الحسيني يطوي أسرار الطائف ويرحل
فقد لبنان السيد حسين الحسيني (86 عاماً) رئيس مجلس النواب السابق لدورات متتالية منذ العام 1984 من القرن الماضي، الى اوائل التسعينيات، حيث جرت اول انتخابات نيابية على اساس قانون انتخابي انبثق من دستور الطائف، الذي بقيت اسراره في حوزة الرئيس الراحل، الذي طوى اسراره ورحل.
ولف الحزن بلدة شمسطار التي تتهيأ لاستقبال جثمان ابنها الراحل الرئيس الحسيني، فاتشحت الطريق بلافتات كتبت عليها عبارات تنعي رجل دولة من الطراز الأول، والموسوعة التشريعية والسياسية والتاريخية والأدبية، “السيد” الذي امتاز بجرأته ولياقته ودماثة خلقه، ومحبته للناس، والتي كان يشعر بدفئها كل من جالسه.
وبحسب نعي عائلة الفقيد، الدفن سيكون يوم الخميس في 12 الجاري، وتقبل التعازي في منزله في شمسطار حتى نهار السبت 14 الجاري، وفي بيروت يومي الإثنين والثلاثاء في قاعة “سي سايد بافييون” في بيال من الساعة الحادية عشرة صباحا حتى السادسة مساءً.
وكتبت” النهار”:من غير المستغرب اطلاقا ان يجمع كل الوسط السياسي في لبنان على فداحة خسارة لبنان في يوم رحيل “عراب الطائف” الرئيس حسين الحسيني، والا تختلف اختلافا واسعا ادبيات المرثيات والشهادات والاقوال والتصريحات التي ادلي بها من كل حدب وصوب على نحو عابر لكل المناطق والطوائف والأحزاب والاتجاهات”
وكتب صلاح سلام في” اللواء”: حاول «عرّاب الطائف» أن يكون الميثاق الجديد بداية لمسار إصلاحي شامل للدولة اللبنانية، يواكب الإصلاحات الدستورية والسياسية التي تحققت في الدستور المنبثق عن بنود الطائف، الذي كرّس أسس التوازن في السلطة، وإعتمد مبادئ الكفاءة والنزاهة والشفافية في الإدارات العامة. وكانت معاناته كبيرة من التطبيق الإستنسابي لبنود الطائف، وإهمال المواد الإصلاحية الأساسية لقيام دولة المواطنة، وفي مقدمتها إلغاء الطائفية السياسية.
إحتفظ «رجل الدولة» بمحاضر مناقشات الطائف حتى لا يستغلها البعض في فتح جروح الماضي، والتلاعب بحبال الفتنة من جديد. وكان يردد دائما: المناقشات أنتجت هذا الميثاق، فلنعمل على تنفيذ بنوده بصدق وأمانة لنترك للأجيال القادمة وطناً يستحق الحياة.
نودع اليوم القامة الوطنية الكبيرة التي تنتقل اليوم بروحها إلى باريها، داعين لها بالرحمة والمغفرة، وللعائلة الكريمة بالصبر والسلوان.
وكتبت غادة حلاوي في”نداء الوطن”: كانت للجلسة مع الحسيني نكهتها الخاصة. المتابع الدؤوب، والوطني الصادق الذي بقي حتى أيام عمره الأخيرة متأملاً بخروج البلد من أزمته ومعولاً على جيل الشباب النابض بالأمل. تبدأ جولة الأفق السياسية معه من الحاضر وما يشهده من خلافات بين أهل الحكم، وصلاحيات الحكومة ومهام مجلس النواب وواجباته. وحول كل نقطة منها كان يعود إلى الدستور وتفسيراته ويرى أنّ نصوصه واضحه ولا تحتمل التأويل متى أرادوا تطبيقه منتقداً التأخير في إبرام المراسيم التطبيقية لبعض بنود «الطائف» لا سيما تلك المتعلقة بآلية عمل مجلس الوزراء. النائب المستقيل لإعتباره أن مجلس النواب لم يعد شرعياً رفض تقاضي راتبه بعد الإستقالة وأعاده الى وزارة المالية.كان ينظر إلى رئيس الجمهورية على أنّه رئيس كل السلطات لا يجب أن يكون طرفاً أو أن تكون له حصة في الحكومة أو خارجها. يؤمن بحكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع وبالعيش المشترك. يأنس بالحديث عن تاريخه مع الإمام المغيب موسى الصدر وتأسيس حركة المحرومين. كان يعتبر أن المشروعية للأرض ويؤمن بحراك الأجيال ولذا تبنى حراك 17 تشرين في بداياته.برحيله خسر لبنان مرجعية دستورية ونيابية وسياسية من الطراز الأول. هو السيد الذي نأى حتى بموته عن أن يكون عامل تفرقة بين اللبنانيين بل جمعهم على مكانته في بلد مشغول بالفتن والصراعات على أبسط التفاصيل.
وكتبتة البناء”: خسر الوطن والدولة قامة من القامات التاريخية برحيل الرئيس السابق لمجلس النواب الرئيس حسين الحسيني، ولأن الرئيس الحسيني كما أجمع المعزون برحيله، ضمير اتفاق الطائف ووجدان مشروع الدولة، جاء الرحيل بمثابة إعلان احتجاج على العقم الذي يصيب النظام السياسي في الصميم، بحيث تتراكم الأزمات السياسية والاقتصادية فوق العجز عن تحريك عجلة المؤسسات الدستورية، يمثلها تكرار الجلسات الفولكلورية لانتخاب رئيس للجمهورية دون نتيجة، كأنه يقول ليس هذا هو النظام الذي تطلعنا إليه في اتفاق الطائف، ومثل الفشل الرئاسي الانقسام حول ما يمكن وما يجب لحكومة تصريف الأعمال فعله في زمن الشغور الرئاسي، فأعطى برحيله وأيام الحداد العذر لتعليق جلسة اليوم، التي لم يكن منتظراً منها أكثر من تكرار المشهد الفولكلوري ذاته،
وكتب ندير رضا في” الشرق الاوسط”: منذ عام 1989، كان الحسيني يحتفظ بمحاضر المناقشات، وأقفل عليها في خزناته، ومنع نشرها. كثيراً ما تمت مطالبته بنشرها، لكنه امتنع. يقول عارفوه إن المداولات التي شهدت سجالات ونقاشات عميقة على النقطة والفاصلة في مدينة الطائف السعودية في عام 1989، احتفظ بها منعاً لنكء الجراح، أو إثارة أي أزمات سياسية لا تقدم أي غرض سوى السجالات. فما كُتب قد كُتب، وتم توثيق النقاط المتفق عليها بين الأطراف في وثيقة الوفاق الوطني التي باتت دستور لبنان.
بهذا المعنى، لطالما كان أميناً على الوحدة الوطنية. دبلوماسيته واعتداله، أهّلاه ليكون صلة الوصل بين الأقطاب في ذلك الوقت ومدوّر الزوايا بين خلافاتهم، أما نظافة كفه وحياده عن الأطراف المتحاربة في ذلك الوقت، فجعلاه محل ثقة اللبنانيين من كل الأطراف. أما «وطنيته وأمانته»، حسبما جاء في بيانات نعيه الأربعاء، فجعلتاه حريصاً على ألا تعكر أي سجالات «لا طائل منها» صفو العلاقات اللبنانية التي تكرست دستورياً بين الطوائف، وميزت لبنان لجهة العيش المشترك بين أبنائه على مختلف انتماءاتهم، وعززت نموذج لبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه.
وقد يكون ملف المداولات، أبرز الأسئلة التي تكررت في السنوات الـ15 الأخيرة، وغالباً ما وجهت الأسئلة للحسيني عن أسبابها. كان رئيس مجلس النواب الراحل حاسماً في الرفض، على ما يقول عارفوه من سياسيين لبنانيين. وحين وُجه السؤال للوزير الأسبق خالد قباني قبل أسابيع في لقاء تلفزيوني، قال قباني إنه يمتلك نسخة عن المداولات، كونه كان أمين سر اللقاءات إلى جانب الحسيني، لكنه أكد أن الحسيني كان حاسماً بعدم نشرها، مشدداً على أنه يلتزم برغبة الرئيس الراحل، «لأنه الأمين عليها».
وكتبت” الاخبار”: برحيل الرئيس حسين الحسيني، فقدت المؤسسة الشيعية السياسية ركناً من حصاد مشروع الإمام موسى الصدر. وهو مثّل، خلال عقد من الزمن، دوراً يعكس الترقّي السياسي والاجتماعي لقيادات شيعية كانت خارج الاصطفاف الذي قام عليه الإقطاع الشيعي في لبنان. ومع أن اسمه برز بقوة خلال إعداد اتفاق الطائف، إلا أنه حاول إدارة التحوّل في نظرة الشيعة الى الدولة، مقترحاً طريقة خاصة لإدارة المجلس النيابي وعقد التحالفات والتواصل، ما لا يسقط من حساب «الشركاء في الوطن» حنينهم الى ميثاق الـ 1943. لكن نظرته الى لبنان ما بعد الطائف لم تطابق برنامج سوريا والسعودية، ما دفعه عملياً خارج دائرة القرار والتأثير… الى أن صار أشبه بالحكيم الذي يلجأ إليه كثيرون في معرض تفسير الدستور.
رحل الرئيس الحسيني في لحظة يعيش فيها لبنان عوارض الانتقال الى جمهورية ثالثة لا نعرف إن كانت لن تمرّ بحرب أهلية، لطالما كان الراحل يحذّر من نارها الخامدة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook