آخر الأخبارأخبار محلية

دون التوقعات والرهانات.. لماذا مرّ اجتماع باريس مرور الكرام؟!

قبل وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا فجر الإثنين الماضي، والذي شعر اللبنانيون بـ”رعبهم”، ولو بدا هذا الرعب أكثر من “ملطَّف” بالمقارنة مع المصائب والكوارث، بل المآسي التي أصابت الشعبين التركي والسوري، كانت كلّ الأنظار في لبنان موجّهة نحو باريس، حيث كان يفترض أن يعقد اللقاء العربي الدولي الخماسي المخصّص للشأن اللبناني، والذي بدأ التحضير له منذ فترة طويلة.

 

وبالفعل، عقد هذا الاجتماع، بحضور ممثلين عن كل من فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، إلا أنّ “المفاجأة” كانت أنّه مرّ “مرور الكرام”، إذ لم يصدر بيان ختامي مشترك عنه، على أن يصدر بيان عن وزارة الخارجية الفرنسية بشأنه في وقت لاحق، وفق المعطيات المتوافرة، وهو بيان لن يتعدّى على الأرجح الشعارات والعناوين العريضة المعروفة لجهة حثّ اللبنانيين على انتخاب رئيس وتشكيل حكومة.

 

وإذا كان “مفهومًا” أن يتراجع هذا الاجتماع في سلّم الاهتمامات، على وقع الزلزال الذي جعل اللبنانيين مثل غيرهم منشغلين بالوضع الإنساني الكارثيّ في كل من سوريا وتركيا، وحجّم بالتالي كل القضايا الخلافية التي وُضِعت جانبًا، ولو لبعض الوقت، فإنّ سلسلة من علامات الاستفهام تُطرَح، هل يمكن القول عمليًا إن اجتماع باريس “فشل”؟ وما هي العوامل التي جعلته “دون مستوى الآمال والتوقعات”؟

 

الاجتماع “ضُخّم لبنانيًا

صحيح أنّ عدم حصول اجتماع باريس على “حصّته” من التغطية الإعلامية والمتابعة السياسية كان منطقيًا، في ضوء الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا وسوريا، لكنّ الصحيح أيضًا أن القول إنّ الاجتماع قد فشل “مُبالَغٌ فيه” وفق بعض الأوساط المتابعة، علمًا أنّ المشكلة برأيها تكمن في أنّه “ضُخّم لبنانيًا” منذ اليوم الأول للإعلان عنه، وهو ما دفع المعنيّين به إلى تأجيله في السابق، نظرًا لحجم “الرهانات” غير المنطقية التي وُضِعت على كاهله.

 

ويقول العارفون إنّ اجتماع باريس لم يكن الهدف منه، كما سرّبت بعض الأوساط اللبنانية، إيجاد حلّ متكامل للأزمة، أو اختيار رئيس الجمهورية بالنيابة عن اللبنانيين، ولا حتى وضع “رسم تشبيهي” للرئيس العتيد، من خلال “مواصفات” تنطبق على مرشح محدّد دون غيره، وإنما كان اجتماعًا مخصّصًا لـ”مناقشة” الوضع اللبناني، وربما للضغط على المسؤولين في لبنان للعب الأدوار المنوطة بهم، وليس لاتخاذ أيّ قرارات بالأصالة أو الوكالة عنهم.

 

ومع أنّ هذه الأوساط تشير إلى أنّ “المستوى الدبلوماسي” للمشاركين يعزّز هذا الرأي، إذ كانت الدول المعنيّة ستعمل على رفعه بطبيعة الحال فيما لو كانت أهداف اللقاء “تنسجم” مع ما أشيع لبنانيًا، إلا أنّها لا تؤكد ولا تنفي ما أثير عن “تباينات” بين الدول الخمس، حول “حدود” الدور الذي يجب أن تلعبه، ولو أنّها تصرّ على أنّها، إن وُجِدت، لا ترتقي لمستوى “الخلافات”، باعتبار أنّ هناك تفاهمًا ضمنيًا على الخطوط العريضة، وهنا بيت القصيد.

 

العبرة” من الاجتماع

أما جوهر هذا “التفاهم الضمني”، فيقوم على معادلة أنّ “الكرة في ملعب اللبنانيين”، ولعلّ هذه بالتحديد هي “العبرة” من الاجتماع، ولو انتهى على “إرباك”، تجلى بعدم صدور بيان مشترك فوريّ بشأنه، علمًا أنّ الدول الخمس متّفقة على أنّ “المبادرة الحقيقية” يجب أن تنطلق من قادة لبنان، الذين يقع على عاتقهم انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، تباشر فورًا بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ليصبح أمام المجتمع الدولي عندها فقط ما يفعله للمؤازرة والدعم.

 

وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فعلى أنّ “الرهانات” على الخارج التي لا يزال بعض اللبنانيين يتمسّكون بها غير مجدية ولا مفيدة، فها هو لقاء باريس خرج بلا نتائج مباشرة، وربما لم تُرِد الدول المشاركة فيه سوى إظهار “اهتمامها التواصل” بلبنان، ودحض ما يُحكى بخلاف ذلك، علمًا أنّ انتظار بعض اللبنانيين “كلمة سرّ” من دول الخارج، معطوفًا على مراقبة “حركة” بعض السفراء يمنةً ويسرةً، كلّها عوامل تصبّ في خانة “الظاهرة” نفسها.

 

وإذا كان صحيحًا أنّ هناك من يرمي باللائمة على “استثناء” بعض الدول من لقاء باريس، وفي مقدّمها إيران، باعتبار أنّ أيّ حلّ لا يمكن أن يحصل من دون مشاركتها، أو بالحدّ الأدنى من دون مباركة “حزب الله”، اللاعب الأساسي في المعادلة اللبنانية، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله كان أول من رفع الصوت ضدّ التدخلات الخارجية، داعيًا إلى توافق “وطني” ينهي الأزمة، ما اعتُبِر رسالة “ضمنية” في حينه.

 

فشل اجتماع باريس أو لم يفشل. ليست هذه هي الأزمة الحقيقيّة. فالاجتماع ما كان يمكن أن يصدر منه أكثر من بيان “حثّ”، أو ربما “ضغط”، لكنّه “ضغط” يبقى دون الرهانات الموضوعة على الاجتماع. تبقى “العِبرة” القديمة الجديدة أنّ الحلّ في الداخل فقط، فالخارج يرفض أن يكون “وصيًا” على لبنان، فهل “يتلقّفها” المسؤولون هذه المرّة، أم أنّهم سيفضّلون إعطاء “فرصة أخرى” لرهاناتهم التي يبدو أنّها ستبقى فوق كل الاعتبارات؟!

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى