الحمد الله عَ السلامة… كم نحتاج إلى العناية السماوية؟
“الحمد الله ع السلامة”. هو التعبير الذي حلّ محلّ صباح الخير، سواء في اتصالات الاطمئنان بين اللبنانيين، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ففي ساعات فجر أمس استفاق اللبنانيون على هّزة قوية ضربت تركيا وبعض المناطق السورية، وتسبّبت بكوارث طالت البشر والحجر.
فأمام غضب الطبيعة يصبح الانسان عاجزًا، ويصبح صغيرًا جدًّا بإمكاناته الفردية أمام هول المآسي، على رغم تجبّره وتكبّره، ونراه يلجأ بالتالي تلقائيًا إلى مسيّر الكون بعنايته، إلى خالق هذا الكون ومدبّر شؤونه، ويسّلمه أمره. في مثل هذه الحالات تكثر الأدعية، ويكبر الخوف، وتهون المصائب الأخرى، التي تصبح صغيرة أمام هول المصيبة الكبرى.
لن نخيف اللبنانيين أكثر مما هم خائفون وقلقون إذا قلنا إنهم نجوا بأعجوبة، وذلك بقدرة قادر، وبسبب أدعية أمهاتهم، وما في لبنان من قديسين وأتقياء.
نعم، لبنان يعيش، ومنذ زمن بعيد، “بفضل” المسؤولين فيه “هزّات” متتالية، مع ارتدادات لا تنتهي فصولها، ولن تنتهي. ومع كل ما يمكن أن يتعرّض له هذا البلد الصغير الرابض على فيلق زلازل “نائم”، لا تزال الزلازل السياسية والاقتصادية تشكّل مصدر قلق أكبر من الخوف من تكرار الزلزال، الذي دمرّ بيروت عام 551.
أكثر التعابير الواقعية والجارحة، والتي تناقلتها مواقع التواصل، هي تلك التي تمنى فيها مطلقوها لو أن هذه الهزّة أصابت ضمائر بعض المسؤولين، بعدما أثبتت التجارب أنهم لم يكونوا مسؤولين إلاّ عمّا أصاب اللبنانيين، جميع اللبنانيين من دون استثناء، من ويلات كان في الإمكان تفاديها لو أن المسؤولين عن شؤونهم الحياتية كانوا مسؤولين بما فيه الكفاية.
فلو كان في لبنان مسؤولون مسؤولين بالقدر الكافي، بما تعنيه كلمة مسؤولية من التزام أخلاقي وقيمي لما كان اللبنانيون مضطرّين لأن يقفوا على أبواب الدول ليشحذوا أي مساعدة ممكنة، وذلك بعدما خسروا كل شيء، وبعدما أصبحت حياتهم في البلد، الذي كان الجميع يتمنون لو أن لهم فيه مرقد عنزة، أشبه بعيشة جهنم.
لم يكن ينقص لبنان مصائب تُزاد على المصائب التي يعيشها. ولم يكن ينقصه المزيد من “هزّات البدن”. فما فيه مكّفيه، وهو الذي يعيش كل يوم بيومه، ويسعى إلى تحسين أوضاعه من خلال بعض المبادرات الفردية، التي تبقى مفاعيلها محصورة في مكان وزمان محدّدين. فالمطلوب أكثر من هذه المبادرات المشكورة. المطلوب ايضًا أن يبادر نواب الأمة إلى انتخاب رئيس للجمهورية كمقدمة لا بدّ منها لبدء استعادة دورة الحياة السياسية طبيعتها العادية، من حيث انتظام عمل المؤسسات، وعودة اللبنانيين إلى التقاط أنفاسهم بعدما طالت معاناتهم.
هل تتخيّلون لو صودف، لا سمح الله، أن ضربت هذه الهزّة لبنان ماذا كان حلّ بنا؟ فكم من المباني المتصدعة في العاصمة بيروت وفي طرابلس وفي المناطق الأكثر فقرًا وحرمانًا كانت قد سقطت على رؤوس قاطنيها؟ وكم كان الدمار كبيرًا، وكم كان وجع الناس أكبر من المصيبة نفسها.
اللبنانيون الذين هرعوا إلى خارج منازلهم خوفًا من ارتدادات الهزّة، وخصوصًا أهالي بيروت، عادوا بذاكرتهم إلى تاريخ 4 آب من العام 2020، إلى ذاك الانفجار الرهيب، الذي أودى بحياة المئات، وأصاب الجرحى بالألوف، ودمرّ جزءًا كبيرًا من العاصمة. عادوا بذاكرتهم إلى ذاك الزلزال الذي لم يكن علامة من علامات غضب الطبيعة، بل كان بفعل فاعل، لا يزال حتى هذه اللحظة مجهولًا، لأن معرفة الحقيقة ممنوعة على اللبنانيين.
ونختم من حيث بدأنا: الحمد لله على السلامة. كم يحتاج اللبنانيون إلى هذه السلامة، وإلى العناية السماوية.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook