مسلسل ضرب أسس الدولة… بعد المصارف هل جاء دور القضاء؟
فإذا سقط الهيكل القضائي على رؤوس قضاة يُفترض بهم أن يكونوا الملاذ الأول والأخير لكل مظلوم ولكل من يؤكل حقّه، تكون بداية النهايات، نهاية ملك لا عدالة فيه، ونهاية وطن لم يستطع أبناؤه المحافظة عليه كما يجب.
المخاوف من هذا السقوط وصلت الى سقفها الأعلى نتيجة الأجواء المشحونة قضائيا على خلفية قرار المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار استئنافَ عمله، مستندا الى اجتهاد قانوني ومن ثم إصداره لائحة المستدعين المدعى عليهم للتحقيق وتشمل مسؤولين سياسيين وامنيين وقضائيين من الصفّ الأول، وأيضًا على خلفية مبارزة قضائية – قضائية تمثّلت بمواجهة لافتة بين البيطار والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
وهذا الأمر إن دلّ إلى شيء فإلى أن الدولة التي فيها قضاء بهذا الشكل هي “لادولة”. فهذا القضاء يعيش اليوم أسوأ أيامه وأسوأ أزماته، التي لم يعشها أبدًا في تاريخه، حتى في عزّ أيام الحرب المشؤومة.
فهذه الخلافات القضائية المتوترة والمتصاعدة أنست اللبنانيين إلى حدود معينة ان البلاد تعيش حال فراغ منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، وأن سعر صرف الدولار وصل إلى عتبة الستين ألف ليرة، وهو مكمّل “مشواره” التصاعدي من دون ضوابط أو روادع، وأن الخبز قد أصبح مقتصرًا الحصول عليه فقط على بعض الفئات المقتدرة، وأن هاجس الدواء المفقود قد أصبح يلاحق المرضى، الذين لم يعد لهم أمل سوى رحمة السماء.
فإذا كان قرار القاضي البيطار جيدًّا من الناحية الانسانية، وخاطئًا من الناحية القضائية، كما قال القاضي عويدات، فإن كل القرارات القضائية، التي يمكن أن تصدر عن أي غرفة قضائية سيكون مشكوكًا في صدقيتها وفي نزاهتها، خصوصًا بعدما غدت القوانين بالنسبة إلى البعض مجرد وجهة نظر ليس إلاّ.
فهذ الفوضى القضائية العارمة التي أغرقت قصور العدل في أبشع الأحوال التي يمكن تصوّرها، قد تنذر بالوصول إلى مستقبل مجهول قضائيًا، ما ستكون له تداعيات حتمية وخطيرة على مجمل حياة اللبنانيين، التي في الأساس لم تعد تُحتمل. وقد لا يكون قرار القاضي البيطار المفاجئ هو من حرّك قعر طنجرة الأزمات، بل هو نتيجة طبيعية للانحراف القضائي والتلاعب بالقوانين والمواد الدستورية واستغلال الثغرات، ما ضرب أيّ أمل في الوصول إلى حقيقة ما جرى وإلى المسؤولين الحقيقيين عن جريمة تفجير المرفأ.
ونسأل مع السائلين الكثر، وإن كنا لا نتوقّع أجوبة شافية ومقنعة، عمّن يقف وراء هذا الذي يجري في القضاء وفي غيره من المؤسسات، التي كان يُقال إنها من الأعمدة الأساسية والركائز المتينة، التي يقوم عليها بنيان الدولة، ومن بين هذه الأعمدة القطاع المصرفي، الذي انهار في “ليلة ما فيها ضوء قمر”، على أن تبقى المؤسسات العسكرية، وفي مقدمها مؤسسة الجيش، صامدة في وجه الأعاصير، مع ما تقوم به من إجراءات استباقية للحؤول دون تفاقم الوضع الأمني ولضرب أي محاولة من قبل المصطادين في المياه العكرة للإخلال بالأمن وضرب الاستقرار.
وننهي كلماتنا عن مأساة القضاء بكلمات للأخوين رحباني من مسرحية “الشخص”: جينا لحلال القصص تنحل قصتنا ولقينا في عندو قصة يا ما احلا قصتنا. كل واحد عندو قصة وكل قصة إلها قصة وبيخلص العمر وما بتخلص القصة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook