المسيحيين الأقوى قد وصلت مفاعيلها إلى داخل جدران بكركي، المفترض أن تكون محصّنة أكثر من غيرها ضد “الهزّات السياسية”، وألا تتأثرّ بها سلبًا. 

من تابع الحملات المتبادلة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في اليومين الأخيرين أدرك أن لا بصيص أمل يُرجى من أي محاولة لجمع الأضداد، أو كما يُقال “الأخوة – الأعداء”، وهو عنوان مقتبس عن رواية للكاتب الروسي فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي. وقد أعادت هذه الحملات تذكير من لم ينسَ بعد بأن “خبرية أوعى خيّك” لم تعمّر طويلًا، وهي تحوّلت في لحظة الخلاف على الاستئثار بالسلطة ومغانمها من تقارب ظرفي هشّ إلى تباعد غير مسبوق حتى في عزّ “حرب الالغاء”، فضلًا عمّا تركه هذا التباعد والخلاف على المستوى العمودي من آثار سلبية جدًّا على المستوى الأفقي، حيث سيطر الحقد والكره حتى داخل البيت الواحد، بين الأخ وأخيه، أو حتى بين الزوج وزوجته. 

 

وهكذا وقبل أن يخطو بطريرك الموارنة، مكّلفًا من أخوته البطاركة، خطوته الأولى، حتى جاءه من يقول له “ما فرّقته الأرضيات لا يمكن جمعه حتى بالصلوات”. فكل طرف من أطراف النزاع يحاول التلطّي وراء من يسبق لرفض التجاوب مع أي دعوة يمكن أن توجّهها بكركي للنواب المسيحيين الـ 64، حتى لا يكون هو السبّاق في “فركشة” أي مسعى توافقي.  

 

فالخلاف بين “التيار” و”القوات” أكبر من أن يُحّل تحت سقف بكركي. وثمة من يقول إنه حتى ولو تمكّن الراعي من جمع “خرافه” بأعجوبة ربانية، فإنه من رابع المستحيلات التوصّل إلى الحدّ الأدنى من التوافق على الملف الرئاسي، خصوصًا أن رئيس “التيار” السيد جبران باسيل مقتنع بصوابية ترشّحه لرئاسة الجمهورية على طريقة “أنا أو لا أحد”، فضلًا على إصرار رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية على خوض هذه المعركة تحت عنوان “الرئيس التوافقي”، مع تمسّك “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب اللبنانية”، ومعهما عدد من النواب المسيحيين المستقلين، بخيار النائب ميشال معوض أو أي مرشح آخر بالمواصفات ذاتها. 

 

فعن أي حوار يحاول البطريرك الراعي التفتيش، وعن أي تفاهم أو توافق، وعن أي “مشتركات”؟ فالتفتيش عن إبرة في جبل من القشّ لأسهل بكثير من محاولة التفتيش عن جمع الأضداد تمامًا كمن يحاول جمع السلبي مع إيجابي مغنطيس واحد. ويبقى الحكم في النهاية للتاريخ ولعنة الأجيال. 

ولمن عاتبني على قساوة مقال “مار مارون حزين” أردّ بصمت حزين. 
  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى