“الحكومة تهيء لنا حياة سوداء وتعيسة”
نشرت في: 31/01/2023 – 20:26آخر تحديث: 31/01/2023 – 20:29
يوم إضراب ثان شل قطاعات عديدة في فرنسا الثلاثاء، كالنقل العام والمدارس ومؤسسات إنتاج الكهرباء والمصافي النفطية تنديدا بالمشروع الحكومي الساعي لرفع سن التقاعد إلى 64 عاما بدلا من 62 حاليا. وفي باريس، نظمت النقابات العمالية مجتمعة مظاهرة حاشدة انطلقت من ساحة “إيطاليا” بالدائرة الثالثة عشرة إلى ساحة “أنفاليد” بالدائرة السابعة. فيما رفع المشاركون هتافات مناهضة للرئيس إيمانويل ماكرون وطالبوا بالتراجع عن مشروعه غير “العادل”. ريبورتاج.
بدأ الفرنسيون بالتوافد إلى ساحة “إيطاليا” بالدائرة الثالثة عشرة بباريس ابتداء من منتصف يوم الثلاثاء للمشاركة في المظاهرة الاحتجاجية الرافضة لمشروع إصلاح نظام التقاعد الذي تريد حكومة إليزابيث بورن تمريره والذي ينص على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما.
حشدت هذه المظاهرة فئات مختلفة من المجتمع، كالممرضين والأطباء والطلبة وعمال البلديات والقطاعات المحلية، إضافة إلى المدرسين وعمال القطاع العام والخاص. وهي الثانية بعد تلك التي نظمت الخميس في 19 يناير/كانون الثاني 2023 وشاركت فيها جميع النقابات العمالية الفرنسية التي شاركت مجتمعة خلف لافتة كُتب عليها “إصلاح نظام التقاعد: العمل لفترة أطول، كلا”.. فيما انتشرت قوات الأمن بكثافة (حوالى 4000 رجل أمني في باريس) على طول المسار الذي سلكه المحتجون انطلاقا من الثانية بعد الظهر من ساحة “إيطاليا” مرورا بشارع “لو غوبلان” ووصولا إلى ساحة “أنفاليد” بالدائرة السابعة.
“سنشل الحركة في العديد من القطاعات الحيوية، كالمصافي والمدارس والمواصلات”
واكتظت ساحة “إيطاليا” الواسعة بالمتظاهرين من جميع الأعمار جاءوا ليقولون “لا لإصلاح نظام التقاعد” وفق خطة الرئيس إيمانويل ماكرون حسب ما صرح لفرانس24 تيري دو لافاليه، وهو مناضل في الكونفدرالية الفرنسية للعمال.
فقال: “نحن هنا لأن قانون إصلاح التقاعد الذي يريد ماكرون فرضه غير عادل وكان عليه إيجاد حل آخر أقل قسوة”. وتابع: “في حال تمت المصادقة على هذا القانون، فهذا يعني بأنني سأعمل سنتين إضافيتين وأنا لا أريد ذلك. لقد اشتغلت أكثر من 42 عاما وتعبت من العمل. يجب أن نفسح المجال للشباب. وفي حال أصرت الحكومة على موقفها، سنخرج مرة أخرى إلى الشارع وسنشل الحركة في العديد من القطاعات الحيوية، كالمصافي والمدارس والمواصلات وقطاعات أخرى إلى غاية أن تفهم (يقصد إليزابيث بورن) أن مشروعها غير مقبول وغير عادل”.
هذا، ورفع المتظاهرون لافتات مناهضة للحكومة كتب على بعضها “على ماكرون وبورن الذهاب إلى التقاعد السياسي” و”نريد الاستمرار في التدريس لكن في صحة جيدة وبدون أمراض”. لافتات أخرى أظهرت صورا لماكرون ولأغنياء فرنسيين كبار أمثال برنار أرنو في إشارة لـ”مصاصي دماء” الطبقات العاملة من الفرنسيين.
“توحيد صفوف جميع الفرنسيين لتنحية الأوليغارش الذين يحكمون فرنسا في الخفاء”
من جهتها، صرحت مغالي (سكرتيرة في مدرسة لتعليم قيادة السيارات) التي شاركت في مظاهرات “السترات الصفراء” في 2019 بأنها لم تأت إلى المظاهرة لتعبر فقط عن رفضها لمشروع إصلاح نظام التقاعد، بل لتقول “كفى لهذه الحكومة ولهذا النظام السياسي البائس. هناك آلية ديمقراطية اقترحتها حركة السترات الصفراء في 2019 لحل مشاكل الفرنسيين وهو الاستفتاء من أجل مبادرة شعبية (ريك). هذه الآلية هي الوحيدة القادرة على حل المشاكل الكبرى التي يعاني منها الفرنسيون”.
وعن سؤال حول رأيها في تنظيم استفتاء شعبي لحسم مسألة سن التقاعد، أجابت: “لا. لأن النظام السياسي الفرنسي لا يحترم نتائج الاستفتاءات. لن أنسى استفتاء 2005 حول تأسيس دستور أوروبي مشترك. فرغم أن غالبية الفرنسيين صوتوا ضد هذا المشروع، إلا أن نيكولا ساركوزي الذي حكم فرنسا من 2007 إلى 2012 أجرى سلسلة من التعديلات القانونية عليه ليتم بعد ذلك المصادقة على ما يسمى باتفاقية لشبونة في 2007”.
وأردفت: “نتائج الاستفتاءات غير ملزمة للحكومة. لهذا السبب الحل الوحيد الذي تبقى أمامنا هو الإضراب”، معترفة في الوقت نفسه أن “الوضع الاقتصادي والاجتماعي تدهور بشكل كبير منذ مظاهرات السترات الصفراء في 2019 وأن الحل الوحيد هو توحيد صفوف جميع الفرنسيين لتنحية الأوليغارش الذين يحكمون فرنسا في الخفاء”.
“ماكرون يريد تمرير أكبر عدد من القوانين التي تخدم مصالح الأغنياء وأرباب العمل”
أما ميلي، وهي امرأة مسنة ومتقاعدة، فلقد قررت المشاركة في المظاهرة رغم وضعها الصحي الضعيف. جاءت بمفردها إلى ساحة “إيطاليا” لكي تعبر عن تضامنها مع “الأجيال المقبلة” كما قالت لفرانس24 لأنها “هي التي ستعاني أكثر من نظام التقاعد الجديد“. وأضافت هذا المرأة التي رفعت لافتة كتب عليها شعار “سن التقاعد غير قابل للمساومة. قلص ولايتك الرئاسية ولا تقلقني من فضلك”، “ماكرون والنخبة الحاكمة لا يريدون التنازل عن مصالحهم وامتيازاتهم. العمال والبسطاء هم الذين يدفعون دائما الفاتورة. هناك متقاعدون يعيشون على حافة الفقر.
الحكومة تهيء لنا حياة سوداء وتعيسة. ماكرون يريد أن يدمر كل الحقوق التي اكتسبناها. وبما أنه لن يترشح لولاية رئاسية أخرى، فهو يريد تمرير أكبر عدد من القوانين التي تخدم مصالح الأغنياء وأرباب العمل”.
“لا أريد التقاعد في سن السبعين”
وأضافت أودري، طالبة في ثانوية باريسية بالدائرة العشرين: “لا أريد التقاعد في سن السبعين. أريد أن استمتع بحياتي وأعيش وأسافر ولا “أقتل” جل وقتي في العمل. أرى جيدا كيف تعيش والدتي التي تعمل في مستشفى بالضاحية الباريسية. فهي تنهض في الصباح الباكر وتعود ليلا متعبة. أنا أريد حياة أخرى. لهذا السبب أرفض مشروع الحكومة وسوف أتظاهر طالما لم يتم سحبه”.
وقطعت المظاهرة مسافة تجاوزت خمسة كيلومترات في جو سادته روح التضامن ورفعت أعلام النقابات التي وحدت صفوفها للمرة الثانية في مواجهة مشروع التقاعد الجديد. فهل تتراجع الحكومة عن خطتها أمام هذه الحركة؟
طاهر هاني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook