آخر الأخبارأخبار دولية

السجون السرية في إيران.. السلطات تهدد عائلات الضحايا لإخفاء حالات قتل المتظاهرين


نشرت في: 13/01/2023 – 16:21

تم إيقاف أكثر من 19 ألف شخص منذ بداية الاحتجاجات في إيرن في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي, وتشير عدة منظمات تدافع عن حقوق الإنسان أن العشرات منهم قتلوا في مراكز احتجاز سرية وتحاول قوات الأمن إخفاء عمليات القتل هذه من خلال تهديد عائلات الضحايا والتحدث عن عمليات انتحار وهمية.

لقد تم تعذيبهم حتى الموت بعد أن تعرضوا لجروح على يد قوات الأمن خلال المظاهرات وحرموا أيضا من العلاج: هذا ما كان مصير عشرات المتظاهرين في إيران منذ 16 أيلول/ سبتمبر 2022 تاريخ انطلاق ما يطلق عليه البعض “ثورة مهسا” في إشارة إلى وفاة الشابة مهسا أميني عند احتجازها من طرف شرطة الأخلاق وهي الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات. ويتم نقل هؤلاء المتظاهرين إلى مراكز اعتقال سرية تملكها كل الفصائل المسلحة المتورطة في القمع مثل قوات “الباسيج” (الذراع المسلح للحرس الثوري) والفاجا (مصلحة المخابرات الإيرانية) وقوات الشرطة النظامية. ويحاول النظام الإيراني إخفاء عمليات القتل هذه حيث لا يتردد -من أجل هذا الهدف- في تهديد عائلات الضحايا ووصل بها الأمر إلى اعتقال عدد منهم.


في هذا المقطع المصور، يعرض مهدي زاري الإصابات التي تعرض لها على يد قوات الأمن. في اليوم الموالي، عاد للمشاركة في المظاهرات وتم اعتقاله وتعذيبه قبل أن يتم إطلاق سراحه في اليوم التالي وهو في حالة صحية حرجة حيث وصل إلى المستشفى فاقدا للوعي قبل أن يتوفى بعد يوم واحد.

 

“يتم إطلاق سراح معتقلين في حالة صحية حرجة ليموتوا في المستشفى”

لجنة متابعة السجناء الموقوفين” هي مبادرة تم إطلاقها من طرف ناشطين إيرانيين في مجال حقوق الإنسان عبر العالم وذلك بهدف توثيق عمليات الاعتقال التي تنفذها قوات الأمن الإيرانية ولمراقبة وضع المتظاهرين المحتجزين. مراقبتنا “ديلارام” (اسم مستعار) هي عضو في هذه المبادرة وتروي قائلة:

لقد وثقنا إلى حد الآن 16 حالة على الأقل. تم اعتقال هؤلاء الأشخاص ومن ثم قتلهم في مراكز الاحتجاز. ولدينا 12 حالة أخرى نحقق في مصيرها. لا يوجد لدينا أي شك أن العدد الحقيقي للقتلى في مراكز الاحتجاز هذه هو أكثر بكثير من هذا الرقم. معظم حالات الموت تتعلق بأشخاص أصيلي المنطقة الكردية في غرب إيران وتم قتل معظمهم في مراكز الاحتجاز التابعة لجهاز الحرس الثوري.

ومجرد عثورنا على عدة سجون غير رسمية أو -بعبارة أخرى- مراكز احتجاز سرية في كل أنحاء إيران يحيلنا إلى توقف العثور إلى عدد كبير آخر منها لم يتم الكشف عنه وقد اعتقل بها متظاهرون وقتلوا داخلها.

اكتشفنا مراكز الاحتجاز غير الرسمية هذه بعد أن استجوبنا متظاهرين كانوا معتقلين فيها. وبفضل هذه الحوارات، تمكنا على سبيل المثال من العثور على مركز اعتقال جديد سري في حي كولاهدوز في العاصمة طهران الذي لم يكن أحد يعلم بوجوده في السابق.

وحسب بحوثنا والروايات التي حصلنا عليها، يمكن أن نفرق بين ثلاثة أنواع من المتظاهرين الذين قتلوا في هذه المراكز: يوجد أولا المتظاهرون الذين تعرضوا أصلا لإصابات والذين حرم معظمهم من العلاج داخل مراكز الاحتجاز هذه قبل أن يموتوا داخلها متأثرين بجروحهم. في بعض الحالات، يتعرض هؤلاء المتظاهرون المصابون أصلا لعمليات تعذيب قبل أن يموتوا. النوع الثاني، هم أشخاص لم يتعرضوا لإصابات بالرصاص قبل اعتقالهم، لكنهم لاقوا مصرعهم بعد التعذيب الذي تعرضوا له داخل مركز الاحتجاز. وفي الأخير، نجد  المعتقلين الذين تم “إطلاق سراحهم” ولكن في وضع صحي حرج بسبب التعذيب الذي تعرضوا له. ويتم نقلهم إلى المستشفى من قبل عائلاتهم بعد فوات الأوان حيث يموتون بسبب تعرضهم لنزيف داخلي.

أفكر على سبيل المثال في حالة شهريار عادلي الذي تم إيقافه من قبل قوات “فاجا” في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 في مدينة ساردشت الواقعة في منظقة كردستان إيران. وتم إطلاق سراحه بكفالة في 3 كانون الأول/ ديسمبر الماضي حيث قامت عائلته بنقله إلى المستشفى على الفور لكنه توفي 9 كانون الأول/ ديسمبر. السبب الرسمي للوفاة هو “سكتة قلبية” ولكن مجموعات محلية للدفاع عن حقوق الإنسان نشرت صورا لجثته تظهر أنه آثار تعذيب حاد.

 

توثق عدة صور يتم تداولها عبر الإنترنت لحالات تعذيب وسوء معاملة. ولن نقوم بنشرها نظرا لطبيعتها الصادمة.

“تقوم السلطات في البداية باحتجاز الجثامين كرهينة”

يتم استهداف عائلات المعتقلين المتوفين بشكل آلي من طرف قوات الأمن حيث يتم تهديدهم من أجل إسكات صوتهم. نيكي محجوب، هي صحافية إيرانية تعمل لصالح قناة إيران إنترناشونال التلفزيونية التي يوجد مقرها في لندن، كانت في تواصل مع عدد كبير من عائلات السجناء والضحايا. وتوضح الطرق التي تتبعها قوات الأمن الإيرانية للتأكد من إخراس صوت أقاربهم.

ولإسكات العائلات، تقوم السلطات في البداية باحتجاز الجثامين كرهينة. حيث يجب على العائلات الصمت حتى تحصل على جثة ابنها. دون ذلك، تهدد السلطات العائلات بدفن الجثة في مكان بعيد قبل أن تمد العائلة بمكانها أو أسوأ من ذلك: حيث تهدد قوات الأمن العائلات بدفن الجثة في مكان ما دون أن تعلم العائلة بموقعها. تقدم بعض العائلات الاعتذار لمجرد الحصول على قبر لابنها تبكيه فوقه.

رفضت قوات الأمن الإيرانية تسليم جثة حاد سلحشور لعائلته. حيث تم قتله في مركز احتجاز بعد 4 أيام من إيقافه أثناء مظاهرة في إيزاه في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وتم دفنه في مقبرة بعيدة عن هذه المدينة. وفي 1 كانون الأول/ ديسمبر 2022، قامت عائلته بإخراج جثته من القبر ونقله إلى مقبرة إيزاه مسقط رأسه، وهو ما يظهره هذا المقطع المصور. وتقول العائلة إنها عثرت على آثار تعذيب حاد على جسده.

يتعلق هذا النهج الذي يتمثل في ترويع العائلات أيضا بعمليات تهديد بالقتل من نوع “ابنكم الآخر، زوجتك، زوجك، أختك وأخيك، صديقك الصغير أو صديقتك الصغيرة سيكون لهم نفس المصير إذا ما رويتهم ما حدث”. وفي كثير من الحالات، يتم إيقاف أحد أفراد العائلة لزيادة الضغظ عليها حتى تلزم الصمت.

“يتم تهديد أفراد عائلة الضحية بالطرد من الجامعة أو العمل إذا تحدثوا عن الأمر”

بعد ذلك، تعلم قوات الأمن عائلات الضحايا بأنها تحت المراقبة. يتم استدعاء أفراد من العائلة ليتم التحقق معهم حيث يتم إلحاق الضرر بممتلكاتهم ويتم تخريب قبور الضحايا.. كما يتلقى أقارب الضحايا رسائل ومكالمات لتهديدهم. تأتي قوات الأمن إلى مقر سكناهم أو مكان عمل أقارب الضحية أو حتى أبناء عمومتهم ويتم التهديد بشكل فردي. تتواصل عمليات التهديد لأفراد العائلة بالطرد من الجامعة أو العمل في حال حديثهم عن الأمر.

يصل بهم الأمر إلى إجبار العائلات على الاختيار بين أخف الضررين: نعم، فقدنا فردا عزيزا علينا لكن يتوجب علينا حماية الآخرين.

من الطبيعي أن تنهار العائلات تحت سيل هذه التهديدات المروعة التي لا تتوقف.

في المقابل، تجد بعض العائلات الشجاعة للحديث بعد مرور بعض الوقت وقول الحقيقة. ولتحقيق ذلك، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا منها إنستاغرام دورا هاما. حيث توضح العائلات ما حدث بالتفصيل ودعم الناس يشجعهم على تقديم المزيد من التفاصيل والإصداع بالحقيقة.

“يقومون بتقديم مسرحية مضللة للزعم بأن الضحية ماتت لأسباب خارجة عن نطاقهم”

تواصل “ديلارام” عضو لجنة متابعة الأشخاص المعتقلين قائلة:

في كثير من الحالات، تقوم قوات الأمن الإيرانية بتقديم مسرحية مضللة تزعم من خلالها أن الضحية توفيت لأسباب خارجة عن نطاقها. على سبيل المثال، توجد حالة إسماعيل ديزفار، الذي قيل إنه قتل في حادث سير رغم أنه كان معتقلا أو حالة ميلاد خوشكام، الذي زعمت قوات الأمن أنه انتحر بإلقاء نفسه من فوق جسر. وفي حالة أخرى، تم وضع علبة أقراص إلى جانب جثة إلياد راحمانيبور، 16 عاما، الذي تم تركه ميتا في حديقة وراء بيته فيما زعمت السلطات أن الأمر يتعلق بحالة انتحار.

وتؤكد الصحافية نيكي محجوب أنه في كثير من الحالات، تقوم قوات الأمن بممارسة ضغط هائل على  العائلات حتى تقبل الإمضاء على وثيقة تؤكد من خلالها أن ابنها قد قتل أو توفي في حادث سير أو انتحر ولم يتوف في السجن.

من خلال إيقاف أفراد عائلة الضحية أو التهديد بشكل صريح بقتل أفراد آخرين منها، تجبر قوات الأمن الأم أو الأب أو أفراد آخرين من عائلة القتيل على الجلوس أمام كاميرات القناة الحكومية والكذب عن السبب الحقيقي لوفاة الأشخاص الذين قتلوا في السجون، ويجبرونهم على تقديم روايات مغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي عن سبب وفاة قريبها.

إفلات من العقاب

راحا بحريني، العضو في منظمة العفو الدولية، تشدد على أن مثل هذه الممارسات ليست أمرا جديدا في إيران حيث تقول:

أحصت منظمة العفو الدولية ما لا يقل عن 164 حالة وفاة لمعتقلين في السجون الإيرانية بين سنتي 2011 و2021 بعد أن تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة أو رفض قطعي لتمكينهم من العلاج. كما أن تقديم روايات لا أساس لها من الصحة عن السبب الحقيقي للوفاة هو عادة قديمة للسلطات. حيث تتمثل البلاغات المغلوطة عن سبب الوفاة في الحديث عن حالات انتحار أو سكتة قلبية أو عراك بين المعتقلين أو تلقي جرعات زائدة من المخدرات. ومن البديهي أن لا أحد تم تحميله مسؤولية هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران.

وحسب منظمة “إيران هيومن رايتس Iran Human Rights، فقد قتل ما لا يقل عن 476 متظاهرا في إيران من اندلاع موجة الاحتجاجات في 16 أيلول/ سبتمبر 2022.

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى