آخر الأخبارأخبار دولية

هل مشروع إصلاح نظام التقاعد “لا غنى عنه” كما تزعم الحكومة؟


نشرت في: 10/01/2023 – 17:19

بعد أسابيع عدة من النقاشات وتبادل الآراء، تكشف رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن الثلاثاء عن مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي تعتبره الحكومة إجراء “لا غنى عنه” من أجل ضمان توازن واستمرارية النظام التقاعدي الفرنسي. لكن خبراء ومتخصصين في هذا المجال -مثل ميكائيل زمور- المتخصص بالشؤون الاقتصادية وأنظمة التقاعد، يرون بأن هذا الإصلاح ليس ضرورة حتمية.

في خطابه بمناسبة السنة الجديدة 2023، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرة أخرى على ضرورة إصلاح النظام التقاعدي الفرنسي وجعله أكثر صلابة. وقال “كما تعهدت أمامكم، هذه السنة ستكون سنة إصلاح نظام التقاعد لضمان توازنه خلال السنوات المقبلة وتعزيزه خاصة وأنه يعتمد على مبدأ توزيع الثروات”.

ورغم أن إليزابيث بورن تكشف الثلاثاء عن مشروع القانون الجديد، إلا أن الخطوط العريضة لهذا القانون كانت معروفة قبل عدة أيام. فمن بين التغييرات الهامة التي طرأت عليه، رفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64 عاما أو حتى ربما إلى غاية 65 عاما. لكن هل الأسباب التي قدمتها الحكومة مبررة في عيون بعض المتخصصين؟ 

يشير التقرير الذي نشره مجلس توجيه نظام التقاعد الفرنسي في سبتمبر/أيلول 2022 أن هذا الأخير سجل فائضا ماليا قدره 3.2 مليار يورو في العام 2021. لكن توقع في نفس الوقت أن يشكو من عجز مالي في السنوات الخمس والعشرين المقبلة. فوفق هذا المجلس، يتوقع أن ينهار نظام التقاعد بشكل طفيف وتدريجي بين عامي 2023 و2027 قبل أن يصبح سلبي لغاية 2032 ثم يستقر ويستعيد توازنه من جديد.

“نظام التقاعد ليس مهددا”

وعلق ميكائيل زمور، وهو متخصص في الشؤون الاقتصادية وأستاذ باحث في جامعة (باريس 1) وصاحب كتاب “النظام الفرنسي للضمان الاجتماعي” على هذا التقرير قائلا بأنه “يبين بشكل واضح أن نظام التقاعد ليس مهددا وجميع السيناريوهات تشير إلى أنه سيكون متوازنا من الناحية المالية”.

وأضاف: “السبب الحقيقي الذي يقف وراء إصلاح نظام التقاعد مدون في الصفحة الثالثة لبرنامج التوازن والاستقرار الاقتصادي الذي أرسلته الحكومة الفرنسية إلى بروكسل الصيف الماضي. هذا البرنامج يشير إلى أن سياسة تخفيض الضرائب على الشركات؟ التي اتبعها الرئيس ماكرون سيتم تداركها بتنفيذ إصلاحات هيكلية في العديد من المجالات، بينها نظام التقاعد. وتأمل الحكومة الفرنسية بواسطة هذه الإصلاحات خفض عجزها المالي إلى أقل من 3 بالمئة بحلول 2027. وأشار أن الأمر في الحقيقة “لا يتعلق بتمويل نظام التقاعد أكثر مما هو اقتصاد النفقات لتمويل سياسة تخفيض الضرائب على الشركات”.

وتابع ميكائيل زمور: “ثمة خطاب سياسي يسعى إلى تضخيم مشكلة العجز المالي لإظهار بأن هناك ضرورة ملحة لإصلاح نظام التقاعد لكن في الحقيقة نسبة العجز المالي الحقيقي الذي سيتم الكشف عنها قريبا ستكون معتدلة للغاية”.

ارتفاع طفيف لنسبة النفقات في تمويل نظام التقاعد في 2027

وأردف: “أن يشكو نظام التقاعد الفرنسي الذي يصرف سنويا حوالي 340 مليار يورو على المتقاعدين من عجز مالي يتراوح ما بين 10 إلى 12 مليارا ليس أمرا خطيرا”، منوها في الوقت نفسه أن “نتائج تقرير مجلس توجيه نظام التقاعد في فرنسا لا يتفق مع الخطاب الذي يوحي بأنه من الصعب جدا التحكم في النفقات المخصصة لتمويل هذا النظام”.

ويشير نفس التقرير أن نسبة النفقات سترتفع فقط بنسبة 13.9 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الفرنسي في 2027 بعدما كانت تعادل 13.8 بالمئة في 2021 ثم بينما ستصل إلى 14.2 بالمئة أو 14.7 بالمئة على أقصى تقدير بين 2028 و2032.

وبالرغم من أن نظام التقاعد الفرنسي سيعاني من عجز مالي في السنوات المقبلة، إلا أن نسبة هذا العجز لا “تبرر” وفق زمور “رفع سن التقاعد كما تخطط له الحكومة”.

لكن ماكرون قال عكس ذلك في مقابلة أجراها مع القناة الفرنسية الأولى في 3 ديسمبر/كانون الأول 2022 حيث أكد أن “جميع الدراسات الجادة تشير إلى ارتفاع مستوى النفقات بهدف الحفاظ على نظام التقاعد، ولهذا السبب والحل الوحيد الذي نملكه هو إطالة مدة العمل”.

“فرض ضرائب إضافية على الموظفين الذين يتقاضون أجورا مرتفعة”

ويتطلب إصلاح نظام التقاعد مراعاة ثلاثة عوامل، أولا: سن التقاعد. ثانيا: مستوى النفقات وثالثا: طرق تمويل نظام التقاعد. لكن إيمانويل ماكرون استبعد من حساباته فرضية رفع مستوى النفقات أو التمويل، ما تركه أمام خيار سن التقاعد.

وإلى ذلك، اقترح ميكائيل زمور خمسة حلول لتمويل نظام التقاعد بدون تمديد سنوات العمل.  من بينها وقف تسديد الديون المترتبة عن أزمة كوفيد-19، ورفع نسبة الضرائب على الشركات بـ0.8 نقطة لغاية 2027. وقال زمور: “يمكن أن نقترح حلولا أخرى، مثل حل مشكلة البطالة التي يعاني منها كبار السن أو فرض ضرائب إضافية على الموظفين الذين يتقاضون أجورا مرتفعة”.

وأظهر التقرير الأخير الذي نشره مجلس توجيه نظام التقاعد في يناير/كانون الثاني 2022 أن “الفرنسيين يتقاعدون مبكرا مقارنة بجيرانهم المواطنين الأوروبيين الآخرين”.

فعلى سبيل المثال، في العام 2019، بلغ متوسط سن المتقاعدات الفرنسيات 62.6 عاما و62 عاما للرجال. أما في إيطاليا وخلال نفس السنة، فحدد سن تقاعد النساء بـ 63.3 عاما. (بلجيكا 63.7 عاما وإسبانيا 64.3 عاما وألمانيا والسويد 64.4 عاما و66 عاما في هولندا). أما عند الرجال فلقد بلغ سن التقاعد في بلجيكا 62.5 عاما و63.1 في إيطاليا و63,7 عاما في إسبانيا و64 عاما في ألمانيا و64.4 سنة في السويد و66 عاما في هولندا.

“رفع سن التقاعد لا يعني بالضرورة تحسين وضع جميع المسنين”

وأشار ميكائيل زمور أن رغم صغر سن المتقاعدين الفرنسيين مقارنة بسكان الدول الأوروبية الأخرى، إلا أن الإصلاحات التي أجراها الرئيس فرانسوا هولاند في 2014 على نظام التقاعد نصت على تحديد سنوات الاشتراكات المالية التي يدفعها الموظفون الفرنسيون الذين ولدوا في 1973 أو بعد هذا التاريخ إلى 43 عاما وذلك بهدف الرفع من قيمة المعاشات التي سيتقاضونها”.

من ناحيتها، أكدت إليزابيث بورن في مقابلة مع يومية “لوبارزيان” الشهر الماضي أن قانون التقاعد الجديد سيسمح للموظفين المسنين بالبقاء في مناصب عملهم. في حين اعتبر الخبير ميكائيل زمور أن “رفع سن التقاعد لا يعني بالضرورة أن وضع جميع كبار السن سيتحسن، خاصة أولئك الذين يشكون من البطالة. بل سيزيد من هشاشة وضعهم الاجتماعي وسيصبحون رهائن المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة قبل الوصول إلى سن التقاعد”.

وتابع هذه المشكلة “ستؤثر أكثر على العمال العاديين الذين يتقاضون أجورا ضعيفة وليس على الكوادر”، منهيا أن “العاطلين عن العمل الذين يتجاوز عمرهم 60 عاما سيمرون بظروف اجتماعية ومالية عصيبة قبل أن يتقاضوا معاشات التقاعد”.

رومان بروني 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى