بعد قرارات البيطار … فوضى قضائية غير مسبوقة
بات معلوماً أن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار قرر استئناف تحقيقاته في ملف المرفأ، مستنداً إلى نصوص اصول المحاكمات الجزائية والى دراسة قانونية اعتبرت أن صلاحية المحقق العدلي حصرية لا يمكن ردها أو نقل الدعوى من يده إلى يد قاضٍ آخر، كون مركزه لصيقاً به.
يأتي تحرك البيطار بعد لقائه وفداً فرنسياً قضائياً في بيروت، نهاية الأسبوع الماضي، معلناً التمسك بملف تحقيق المرفأ وعدم تنازله عن القضية تحت أي ضغط، وبعد احالة رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود قبل اسابيع برقية له يطلب فيها متابعة ملف الموقوفين ودرس طلبات اخلاء السبيل.
وبينما لاقت خطوة البيطار دعما أميركياً، حيث أكد المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، “أنّنا أوضحنا في المجتمع الدولي منذ وقوع الانفجار، أنّنا ندعم ونحثّ السّلطات اللّبنانيّة على استكمال تحقيق سريع وشفّاف في الانفجار المروّع في مرفأ بيروت”، فإن أوساطا سياسية في 8 آذار، تظن أن البيطار عاد للتحرك بإيعاز أميركي خاصة وأن هناك موقوفا في تحقيقات المرفأ يحمل الجنسية الاميركي ويدعى محمد العوف،وهو موقوف من دون محاكمة منذ فترة طويلة والامر بالنسبة للخارجية الاميركية لم يعد مقبولاً، مبدية في حديث لـ”لبنان24” تخوفها من أن تدفع قرارات البيطار إلى فوضى في الشارع، خاصة وأن ما قام به يعتبر عملا تصعيدياً يحمل الكثير من التساؤلات عن التوقيت والاهداف ستتكشف في المقبل من الايام.
لقد ادعى المحقق العدلي على أربعة قضاة هم: النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات المحامي العام التمييزي القاضي وغسان خوري القاضي المنفرد المدني في بيروت الناظر في قضايا الامور المتسعجلة كارلا شوّاح وقاضي الأمور المستعجلة جاد معلوف، وأرسل أسماءهم إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
وفي السياق، تسلمت النيابة العامة التمييزيّة مذكرات استدعاء صادرة عن القاضي البيطار بالأسماء الآتية: رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والوزير السابق نهاد المشنوق، والعماد جان قهوجي، والعميد كميل ضاهر، واللواء طوني صليبا، واللواء عباس ابراهيم، والعميد اسعد الطفيلي، وغراسيا القزي وعميد من آل عزّ الدين، والذي حدد مواعيد لاستجواب المدعى عليهم في الفترة الممتدة بين السادس و22 من شباط، في إطار دعاوى حق عام “بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي”. وجرى تنفيذ تبليغات استجواب دياب وزعيتر والمشنوق لصقاً على الحائط المقابل لمكتبه في قصر العدل، لكونهم رفضوا في المرة السابقة المثول امامه، بانتظار أن تقوم الأجهزة الأمنية بإلصاق هذه التبليغات أيضاً على أبواب منازلهم.
وفق المعلومات فإن النيابة العامة التمييزية عممت على الأجهزة الأمنية عدم تنفيذ التبليغات وقرارات إخلاءات السبيل الصادرة عن المحقق العدلي والتي تعتبرها “باطلة”، حيث عممت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي على جميع القطاعات والوحدات عدم تنفيذ اي قرار او اشارة للبيطار. بالتوازي توجه عويدات إلى البيطار بالقول “إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ”، بموجبه نؤكد أن يدكم مكفوفة بحكم القانون و لم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض ردكم او نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم.” إلا أن مصادر قانونية رأت أن عويدات أخطأ في مضمون رده فهو هدد البيطار وذهب إلى استغلال منصبه لدفع التهمة عنه.
مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي يقول لـ”لبنان24 إن الامور ليست واضحة تماما ولا تزال ضبابية وعلينا انتظار الساعات المقبلة لتبيان مسار الامور، مشيرا إلى أن خطوة القاضي البيطار لم تكن متوقعة ولا يبدو من ظاهرها أنها تغليب جهة على أخرى وقريبا ستظهر مراميها، مع إشارته إلى أن قراره لم يراع الأصول القانونية المتفق عليها، وما استند إليه من اجتهادات لا يعطي القرار الشرعية. اما موقف عويدات فهو، بحسب ماضي، متوقع، ومرد ذلك غياب التفاهم الشخصي او المهني بينهما، معتقداً أن قرارات إخلاء السبيل ستجمد بعد تعميم النيابة العامة التمييزية، وبالتالي علينا ترقب لكيفية بت هذا الخلاف، معتبراً أن موقف وزير العدل هنري خوري ليس معروفا بعد بشكل رسمي.
الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين، يقول لـ”لبنان24” إن اللبنانيين يتعطشون إلى تحريك ملف تحقيقات انفجار المرفأ بغرض انجاز التحقيق ومن ثم المحاكمة، جلاء للحقيقة وتحقيقا للعدالة وإحقاقا للحق، سواء في ما خص الشهداء والجرحى والمتضررين او في ما خص الموقوفين احتياطيا، ولكن ذلك لا يلغي الكثير من التساؤلات والملاحظات التي أثرها قرار قاضي التحقيق العدلي بمعاودته أعماله، اولها، اذا كان يعتبر أن قضاة التحقيق العدليين خارج نظام الرد والنقل، فلماذا أحجم عن العمل لنحو سنة وشهرين بفعل ورود طلبات رد بوجهه، وثانيها، أنه هو نفسه تم تعيينه بديلا لقاضي التحقيق العدلي السابق فادي صوان الذي كانت قررت الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز نقله، بحيث تكون اعتبرت أن قاضي التحقيق العدلي يخضع لنظام النقل، فضلا أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز سبق واعتبرت أن الغرفة الأولى لدى محكمة التمييز هي المختصة بالبت بطلبات نقل قضاة التحقيق العدليين، وثالثها أن القاضي البيطار كان طلب أذونات من المراجع والإدارات التي يتبع لها بعض الاداريين والأمنيين وطلب من البرلمان رفع الحصانة لملاحقة ثلاثة نواب فما الذي تبدل حتى بات المحقق العدلي لا يحتاج إلى أذونات ملاحقة تجاه أي كان.
وعليه، وفي ضوء قرارات القاضي البيطار الأخيرة وقرارات النيابة العامة التمييزية في شأن رفض تنفيذها واعتبارها منعدمة الوجود، يكون البلد دخل في متاهات وفوضى قضائية غير مسبوقة..
مصدر الخبر
للمزيد Facebook