“الرئيس ماكرون يأخذ الأموال من جيوب العمال الفقراء والبسطاء ويمنحها للأغنياء”
نشرت في: 19/01/2023 – 22:25آخر تحديث: 19/01/2023 – 22:35
عشرات الآلاف من الفرنسيين توافدوا إلى ساحة الجمهورية وسط باريس ظهر الخميس حيث نقطة انطلاق المظاهرة المنددة بمشروع إصلاح نظام التقاعد. ورفع المشاركون عدة لافتات منددة بهذا المشروع كتب على بعضها “من المترو إلى مقر العمل ثم إلى القبر”. فيما تم نشر أكثر من ثلاثة آلاف عنصر من قوات الأمن طيلة المسلك الذي يربط ساحة الجمهورية بساحة الأمة. فرانس24 واكبت هذه المسيرة التي تخللتها بعض التصرفات العنيفة..ريبورتاج
لم ينتظر بعض طلبة ثانوية “إلين بوشيه” بالدائرة العشرين بباريس والمنخرطين في حزب “فرنسا الآبية” توقيت بداية المظاهرات الرافضة لمشروع قانون تمديد سن التقاعد الذي تريد الحكومة تمريره. بل وصلوا، خلافا لعادتهم، في وقت مبكر صباح الخميس رفقة دانييل سيموني، نائبة من هذا الحزب إلى أمام مقر الثانوية بهدف تعطيل دخول زملاءهم الذين ينوون مزاولة دراستهم.
وانتشرت عناصر من قوى الأمن أمام الثانوية في حين حاولت جمعيات أولياء التلاميذ، رفقة إدارة الثانوية، الحفاظ على الهدوء وايجاد مسلك للطلاب غير المضربين لكي يلتحقوا بقاعات الدروس.
لكن سرعان ما تأزم الوضع الأمني قليلا بعد ما حاول بعض الطلاب إحراق حاويات القمامة التي كانت متواجدة امام الثانوية. الأمر الذي جعل قوات الأمن تتدخل وتطلق الغاز المسيل للدموع باتجاه الطلاب المضربين.
“من المترو إلى العمل ثم إلى القبر”
وعبر لوي، وهو طالب في السنة النهائية عن غضبه من تصرف الشرطة قائلا: “كل مرة ننظم وقفة احتجاجية أمام الثانوية تطلق علينا قوات الأمن الغاز المسيل للدموع. هناك بعض الطلبة الذين يعانون من مشاكل في التنفس. نشعر بخيبة أمل كبيرة. السؤال اليوم ليس فقط هل سنشتغل سنوات إضافية بل هل سنجد أصلا عملا بعدما ننهي دراساتنا”. وتابع: “على جميع شبان فرنسا أن يتحدوا لأن مشروع إصلاح نظام التقاعد سيؤثر سلبا علينا أكثر مقارنة بآبائنا وامهاتنا”.
ورفع الطلاب شعارات مناهضة لمشروع حكومة إليزابيث بورن (تمديد سن الذهاب إلى التقاعد إلى 64 عاما) وكتبوا على لافتات “مترو، عمل ثم القبر” تنديدا بتمديد سن الذهاب إلى التقاعد أو “اشتغلوا وأنفقوا اموالكم ثم موتوا في مكان عملكم”.
وليس بعيدا من هنا، وبالتحديد في ساحة “الأمة”، انتشرت قوات الأمن بكثافة منذ الساعات الأولى من الخميس. وقامت بغلق الطرق الرئيسية تحسبا لوصول المتظاهرين إلى هذه الساحة مرورا بساحة “باستيل”. فيما توافد عشرات الآلاف من الفرنسيين إلى نقطة التجمع في ساحة “الجمهورية” وسط باريس رافعين شعارات مناهضة للرئيس ماكرون ولحكومته وانتقدوا مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد الذي وصفته الغالبية بـ”غير العادل” وبأنه يخدم “أرباب العمل”.
“الدولة تأخذ الأموال من جيوب الفقراء ثم تقدمها للأغنياء وكبار الرأسمالين”
وقالت فرانسواز، وهي سيدة متقاعدة لكنها قررت المشاركة في المظاهرة لأنني “أشعر بالغضب بعدما أرغمتني شركة البريد التي كنت أعمل فيها على التقاعد واليوم الرئيس ماكرون يطلب تماما العكس من الفرنسيين، أي العمل أكثر”.
وأضافت: “كنت أعمل كساعية بريد. لكن العمل أصبح صعبا للغاية. كنا مطالبين بتوزيع الرسائل بسرعة. أصبحت أركض واتعب أكثر. لذا طلبت مني الشركة التي كنت أشتغل بها الخروج إلى التقاعد مع تقاضي 70 بالمائة من مرتبي. لهذا السبب، أصبحت أتقاضى اليوم معاشا ضعيفا”. وانتقدت هذه المسنة وتيرة العمل في الورشات والمصانع حيث أصبحت تؤثر سلبا على صحة العمال وعلى حياتهم العائلية.
وتابعت:” مشروع إصلاح نظام التقاعد مشروع غير عادل لأن الدولة تأخذ الأموال من جيوب الفقراء والبسطاء كالعمال والموظفين العاديين ثم تقدمها على طبق من ذهب للأغنياء وكبار الرأسمالين وملاك المصانع الكبيرة خوفا منها أن يغادروا البلاد أو يتم شراء هذه المصانع من قبل دول أجنبية”.
“مشروع إصلاح نظام التقاعد لا يأخذ بعين الاعتبار الوظائف الصعبة”
وواصلت: “الحكومة تقول إن الأوربيين الأخرين يشتغلون أكثر من الفرنسيين. لكن هل هذا يعني أنهم سعداء؟ لنأخذ ألمانيا مثلا فهناك من يملك ثلاث وظائف لكي يلبي حاجياته الأولية كالأكل وإيجار شقة. فإذا قامت الحكومة بتمديد سنوات الشغل فهذا يعني بأن الشبان سيدخلون إلى سوق العمل في سن متأخر”.
أما بولين وهي فتاة لا يتعدى عمرها 11 عاما، فلقد جاءت مع عائلتها إلى ساحة الجمهورية من أجل التظاهر. وقالت لفرانس24: “أنا هنا تضامنا مع أمي وأبي الذين سيعملان إلى غاية 67 عاما. هذا غير عادل لأنهما لن يعيشان بقية حياتهما مثل جدي وجدتي الذين يستمتعان اليوم بمعاشهم التقاعدي”.
فيما أضافت والدة بولين:” أشتغل منذ سنوات عديدة لكن بات من المؤكد أني لن أحصل على نفس حقوق التقاعد التي حصل عليها والدي ووالدتي”. وانتقدت مشروع إصلاح نظام التقاعد لأنه “لا يأخذ بعين الاعتبار الوظائف الصعبة ويطيل سنوات العمل في وقت هناك العديد من الفرنسيين الذين يحلمون بالذهاب إلى التقاعد في صحة جيدة لكي يستمتعوا بحياتهم الشخصية وبأحفادهم”.
“ماكرون يبقي الأغنياء أغنياء والعمال بسطاء وفقراء“
من جهتها وعلى الرغم من إدراكها بأنها ستعمل إلى غاية 80 عاما كما تقول لكن هذا لم يمنع الشابة إليزا (28 عاما) من المشاركة في المظاهرة الاحتجاجية لأن قرار الحكومة غير “صائب”.
وقالت لفرانس24: ” بصفتي موظفة في مجال السينما، أدرك جيدا أنني سأشتغل لغاية 80 عاما. لكن هذا لم يمنعني للمجيء إلى هنا لمساندة الأخرين، لا سيما أولئك الذين يعملون في مجالات صعبة تتطلب جهدا بدنيا كبيرا. فهم يحتاجون إلى الخروج إلى التقاعد في سن مبكر”.
وانتقدت كبار الرأسمالين، أمثال برنار أرنو الذين يرفض منح القليل من أمواله الضخمة حسبها لحل مشكل العجز المالي الذي يعاني منه الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد. كما انتقدت أيضا موقف الرئيس ماكرون الذي يقوم بكل ما في وسعة “لكي يبقى الأغنياء أغنياء والعمال بسطاء وفقراء”.
“الجميع سيدفع ثمن هذا القانون لكن النساء أكثر من الرجال”
وأضافت صديقتها مايفا (25 عاما): “أخشى من المستقبل. وأنا هنا لكي أقول لأفراد الحكومة كفى من سياستكم القاتلة في المجال الاجتماعي والمدمرة في المجال البيئي. طبعا أنا لا أخاف على مستقبلي لأنني من عائلة ميسورة لكن ليس من الطبيعي أن تمرر الحكومة في كل دقيقة القوانين عن طريق المادة 49,3 ولا تستمع إلى الشعب”، منوهة إلى أنها تعرف العديد من البنات اللواتي يرفضن الإنجاب لأن الحياة أصبحت صعبة ومشاكل البيئة في تنامٍ مستمر.
أما رشيدة (58 عاما) والتي تصف نفسها “بالفقيرة” فقالت “تعبنا من الخجل ومن الفقر. فقدت وظيفتي بعد حادث. واليوم أربي أولادي بمفردي وبإمكانيات مالية ضعيفة جدا. عندما أدفع كل الفواتير لا يتبقى لي سوى 150 يورو للعيش مع ابنتين بالغتين. من غير العادي ألا نعيش بكرامة على الرغم من أنني اشتغلت سنوات عديدة”.
وبخصوص مشروع إصلاح نظام التقاعد، أضافت رشيدة: “إنه عار. الجميع سيدفع ثمن هذا القانون. النساء أكثر من الرجال لأنهن يعملن في الشركات والمصانع ويربين في نفس الوقت أولادهن. وبالرغم من ذلك رواتبهن أقل من رواتب الرجال”. وعبرت عن خوفها إزاء مستقبل بناتها وطلبت منهن ألا ينجبن في بلد تنعدم فيه العدالة الاجتماعية”. وأنهت: “نحن الأولياء لا يمكن اليوم أن نطلب من أولادنا المساعدة لأنهم هم أيضا يعانون من صعوبة الحياة. كيف سترجع كرامتنا؟ في الحقيقة لا أدري”.
طاهر هاني
مصدر الخبر
للمزيد Facebook