سوريا: هل يستغل الأسد تضامن دول عربية مع بلاده لتطبيع العلاقات معها؟
نشرت في: 10/02/2023 – 14:44
بعد الكارثة التي زلزلت سوريا وتركيا، يسعى الرئيس السوري بشار الأسد، حسب مراقبين، إلى استغلال الوضع الإنساني ببلاده في محاولة للتطبيع مع محيطه الإقليمي العربي. وتسير العملية في الوقت الحالي “ببطء لكنها تتقدم”، حسب الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس. إلا أن باحثين آخرين يقللون من أهمية تداعيات التضامن الحاصل مع سوريا على المستوى السياسي، خاصة وأن الأزمة الإنسانية، وفق هيراس، “لن تبرأ نظامه أمام الدول الغربية”، التي تفرض عليه عقوبات اقتصادية صارمة منذ اندلاع النزاع.
يرى مراقبون أن الزلزال الذي ضرب تركيا ومعها سوريا قد يستغله الأسد لصالحه، ويعتبره “فرصة” لتسريع عملية تطبيع علاقاته مع محيطه الإقليمي العربي، لاسيما وأنه تلقى سيل من الاتصالات والمساعدات من قادة دول عربية تضامنا مع بلاده.
وبحسب الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس، فإن “المأساة المروعة التي عصفت بسوريا وتركيا هي فرصة واضحة للأسد من أجل محاولة دفع عملية تطبيع نظامه مع بقية العالم العربي، والتي إن كانت تسير ببطء لكنها تتقدم”. لكن الأزمة الإنسانية، وفق هيراس، “لن تبرأ نظامه أمام الدول الغربية”.
قادة وملوك دول عربية يتضامنون مع محنة الشعب السوري
وسارع قادة وملوك دول عربية عدة إلى التواصل مع الأسد وإبداء تضامنهم مع محنة الشعب السوري الذي أنهكته سنوات الحرب الطويلة، قبل أن تحط طائرات المساعدات تباعا في مطارات دمشق وحلب واللاذقية.
إلى جانب حلفائه التقليديين، تلقى الأسد الثلاثاء اتصالا من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، أكد فيه “تضامن” بلاده واستعدادها “لتقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة”.
وهذا الاتصال هو الأول من نوعه بين الرجلين منذ تولي السيسي السلطة في مصر العام 2014، رغم محافظة البلدين على علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود.
وبعد بضعة أيام عن الزلزال المدمر أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد الخميس قراراه رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا في خطوة تمهد لإعادة العلاقات بشكل كامل مع نظام الرئيس بشار الأسد. واعتبر سعيّد الذي قطعت بلاده العلاقات مع دمشق قبل 10 سنوات بسبب انتهاكات بحق محتجين، أن قضية النظام السوري شأن داخلي وأن السفير يعتمد لدى الدولة وليس النظام.
وتلقى الأسد كذلك اتصالا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد. وقد استأنفت الدول الخليجية علاقاتها مع دمشق العام 2018، بعد خطوة مماثلة من دولة الإمارات التي تقود جهود الإغاثة الإقليمية إلى سوريا وتعد بتقديم مساعدات لا تقل عن مئة مليون دولار.
ونقل وفد وزاري لبناني مكلف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى الأسد استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال مساعدات ترد إلى سوريا من أي دولة أو جهة.
ويعد هذا أول وفد وزاري رسمي يزور دمشق منذ اندلاع النزاع، رغم توجه وزراء إليها بمبادرات شخصية سابقا، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة قد اتبعت سياسة “النأي بالنفس” عن النزاع في سوريا.
وتعهّدت المملكة العربية السعودية التي قطعت علاقاتها مع نظام الأسد العام 2012 وقدمت دعماً بارزا للمعارضة في مراحل النزاع الأولى، تقديم مساعدات إلى مناطق متضررة تتضمن مناطق تحت سيطرة القوات الحكومية.
وقال مصدر في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إن المساعدات ستّرسل مباشرة إلى مطار حلب الدولي وإلى الهلال الأحمر السوري ومقره في دمشق، مؤكدا في الوقت ذاته أنه ما من قنوات تواصل مباشر مع الحكومة السورية.
وبدأت قطر التي قدمت دعما لفصائل مسلحة معارضة للأسد، تقديم مساعدات تشمل البلدين المنكوبين.
“فرصة كبيرة”
ويرى هيراس أن لدى الأسد “فرصة كبيرة لمحاولة تحويل هذه المأساة إلى قناة واضحة ومفتوحة أمام مشاركة دبلوماسية مستدامة”.
لكن باحثين آخرين يقللون من أهمية تداعيات التضامن الحاصل مع سوريا على المستوى السياسي.
ويعتبر الباحث في مركز سنتشري انترناشونال آرون لوند “إنها رسائل روتينية سيقدمها هؤلاء القادة لأي رئيس دولة بعد حصول كارثة طبيعية كبرى”.
ويضيف “علينا أن ننتظر ونرى.. هل سيكون هناك المزيد من هذه الاتصالات وهل ستستمر إلى ما بعد الأزمة الحالية؟”.
لكن ذلك لا يحول دون أن “يحاول الأسد أن يستغل اللحظة” خصوصا أن الكارثة قد تقلص المساحة بين دمشق ودول تتردد حتى الآن في تطبيع علاقاتها معها.
ويرى لوند أن المأساة قد تعزز خصوصا العلاقات بين دمشق وأنقرة، الداعمة الرئيسية للمعارضة، بعدما برزت خلال الأشهر القليلة الماضية مؤشرات تقارب بينهما. ويقول “يتشارك البلدان حاليا مشكلة تتخطى الحدود والخلافات السياسية”.
الحائط المسدود
بعيدا عن العالم العربي، يبدو أن جهود سوريا لفك عزلتها على الساحة الدولية تصطدم بحائط مسدود.
ودرجت دمشق على توصيف النزاع الدامي الذي يقترب من بدء عامه الثاني عشر بوصفه “مؤامرة” غربية للإطاحة بنظام الأسد، الذي بدوره يلقي باللوم في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها بلاده على العقوبات الغربية بشكل رئيسي.
وتفرض دول غربية على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية صارمة على سوريا منذ اندلاع النزاع.
لكن سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بسام الصباغ أكد الثلاثاء استعداد بلاده للعمل “مع كل من يرغب بتقديم المساعدة للسوريين”، غداة إعلان وزير الخارجية فيصل المقداد “تقديم كل التسهيلات المطلوبة للمنظمات الأممية في سبيل تقديم المساعدات الإنسانية” إلى بلاده في أعقاب الزلزال الذي يفوق قدرة السلطات على احتوائه.
وطالب رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري خالد حبوباتي من دمشق دول الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن بلاده. وناشد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن تقدم في ظل “الوضع الصعب الذي نعيشه (…) مساعدات إلى الشعب السوري”.
وتقدمت سوريا رسميا بطلب مساعدة من الاتحاد الأوروبي، وفق ما أعلن الأربعاء المفوض الأوروبي يانيز ليناركيتش الذي قال إن المفوضية الأوروبية “تشجع” الدول الأعضاء على الاستجابة لطلب سوريا للحصول على معدات طبية وأغذية، مع المراقبة للتأكد من أن أي مساعدات “لن يتم استخدامها لأغراض أخرى” من قبل حكومة دمشق الخاضعة للعقوبات.
من جهتها، أكدت الولايات المتحدة الثلاثاء أنها تعمل مع منظمات غير حكومية محلية في سوريا لمساعدة ضحايا الزلزال.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحافيين: “نحن مصممون على تقديم هذه المساعدة من أجل مساعدة الشعب السوري على تجاوز هذه المحنة”، مشددا على أن “هذه الأموال ستذهب بالطبع إلى الشعب السوري وليس إلى النظام” في دمشق.
فرانس24/ أ ف ب
مصدر الخبر
للمزيد Facebook